أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات خلال زيارة تاريخية إلى القدس العام 1979 أن النزاع العربي الإسرائيلي نفسي إلى درجة بعيدة.

تُعتبر المفاهيم الموروثة من التاريخ والقناعات العميقة حول الظلم، قوية لدرجة أنه عندما يلتقي عربي أميركي مع يهودي أميركي على المستوى الاجتماعي فإنهما ينزعان إلى تجنّب السياسة إلى أقصى حد ممكن. يمكن لبحث الخلافات أن يفسد العلاقة بين عربي ويهودي قد يتشاركان معاً في حي السكن أو العمل أو غرفة صفّية أو موقع عمل.

إلا أنه رغم كون الغالبية يسبحون مع التيار، هناك أقلية كبيرة على كل جانب مع جانبي الصدع في الشرق الأوسط تتحدى وجهات النظر المتطرفة وتعمل بجد لتشجيع التفاهم والسلام المبني على العدالة. هناك أناس يحاولون اختراق الحواجز بين المجتمعات والانخراط في تبادل منفتح العقلية.

يسهل إيجاد الأمثلة. لدي قصة شخصية أرويها حول لقاء أسرتنا مع أسرة يهودية مبدعة خلاّقة تحب السلام. أنا عربي أميركي من أصول لبنانية، وزوجتي ماري أميركية عاشت بضع سنوات في لبنان.

بدأ الأمر في أواخر شهر مايو/ أيار عندما عبّر بروس روتر، وهو قارئ يهودي عن تقديره لمقال ناشدْت فيه العرب واليهود في أميركا العمل معاً من أجل السلام في الشرق الأوسط. قال بروس روتر رداً على مناشدتي: «أسمعك». وأضاف: «أنا مؤلف عمل سمفوني...» لحّن سمفونية عن كامب ديفيد عنوانها «صلاة من أجل السلام»، ثم أرسل لي الرابط على اليوتيوب.

بروس أستاذ في الموسيقى بكلية سانت روز في مدينة ألباني بنيويورك. امتدح رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن وجيهان السادات (زوجة أنور السادات) عمله الموسيقي العام 1996، الذي قدمه لتشجيع السلام في عدة مدن أميركية خلال السنوات الأربع عشرة الماضية على أمل، كما قال بروس: «أن تعمل هذه الموسيقى على رعاية الروابط الثقافية بين كافة الشعوب في المنطقة». وعندما عُزِفت في واشنطن قبل ثلاث سنوات حضر الحفل ممثلون رسميون من إسرائيل ومصر وفرنسا وكندا.

بعد سماع مقطع من هذا العمل الملهِم، نظّمت لقاءً مع بروس وأسرته، بمن فيهم زوجته مونيك وأطفاله الثلاثة.

تعرَّضت أسرة روتر بشكل واسع للحياة في الشرق الأوسط. هاجر والدا مونيك من مصر في خمسينيات القرن الماضي. وتملك مونيك التي نشأت في أسرة سفاردية تذوّقاً متأصلاً للطعام الشرق أوسطي وثقافة شرق البحر الأبيض المتوسط.

شاركَت أسرة بروس، في يوم مشمس في أواخر يوليو/ تموز أسرتي تناول وجبة طعام هي لوبيا باللحم مع الأرز. تحدثنا عن كافة أنواع الأطباق الشرق أوسطية بشغف وشوق: البامية والملوخية وورق العنب. أخبرتنا مونيك أثناء تناول طعام الغداء أن والديها طُرِدا من مصر إبان حكم جمال عبدالناصر. لم أرَ أي غضب على وجه مونيك. لم أتبرع بوجهة نظري لغياب هذا العدد الكبير من الجاليات الموهوبة من مصر إبان فترة الثورة من حكم عبدالناصر، فأي تعليقات حول التاريخ لترجمة رواية شخصية حساسة قد يبدو تهوراً.

وفرت وجبة الطعام صرحاً سهلاً للتشارك في أفكار حسّاسة. عائلة روتر من أنصار إسرائيل وبقوة، ولكنهم يرون أن أمن إسرائيل المستقبلي يتعزز بوجود دولة فلسطينية قادرة على البقاء.

قمنا بعد ذلك بدعوة مجموعة صغيرة من الأصدقاء لسماع بروس يقدّم ويدير قرص الـ CD لسيمفونية السلام. طرحنا العديد من الأسئلة، وكان بروس على أتم الاستعداد لشرح توجّهه في تدريس الموسيقى وإيجادها. تكلم كذلك عن آخر أعماله، وهو أوبرا سلام للأطفال عنوانها «الغرفة الصفية».

تقع أحداث الأوبرا في غرفة صفيّة مكونة من مجموعتين عرقيتين. سوف تعرض لأول مرة هذا الخريف في مدرسة «ألباني الابتدائية» حيث يدرس أطفال أسرة روتر. سوف تتكون المجموعتان في الأداء الأول من مجموعة فلسطينية وأخرى إسرائيلية.

* معلق عربي أميركي حول قضايا التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط في اتحاد الكنائس العالمية ومركزه جنيف، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

أرسى أفراد أسرة ربيز وروتر أركان صداقة جديدة ولدت من رحم تقدير مشترك للتعايش في دولة إسرائيلية آمنة ودولة فلسطينية مستقبلية.

يشعر أفراد الأسرتين بقوة بأن النزاع إما يفرّق أو يجمع الناس معاً. يتّحد الناس عندما تكون هناك نية مشتركة لتجنب الحرب في حل المشاكل. نأمل أن تتعمق هذه الصداقة مع مرور الزمن، بغضّ النظر عن كيف يتطور الوضع السياسي.

هناك ملايين القصص في الشرق الأوسط، بعضها محزن وبعضها سعيد، وبعضها يمتلئ بمشاعر مختلطة. ولكنني أجد أن العنصر البشري هو مفتاح التفاهم، حيث يشرح النزاع في الشرق الأوسط ويحلّه.