يقع إقليم دارفور في أقصى الغرب، والشمال الغربي للسودان بين خطي عرض 9 - 20 شمالا، وخطي طول 16 - 27.7 شرقا. وتصل مساحته إلى ما يقرب من 20 في المئة من مساحة السودان وهو أكبر من نصف مساحة جمهورية مصر العربية وأكبر من فرنسا حيث تصل هذه المساحة إلى 200 ألف ميل مربع، وتشترك في حدودها مع ثلاث دول إفريقية هي ليبيا من الشمال الغربي، وتشاد من الغرب، وإفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي. ويتكون إقليم دارفور من ثلاث ولايات هي: شمال دارفور، وجنوب دارفور، وغرب دارفور.
ساعدت الحدود المفتوحة والتداخل القبلي بين دارفور وتشاد (التي شهدت حربا أهلية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي) على انتشار السلاح في إقليم دارفور، كما ساهمت الحكومة السودانية في إذكاء الصراع في دارفور، حيث قامت -منذ عهد الصادق المهدى وحتى نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير- بتزويد بعض القبائل العربية بالسلاح من أجل إحكام قبضتها على الإقليم ومنع الحركة الشعبية لتحرير السودان من مد نفوذها أو مسرح عملياتها إلى دارفور، وأدى ذلك إلى تفاقم الصراع وتدهور الأوضاع الأمنية في الإقليم، حيث استخدمت القبائل العربية الأسلحة التي حصلت عليها من الحكومة في صراعها مع القبائل الإفريقية الأخرى.
ووفقا لبعض التقديرات فقد أدت المواجهات المسلحة والعمليات العسكرية التي وقعت في دارفور (منذ فبراير/ شباط 2003) إلى مقتل نحو 300 ألف شخص، بالإضافة إلى 180 ألفا آخرين ماتوا جوعا، ونزوح نحو 1.6 مليون شخص داخل دارفور، وفر نحو 200 ألف لاجئ إلى الدول المجاورة وخاصة تشاد.
وإذا ما استعرضنا أسباب الأزمة في دارفور يمكن الإشارة إلى عديد من الأسباب أهمها:
- أسباب بيئية: حيث تعاني المنطقة منذ سنوات عديدة من تدهور بيئي وأمني، مع تعاقب موجات الجفاف وبالتالي تعدد المجاعات.
- أسباب تنموية: وتتلخص في إهمال الحكومات المركزية المتعاقبة لعملية التنمية في الإقليم على رغم إسهامه الكبير في الدخل القومي.
- أسباب سياسية: وترجع إلى الانشقاق الذي حدث في صفوف الجبهة القومية الإسلامية العام 2000، حيث بدأ العمل المعادي للحكومة المركزية يبرز في دارفور نظرا لأن عددا من القيادات السياسية للجبهة القومية الإسلامية ينحدرون من إقليم دارفور.
- العسكرية القبلية: أدت الصراعات القبلية على الأرض ومصادر المياه بسبب التصحر والجفاف إلى تشكيل ميليشيات قبلية من قبائل متعددة متصارعة.
إن الأمر الذي لا شك فيه أن مشكلة دارفور تعكس بامتياز صراعا دوليا واضحا بين مختلف القوى الكبرى فيما أطلق عليه صراع المحاور في الإقليم.
أولا: تشكل الولايات المتحدة الأميركية محورا قائما بذاته لمصالحها الكبرى في السودان وتسعى للإنفراد به، إذ تعتبره منطقة نفوذ طبيعية لها استنادا إلى علاقاتها بأغلب الأنظمة التي حكمت السودان. وتؤيد الولايات المتحدة الانتشار السريع لقوة حفظ السلام المشتركة في دارفور (يوناميد) المكونة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وقوامها 26 ألف جندي.
ثانيا: تشكل بريطانيا محورا ثانيا، وتنطلق في ذلك مما تعتبره حقا تاريخيا بصفتها المستعمر السابق للسودان، وتحاول مقاومة فكرة أن تكون الولايات المتحدة الأميركية وريثة جديدة لمناطقها القديمة.
ثالثا: أبدت فرنسا اهتماما كبيرا بتطورات الوضع في دارفور، وهو أمر منطقي وطبيعي، حيث أن إقليم دارفور يجاور مناطق نفوذ فرنسية غاية في الحساسية والأهمية، تاريخيا واقتصاديا واستراتيجيا، ونعني بها جمهورية تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، كما أنه بوابة رئيسية إلى منطقة غرب إفريقيا. ولفرنسا قاعدة عسكرية في تشاد.
ومن هنا ينطلق الموقف الفرنسي أيضا من ظروف تدفق اللاجئين إلى تشاد، وتهديد الولايات المتحدة بالتدخل، ما يشير إلى تغير الوضع في إقليم دارفور وما حوله، وهي مناطق ذات علاقات ومصالح مع فرنسا ومجموعة الدول الفرانكفونية المرتبطة بها، لذلك تدخلت فرنسا في مشكلة دارفور لحماية مصالحها في المنطقة ولإبعاد الولايات المتحدة عن مجالها الحيوي.
رابعا: انطلقت دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا والنرويج لتزج بنفسها في هذا السباق القائم على المصلحة، لتشكل في النهاية محورا أوروبيا في وجه المحور الأميركي.
خامسا: شكلت الصين محورا قائما بذاته، حفاظا على مصالحها النفطية في السودان، يعد النفط وضمان الحصول عليه واستمرار ذلك هو عنصر المصلحة الرئيسي والأكبر للصين في التعامل مع قضية دارفور، حيث إن شركة النفط الصينية الوطنية هي أكبر مستثمر أجنبي للنفط في السودان منذ العام 1999، حيث استثمرت الصين 15 مليار دولار على الأقل في السودان وتمتلك 50 في المئة من مصفاة للنفط تقع بالقرب من الخرطوم بالمشاركة مع الحكومة السودانية. وتحصل الصين على 65 إلى 80 في المئة من النفط الذي تنتجه السودان ويبلغ 500 ألف برميل.
ومن هنا لا يمكن فصل الاضطراب الحاصل في دارفور عن دائرة الصراعات الدولية على النفوذ في إفريقيا. ولابد من قيام تأييد دولي واسع لجهود الوسيط الدولي المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من أجل إحياء العملية السياسية بين الحكومة السودانية وجماعات المتمردين غير الموقعين على اتفاق سلام دارفور في العام 2006، بما في ذلك المحادثات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة. وتأييد التوصل إلى حل سياسي للنزاع، بما يتضمنه من فقرات تتعلق بالأمن والتعويضات حسبما تحدد في اتفاق سلام دارفور، وهو ما أوجد أطرا عريضة من أجل التوصل إلى نتيجة نهائية تسمح في نهاية المطاف لملايين من أهالي دارفور بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم من جديد والعيش في سلام.
*باحث في العلوم السياسية، مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات-القاهرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية ww.minbaralhurriyya.org»
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ