العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ

المحكمة الجنائية الدولية عابرة للحدود... فهل تكون صمام الأمان في الألفية الثالثة؟

المعارضون: لعبة بيد الدول الكبر... المؤيدون: أكبر إنجاز قانوني لحـــماية الشعوب

ثمة أسئلة كبيرة دارت ولاتزال عن دور المحكمة الجنائية الدولية واختصاصاتها وصلاحياتها، ففي حين يرى مؤيدو هذه المحكمة أنّها محكمة دائمة، مستقلّة ومحايدة تقوم على مبادئ عدّة أبرزها: مبدأ التكامل بين المحكمة الجنائية والقضاء الوطني، عدم إسقاط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة قي التقادم، جبر أضرار المجني عليهم، عدم رجعية الأثر على الأشخاص والمعاقبة فقط بحسب نظام روما الأساسي، المسئولية الجنائية الفردية، يرى آخرون أنها ليست كذلك وأنها لا تعدو عن كونها أداة بيد القوى الدولية الكبرى المسيطرة على العالم بل والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وقد ثار جدل كبير عن طبيعة العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن الدولي.

أسباب كثيرة يراها دعاة المحكمة أنها كافية لأن تمارس سلطتها على دول العالم كافة، وأن تمارس اختصاصها على الأفراد الذين ارتكبوا الجريمة أو خططوا لها أو شاركوا فيها أو حرّضوا عليها، وذلك لضمان عدم إفلات أي شخص متورّط من العقاب.

الدول العربية أصبحت أكثر تخوفا وقلقا من المحكمة الجنائية الدولية بعد التداعيات التي تركها قرار المدعي العام بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وعلى رغم أن ثلاث دول عربية فقط هي الموقعة على نظام روما الأساسي (المرجعية القانونية لعمل المحكمة)، فإن أصواتا رسمية وشبه رسمية وأخرى برلمانية وإعلامية دعت الدول العربية لعدم الاستجابة للمحكمة وقراراتها.

وقد برز «التضامن العربي» الرافض للمحكمة بوضوح جدا في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في العاصمة القطرية (الدوحة) أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، والتي أعلنت رفضا قاطعا لقرار المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الرئيس السوداني، بل إن بعض الزعماء العرب -كالرئيس السوري بشار الأسد- اعتبر أن ما يتعرض له السودان من جانب هذه المحكمة هو شبيه لما تعرضت له في فلسطين في العام 1948.

وأكد الزعماء العرب ورؤساء الوفود العربية المشاركة في البيان الختامي للقمة العربية الـ 21 في الدوحة عن دعمهم وتضامنهم الكامل مع السودان في رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

وأكد الزعماء في إعلان الدوحة الذي تلاه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى فى الجلسة الختامية دعمهم للسودان في مواجهة كل ما يستهدف النيل من أمنه واستقراره ووحدة أراضيه ورفضهم لكل الإجراءات التى تهدد جهود السلام التي تبذلها دولة قطر في إطار اللجنة الوزارية العربية الإفريقية وبالتنسيق مع الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وفي الجبهة الأخرى يرى مؤيدو المحكمة أن الدول العربية تخشى من أن يطال ما حدث من السودان بلدانها، ولا يريد النظام العربي الرسمي أي نوع من المحاسبة الدولية الرادعة للأنظمة السياسية العربية غير الديمقراطية، كما يرون أن من المعوقات التي تحول دون انضمام الدول العربية إلى المحكمة الجنائية الدولية مبدأ حصانة الرؤساء وهو الأمر الذي يخشى منه النظام العربي الرسمي.

ويرى رئيس التحالف الدولي للمحكمة الجنائية الدولية وليام بايس أن الحجج لعدم انضمام الدول إلى المحكمة تكمن في خوف الزعماء من مبدأ المحاسبة والحصانة التي يتمتعون بها بالإضافة إلى ردود الفعل التي قد تصدر عن بعض الدول المؤثرة.

وفي حين يرفع معارضو المحكمة عقيرتهم عليها بسبب ما يرونه غموضا في العلاقة بين مجلس الأمن ومن ورائه القوى العالمية الكبرى وبين المحكمة الجنائية فإن المؤيدين للمحكمة يستشهدون دائما بمعارضة الولايات المتحدة الأميركية للمحكمة وتصويتها ضدّ نظام روما الأساسي، موضحين أنّ الدول التي وقعت على معاهدة روما هي القوى الديمقراطية المتوسطة والصغيرة وليس الدول الكبرى المهيمنة على المسرح الدولي، ولكنهم يقرون أحيانا أن مجلس الأمن في نهاية المطاف هو دائرة سياسية وليست قانونية، غير أن المقربين للمحكمة يرون أن معارضة القوى الكبرى لوثيقة روما وردّات فعل هذه القوى تظهر بوضوح أهميّة المحكمة الجنائية الدولية.

قدمت ممثلة عن منظمة «لا سلام من دون عدالة» نيام جيبونز شرحا بشأن المادة 16 من نظام روما الأساسي والتي تنظّم العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن ودور هذا المجلس وصلاحيّاته. ومنها، إحالة قضيّة ما إلى المحكمة، كما جرى بالنسبة إلى مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، وصلاحيّة تعليق قضيّة معينة لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية. وعرضت جيبونز سلسلة البراهين التي قدّمت ضدّ مذكّرة توقيف البشير وقابلتها بأخرى تبرّرها. ومنها واجب مجلس الأمن أن يمارس المزيد من الضغوط على السلطة السودانية وعدم الرضوخ لتهديداتها، إضافة إلى واجب تحقيق العدالة من أجل ضحايا الجرائم. وأشارت جيبونز إلى أن الدول التي شاركت في المفاوضات الدولية بشأن تأسيس المحكمة هي بالأساس تخالف التدخّل السياسي لمجلس الأمن غير أن هناك حالات تقضي بإحالة إحدى القضايا إلى المحكمة.

ويرى دعاة المحكمة أن للعامل الزمني دور في عدم استيعاب الكثير من الدول لطبيعة مهمات المحكمة، ويشيرون إلى أن المحكمة حديثة النشأة، وليس من حقها فتح ملفات ما قبل العام 2002، إذ إن ولايتها تمتد لما بعد هذا التاريخ فقط.

وعلاوة على ذلك فإن الإشكال الجوهري الذي يطرحه معارضو المحكمة الجنائية في العالم العربي يتعلق بما يرونه «ازدواجية المعايير» التي تتبعها المحكمة والتي لا تختلف عن سياسة العين الواحدة للدول الكبرى، وهؤلاء يطرحون أسئلة عدة: لماذا «السودان وليس (إسرائيل) التي تضرب بعرض الحائط المرجعيات والقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

وقد عزز هذا الإشكال المغطى بالتشكيك في عمل المحكمة بتصادف قيام «إسرائيل» بارتكاب مجزرة غزة التي استمرت لأكثر من عشرين يوما والتي حصدت حياة أكثر من 1350 شهيدا وفلسطينيا وأكثر من 4000 جريح، ويرى معارضو قرار المحكمة أن المحكمة الجنائية الدولية لم تحرك ساكنا لما حدث في غزة، فكيف يمكنها أن تقنع الرأي العام العربي بصواب موقفها في السودان، وخصوصا أن ما حدث في غزة من مجازر كان على شاشات التلفزة العالمية بالبث المباشر بحيث يصعب على المحكمة التعذر بجمع الأدلة، لأن الجرائم التي طالت المدنيين وكذلك مقرات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وقعت على رؤوس الأشهاد.

أما المحكمة فترد على ذلك بأنه لا يمكنها متابعة قضايا العالم كله، وبخصوص قضية غزة فإنها تسلمت تفويضا من السلطة الوطنية الفلسطينية لمد سلطتها على الأراضي المحتلة، وذكرت المحكمة أنها بصدد التحقيق وجمع الأدلة ودراسة الإعلان الفلسطيني المقدم للمحكمة، أما فيما يخص الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان «حرب تموز» فترد المحكمة بأنها تنتظر تفويضا من الحكومة اللبنانية بهذا الشأن عبر موافقة لبنان على إقرار قانون روما الأساسي.

وقد برزت تساؤلات عدة بشأن تدخل المحكمة الجنائية الدولية في سيادة الدول وكذلك تعديها على حق المحاكم الوطنية في الاختصاص بالتحقيق والمسائلة ، إلا أن ممثل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان نضال الجردي يشدد على مبدأ التكامل بين الأنظمة القضائية المحليّة والمحكمة الجنائية الدوليّة، مشيرا إلى تحقيق تسوية بين سيادة الدولة وواجب ملاحقة الجرائم الدولية. وألقى الضوء على الجرائم الأربع التي تدخل في اختصاص المحكمة، جرائم الحرب، جرائم الإبادة، جرائم ضدّ الإنسانية والعدوان الذي سيناقش في مؤتمر مراجعة وثيقة روما في العام 2010، مضيفا أن الاغتيال السياسي لا يدخل في نطاق عمل المحكمة.

وتطرّق إلى شروط تدخّل المحكمة في قضيّة ما، والتي تُلخّص بعدم قدرة أو تقاعس أو عدم تحرّك الأجهزة القضائية المحليّة. وختم قائلا إنّ هناك تطوّرا في مفهوم الجرائم ضدّ الإنسانية حيث غالبا ما يُحكى عنها في حالات النزاع إلا أنها قد تطرأ أيضا في زمن السلم.

وفي ردها على سؤال «الوسط» بشأن الإشكالات المطروحة في العالم العربي على عمل المحكمة أشارت المحامية جنيفر سنشيز من مكتب المدعي العام إلى أن عمل وصلاحيات المكتب وخصوصا صلاحيّة المدّعي العام لإطلاق تحقيق في قضيّة ما، وفقا للأصول والمعايير المعتمدة. كما قدّمت سنشيز أمثلة واقعيّة عن القضايا من دارفور إلى غزّة، حيث تقدَّم أخيرا وزيرا العدل والخارجية الفلسطينيان بدعوى ضدّ ممارسات «إسرائيل» في غزّة، وأوضحت أن الدعوى لاتزال قيد الدراسة لرؤية إذا ما كانت تستجيب لبنود نظام روما الأساسي.

وفيما يخصّ دور مجلس الأمن الدولي، قالت سنشيز «إن القرارات الصادرة عنه تلزم الدول التعاون، وأضافت أنّه في حال لم تتعاون دولة مصدّقة على وثيقة روما مع محققي المحكمة، فيمكن للقضاة المعنيين رفع القضيّة إلى مجلس الأمن. وذكرت سنشيز أن ما من تأثير للأمم المتحدة على قرارات المحكمة وهناك فقط اتفاق تعاون وتبادل المعلومات بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة. بدورها، أثارت رئيسة برنامج العدالة الدولية في منظمة «لا سلام من دون عدالة» أليسون سميث نقطة تطور القانون الدولي وضمّه إلى الجرائم ضدّ الإنسانية جرائم الاستغلال الجنسي وتجنيد الأطفال، محملة بعض الأنظمة مسئولية إهمال هذه القضية.

وبدوره أوضح رئيس مكتب الضحايا والشهود سيمو فاتانين النقاط المتعلقة بحماية شهود الدفاع والادعاء على حد سواء، وتحضيرهم للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة وذلك دون تدريبهم على النصّ الأمر الذي قد يؤثر على الحقيقة والعفوية. وتطرّق إلى أهمية الشق النفسي ووجود أطباء نفسيين في المحكمة حيث «إننا هنا نتعامل مع أشخاص شهدوا على أفظع الجرائم (وهي التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة)، ولذلك تداعيات جدية على نفسية الشهود، ضف إلى ذلك صدمتهم وجهلهم لطريقة التعامل مع المحكمة وخصوص

العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً