كان السبت الماضي يوما حافلا ومزدحما ومثيرا... بدأ بجولةٍ انتخابيةٍ صحافيةٍ خاصة، وانتهى بجولة فرحٍ شعبي عام.
فبعد يوم انتخابي ساخن لانتخاب إدارة جديدة لجمعية الصحافيين بنادي الخريجين، بدأ دوامنا من الرابعة مساء، ومع الساعة الثامنة والنصف تلقيت اتصالا يستفسر عن نبأ إطلاق المعتقلين. كان الخبر أقرب للخيال.
بعد نصف ساعة وصل التأكيد من وزارة الداخلية: «بعد قليل أمر ملكي بالعفو عن جميع المعتقلين»، فنشرته «الوسط» على الأون لاين. ومع الساعة العاشرة والنصف انتشر الخبر، ونزل الناس بعفويةٍ إلى الشوارع في المناطق المحتقنة للتعبير عن فرحتهم الغامرة.
عند الساعة الحادية عشرة غادرتُ مبنى الصحيفة، وبنيّتي المرور على منطقة جدحفص لأرى ما يحدث، إلا أن حركة المرور كانت على خلاف المعتاد في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل. قطع المسافة بين دوّار القدم ودوار جدحفص (أقل من كيلومتر) استغرق نصف ساعةٍ بالتمام والكمال. كان مستحيلا دخول جدحفص وجوارها، وأحد الأشقاء العرب كان عائدا ساعتها من السعودية، فظنّها احتفالا جماهيريا بفوز أحد الأندية في «الفوتبول» كما قال.
في طريقي للمنزل، مررت بالمنطقة الجنوبية من البلاد القديم، حيث تجمّع بعض النسوة والأطفال أمام بيت الشيخ محمد حبيب المقداد (رئيس جمعية الزهراء لرعاية الأيتام). ربما هم بعض أهله وجيرانه ينتظرون وصوله بعد أن سمعوا النبأ.
إطلاق المعتقلين والمحكومين بدأ بعد عصر أمس (الأحد)، لتنطلق معه دفقةٌ جديدةٌ من الأمل الذي خبا أو كاد، وخصوصا في المناطق التي كانت مسرحا للاحتكاكات والمصادمات الأمنية بشكل شبه ليلي منذ شهور. وهي الاحتكاكات التي عبّر عنها وزير الداخلية بأنها «أعمالٌ منافيةٌ للقانون... ويجب ألا تعود تلك الأيام على أحدٍ من أهلنا ولا على هذا البلد الطيب».
جمعية «الوفاق» المعنية الأولى بالحدث بحكم الجغرافيا والحقائق الديموغرافية، عبّرت عن شكرها الكبير لجلالة الملك، على هذه المبادرة الطيبة التي تعبّر عن رغبته الصادقة تجاه الشعب، واعتبرتها جرعة كبيرة على طريق الإصلاح من خلال الاستجابة الكريمة لنداء العلماء.
الفقرة الأخيرة كانت غامضة، حتى بالنسبة للكثير من العاملين في الصحافة، لكن مصادر «الوفاق» كشفت عن لقاءٍ لم يُعلن عنه، تم بين جلالة الملك وعددٍ من كبار العلماء الإثنين الماضي. هذا اللقاء تمخّض عن هذه المبادرة التي ستؤدي إلى تصفير السجون، والأهم «إبعاد البحرين عن الخيار الأمني واللجوء إلى الخيارات السياسية»، وهو ما دأبنا في الصحافة على الدعوة إليه باستمرار وإلحاح، حتى بُحّ صوتنا وضاعت دعواتنا لتغليب لغة الحوار، وتعقّدت الأمور وأصبح الوضع رهن الشارع، تحكمه معادلة العنف والعنف المضاد.
جمعية «وعد» أصدرت بيانا أعربت فيه عن «صادق تقديرها وشكرها لجلالة الملك بصدور العفو الملكي عن 178 معتقلا بما فيهم الأستاذ المناضل حسن مشيمع والشيخ المناضل محمد حبيب المقداد»، متمنية ألا يستثني العفو أيا من المعتقلين والمحكومين في القضايا السياسية والأمنية. واعتبرت المبادرة الملكية «خطوة إيجابية لخلق أرضية تساهم في الاستقرار السياسي وتعزّز السلم الاجتماعي». ودعت إلى مزيدٍ من الإجراءات الكفيلة بتشجيع العمل السياسي السلمي وتعزيزه بإصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية.
مبادرةٌ كريمةٌ تستوجب كلّ الشكر والتقدير، وخطوةٌ تعد بطيّ صفحةٍ كئيبةٍ سوداء، وكلنا نتطلع إلى أفقٍ جديدٍ من التسامح والتعايش المشترك والحلم الدائم بوطنٍ يسوده الحب والعدالة والإخاء.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ