العدد 2909 - الإثنين 23 أغسطس 2010م الموافق 13 رمضان 1431هـ

بانتظار خطوة صاحب المشروع الإصلاحي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن كان للتاريخ أن يسجل بعض المحطات المضيئة في تاريخ البحرين المعاصر، فليس بوسعه أن يتجاوز محطة «الميثاق الوطني» في 2001، وإن كان هناك من سيكتب عن شخصيات تركت أو ستترك بصماتها على منصات تلك المحطات، فلا بد له من أن يرى، لمن أراد أن يبصر، بصمات عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

شكّل الميثاق كوثيقة سياسية، والملك كشخصية وطنية تقف وراءها، نظاماً متكاملاً حاول، ولا يزال، يسعى جاهداً كي يضع البحرين على الطريق الصحيحة التي من شأنها أن تأخذ بيدنا جميعاً نحو مجتمع «المملكة الدستورية»، الذي يرقى بها إلى مصاف الدول المتقدمة. ولا يمكن لأحد منا أن ينسى دفء أيام مناقشة مواد «الميثاق الوطني» في مطلع هذا القرن، وفترة مداولات انعكاساتها المحتملة على الأوضاع القائمة وتطوراتها، وفي القلب منها المقولتان اللتان نقلتا عن جلالة الملك حينها، واللتان لا يزال المتمسكون بالميثاق الوطني يرددونهما، كل ما هبّت على البحرين عواصف تحاول أن تثني سفنها عن عزمها على الوصول إلى شواطئ تلك المملكة الدستورية.

ما دعت له المقولة الأولى حينها، أن على من لديه مآخذ على ما جاء في «الميثاق الوطني»، أن يكف عن الإمعان في النظر إلى النصف الفارغ من الكأس فحسب، ويركز عوضاً عن ذلك على «النصف الممتلئ». أما المقولة الثانية فهي، لفتة نظر الجميع إلى أن «هناك أيام جميلة تنتظرنا ولم نعشها بعد».

هاتان المقولتان تمثلان اليوم أمام ناظري كل من يتابع تطور الأحداث المتأزمة في البحرين، بل ويصر على الإمساك بهما كلما إزدادت الأمور تأزماً وتعقيداً، كي يتزود بجرعة ضرورية من أمل، هو في أمَسِّ الحاجة إليها، في خضم تلمسه مخاطر ومستقبل ذلك التأزم.

يمسك الواثق بمستقبل مشرق تؤول إليه طريق «الميثاق الوطني» الجمر بين يديه، لكنه في الوقت ذاته يسير واثقاً في تلك الطريق، مصرّاً على التحديق في تلك النصف الممتلئة من الكأس، وممسكاً بشدة بخيط الأمل الذي سيوصله إلى تلك «الأيام الجميلة»، كي يعيشها. فلا يمكن لفاقد ثقة في مشروع أن ينجح في الدفاع عنه ضد أعدائه. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى المقولة الثانية، فمن يتحمل صعاب انتشال المجتمع البحريني، من نفق ليالي «قانون أمن الدولة» السوداء المظلمة، إلى رحاب «أيام الميثاق الوطني» المستقبلية الجميلة، لابد له أيضاً أن لا تغيب عن ناظريه تلك النصف الممتلئة من الكأس. هذا التناغم بين «الأيام الجميلة»، و «النصف الممتلئة» هو الذي يحول «الميثاق الوطني»، سوية مع من يقف وراءه، من مجرد وثيقة تاريخية، دونها ملك، إلى خطوة متقدمة ترسم معالم نظام سياسي معاصر ومتكامل.

لكن قبل أن ننتقل إلى مناقشة سبب تمسك المخلصين للميثاق بهاتين المقولتين، ودفاعهم المستميت، والمستمر والمتنامي عنهما، لابد لنا من توضيح ما تدلان عليه، وما تشيران إليه.

فبالنسبة إلى الأولى، فهي تحمل في ثناياها دعوة ضمنية للتفاؤل والثقة التي يحتاجهما أي مشروع إصلاحي براديكالية «الميثاق الوطني»، التي لا ينبغي أن تهزهما، خطوة تراجعية تكتيكية للخلف هنا، أو التفاتة اضطرارية للوراء هناك، طالما وثق الجميع أن كلتيهما ضروريتان من أجل الاستمرار في السير نحو الأمام لبناء دولة المؤسسات، وعلى وجه الخصوص منها تلك الدستورية.

كان جلالة الملك يدرك، حينها، حاجته إلى تعزيز ثقة شعبه التي نالها وأثبتتها نسبة الـ 98.4 % التي أسفرت عنها نتائج التصويت الشعبي على الميثاق، كي يتمكن من ملء النصف الأخرى من الكأس، والتي هو واثق أيضاً، أنه لا يريد، وليس في وسعه أن يملأها لوحده، من دون مشاركة جميع أبناء ذلك الشعب في تلك العملية الصعبة، والتي - كان هو أكثر العارفين - كانت تتم في ظروف في غاية التعقيد جراء الأوضاع المحيطة بها والمناقضة لها، على حد سواء.

نجح الملك في زرع التفاؤل، وكسب الثقة التي قادت إلى الدستور والمجلس الوطني بحجرتيه.

ومن الكأس نصف الممتلئة، التي علينا جميعاً ملؤها، ننتقل إلى الأيام الجميلة التي ما زلنا نحلم جميعاً، وفي المقدمة منا جلالته، أن نعيشها.

لا شك أن جلالته كان يدرك تلك العقبات التي تنتظره، ويرى تلك العصي التي يريد البعض وضعها في دواليب مشروعه الإصلاحي. هذا يعني أن المشروع لا يمكنه أن يسير، في طريق مستوية، بل لابد له، شأنه شأن أي مشروع إصلاحي بمستوى الذي حمله جلالته، أن تكون أمامه طرق ملتوية متعرجة، بل وتملؤها المطبات الصاعدة والهابطة. كان جلالته يريد أن يقول لشعبه حينها، علينا أن نكرس جهودنا، ونبذل قصارى ما في وسعنا، كي نستطيع أن نحقق مكاسب المرحلة التي ننعم فيها بظلال المشروع الإصلاحي، الذي من الخطأ التوهم أن يسكت عنه، أو يكف عن عرقلته، جميع أولئك الذين هددت مصالحهم التغييرات التي دعا لها أو حملها في طياته.

يكشف ذلك سر تمسك المؤمنين بما جاء في الميثاق بتلك المقولتين، والذي هو ثقتهما في صاحبهما، الذي خرج، بجرأة ممزوجة بالثقة في النفس وفي المواطن، في خضم تردي الأوضاع في البحرين في التسعينيات من القرن الماضي، حاملاً بيديه شعلة الميثاق الوطني، داعياً الجميع أن يقفوا معه في الدفاع عنها. خطوة شجاعة أخرى يتطلع لها اليوم، أكثر من أي وقت مضى منذ تدشين «الميثاق الوطني»، المخلصون لهذا البلد من جلالة الملك كي يؤكد النهج الذي أضاء تاريخ البحرين، ويضرب عرض الحائط بالكثير من الأساليب التقليدية، في معالجة الأوضاع عند تأزمها.

خطوة جريئة شبيهة بتلك التي فاجأنا بها جلالته، يضيفها إلى سجله لن تنتشل البحرين، من أوضاعها الخطرة التي تعيشها اليوم فحسب، بل ستثبت مرة أخرى، أن القادة المتميزين، هم الذين يبرزون في المنعطفات الحادة، فيحملوا الراية، ويتقدموا الصفوف، بكل ما يحمله ذلك التقدم من مخاطر ومجازفات، كي ينقذوا بلدهم من «مهالك» طريق، هم أكثر من يلمس كوارثها المدمرة.

خطوة ينتظرها من العاهل كل من لا يريد أن يرى خريطة البحرين ممزقة بشروخات عميقة قد لا تندمل.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2909 - الإثنين 23 أغسطس 2010م الموافق 13 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 7:21 م

      شكرا للكاتب المتميز

      شكرا للكاتب الكريم الذي دائماً ينوي نوايا حسنة بكتابات وأفكار متنوعة!!!.

    • زائر 16 | 9:54 ص

      صح لسانك يا أستاذنا الكبير عبيدلي

      صح لسانك يا أستاذنا الكبير عبيدلي ... مع تحيات ( عاشق الندى )

    • زائر 15 | 7:41 ص

      المشكلة واضحة

      المشكلة واضحة والحل أوضح للجميع فلنضع أيدينا مع بعضنا البعض لننقذ البحرين وشعبها مما هم فيه من ألم ومعاناة لا تتوقف. غريبة يا البحرين تخدمين الأجنبي وتنفقين عليه ولا تولين نصف هذا الإهتمام إلى أبنائك ؟

    • زائر 14 | 6:59 ص

      نعم نريدها

      نعم نريد خطوه جريئة , وقد خطاها الملك لسنوات وهو يعفو ويسامح . . مارايك يا اخ عبيدلى في اغلبية الشعب التى تدعم توجه حفض الامن وحماية السلم الاهلى .. السنا ايضا من الشعب , بل اغلبيته ؟ يا اخى بدل ذلك اطلب من المترددين ان يدينوا هذا السلوك , وبعدذلك يكون الامن والاستفرار ..وكفايه خلط للاوراق .

    • زائر 13 | 5:51 ص

      "لقد بلغ السيل الزبى"

      بالعكس الصحوة الأخيرة هي التي إن شاءالله ستحفظ البحرين من التمزق والشروخات العميقة.حفظ الله البحرين من كل شر ومكروه..آمين

    • زائر 12 | 5:25 ص

      المشكلة هي ليست في الملك ولكن هي في

      من يعملون حوله ممن يلتقي بهم او في الصحافة والاعلام
      هم الذين يحرفون الحقائق
      وهم الذين يؤججون الوضع
      هذا يخدم مصالحهم
      حفظ الله البحرين وشعبها الطيب

    • زائر 9 | 3:25 ص

      ابن المصلى

      متفائلين بشخص جلالة الملك لأن قلبه يتسع للجميع وحكمته ان يجعل من هذا الوطن واحة من الأمن والأمان لينعم الجميع بخيراته فعلينا جميعا وفي هذه المرحلة الحساسة والتي يمر بها الوطن ان نضع ايدينا متعاونين متكاتفين للخروج من هذا النفق المظلم حقيقة الوطن يا أخواني امانة في اعناقنا لانفرط في ذرة من ترابه علينا ان نعي الدروس والعبر من البلدان التي حدثت بها انشطارات طائفية كيف انها تمزقت شر تمزق انحرق فيها الأخضر واليابس نحن ضد من يضع العصا في دولاب عجلة المشروع الأصلاحي وفي نفس الوقت لانرضى ان يحرق الوطن

    • زائر 8 | 2:47 ص

      مقال جداً رائع

      الأخ عبيدلي
      عمودك اليوم جداً رائع ، ونضم صوتنا إلى صوتك للناشد جلالة الملك بأن يقوم بخطوة جريئة تفوت الفرصة على كل الأطراف التي تسعى ببلدنا الحبيبة إلى طريق مظلم ومحفوف بالمخاطر .

    • زائر 6 | 2:40 ص

      النصف الفارغ في اتساع مستمر

      أي مشروع لا يلقى تطوير وتحسين في جوانبه يبقى خاويا وينتهي إلى لا شيء وقبول الناس بالمشروع الإصلاحي رغم نواقصه على أمل أن يكون هناك تطوير وتحسين به وإذا بالناس ترى التعثر والتراجع في المشروع الإصلاحي والذي انعكس على نفوس الناس وما هو حاصل نتيجة طبيعية للإحباط واليأس لدى الناس.وإن لم يتم تدارك الموضوع فأن الإمور تسير إلى المجهول
      ورغم أننا لا نؤمن بالعنف للحصول على المطالب إلا أن البديل غير موجود أو غير مجد وكيف نقنع الآخرين بالعدول ونحن لا نملك من نقنعهم به

    • زائر 5 | 2:39 ص

      نعم القلم قلمك ..........

      للكلمة الصادقة، والقلم الحر ، والحب الذي يملأ قلب صاحبهما الأثر البالغ في نفوس القراء الذين تجمعهم واياه حب الوطن واهله ، بوركت تلك الاقلام ، ونعم القلم قلمك وأقلام محبي الوطن واهله ، ونعم كلمة الصدق والاخلاص والمحبة فهل يدرك القارئ ما تريد وما تتمنى وتحب لوطنك الذي تحمل همه وهموم اهله وتخاف عليه كخوفك على نفسك انها الموطنة الصادقة المخلصة فهل يقهمها الاخرون وتكون هي الروح التي بها يكتبون ؟؟؟

    • زائر 3 | 11:20 م

      هكذا عرف شعب البحرين جلالة الملك حفظه الله

      انه الاقدر على أدارة الحوار الوطني المتمدن والأكفء لأحتواء االأزمة واحتضان شعبه بكل مكوناته في العائلة البحرينية الواحدة هكذا فهمنا المشروع الاصلاحي وثوابته تعلمنا وبه استنرنا وقيمه تشربنا واسنبشرنا فخرجنا عن بكرة ابينا شبابا وشيبا نساء ورجالا من كل قرية ومدينة مهللين بفارس نهضتنا الحديثة. د. نجاح حميد صنقور

    • وطني عزيز | 11:08 م

      مشروع واهٍ لشعب مل المشاريع!!

      الكاتب الكريم عن أيّ مشروع تتحدث "مشروع التجنيس" أم "مشروع التمييز" أم "مشروع الطأفنة" أم "مشاريع سرقة الأراضي بلا حسيب ورقيب" أم "مشروع تعطيل توظيف الجامعيين" هذه هي المشاريع وغيرها الكثير التي استفدنا منها منذ قدوم ما يسمى بالمشروع الاصلاحي، هل هذا التفاؤل الذي نتحدث وسوف نتحدث عنه ونسرده لأجيالنا...هل نضحك على أنفسنا أو نداريها كفانا تلميعا في هذا وذاك وليجلس المعنيون على طاولة الحوار لنخرج بنتيجة طال انتظارها ودفع ومازال يدفع الشعب ثمنها أففف

    • زائر 2 | 11:02 م

      شكرا للأستاذ عبيدلي كل هذا التميز في هذا المقال

      كما أن هناك متربص للمشروع الإصلاحي منذ ولادته وإن الموضوع الآن أن يتم دراسته من جميع الجوانب والتحليلات ووضع الحلول العاجلة لم تعد .. مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً