العدد 2908 - الأحد 22 أغسطس 2010م الموافق 12 رمضان 1431هـ

معالي الوزير في اللقاء الأخير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في آخر مقابلة للشاعر الراحل غازي القصيبي، سأل الصحافية التي تناولت الغداء مع بينظير بوتو قبل رحيلها بأسبوعين: هل كانت تتحدث عن إمكانية موتها؟ فأجابته: «في آخر حديث معها قبل مقتلها بثلاثة أيام، بدت سعيدةً جداً بما حصلت عليه من دعم شعبي، وكانت تقول إنها ستقيم الديمقراطية في باكستان»!

القصيبي علّق قائلاً: «مسكينة... ذهبت ضحية قدرها»! ولو شاء الدقة لقال: بل «مسكينٌ ابن آدم، مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة»، وفوق ذلك يقتله الجشع والأثَرَة والطمع، ولا يسد عينيه إلا التراب.

الشاعر الذي عاش حياته بالطول والعرض، وعاد معافى من رحلة استشفائه الأخيرة، لم يتحدّث هو الآخر عن إمكانية موته، بل تحدّث - كما قالت الصحافية - عن منزله الجديد الذي وضع به «شقا العمر». وفي سيرته «حياة في الإدارة» كان يتحدّث عن أول سيارة اشتراها بالأقساط، وأول بيت بناه، وأول راتب تقاضاه، وما يفيض منه ومن عمله الإضافي، يذهب لشراء الكتب.

يعترف القصيبي بأن زواجه في 1968 لم يزد على خمسة آلاف ريال، ولكن بعد الطفرة النفطية أصبحت تكاليف الزواج ترهق الأغنياء وتقصم ظهر الفقراء، فأدخل الناس أنفسهم في مأزق التفاخر، وعليهم وحدهم مسئولية الخروج منه، لا على الدولة ولا على الوعاظ والمفكّرين.

ويشير إلى اكتشافه نظرية إشباع الحاجات الأساسية من خلال حديث أحد أقطاب السياسة السعودية حين قال: «أنا لست من حملة الشهادات العالية ولست من المثقفين، ولكني أعرف ما يريده كل مواطن: يريد بيتاً لائقاً يضمه وعياله، وعملاً كريماً، ومدرسة بالحي لأطفاله، ومستوصفاً وسيارةً وخدمة كهربائية منتظمة». وهي فلسفةٌ تنمويةٌ ناضجة، تُسلّم بحقوق المواطن الأساسية، ولا تعامله كشخصٍ منبوذٍ في بلده لأنه طالب بحقوقه على قدم العدل والمساواة، أو تلوّح بحرمانه من حقوقه السياسية والمدنية أخذاً بنظرية العقاب والثأر.

حين عُيّن وزيراً للكهرباء، اتصل به أحدهم مهنّئاً يقول: «أنت الآن تستطيع أن تتحكم في حياة آلاف البشر... يا لها من سلطة»! ويجيب في سرّه: ما لي وللتحكم في حياة آلاف البشر؟ وقتها لم يكن يعرف الفرق بين الكيلوات والميجاوات، فانهمك في قراءة عددٍ من الكتب والدراسات للحصول على معرفة سريعة ومكثفة تمكّنه من إدارة كهرباء بلدٍ في حجم قارة، ولم يعتمد على مجموعة من صحافيي العلاقات العامة المشكوك في قدراتهم وكفاءتهم ممن بلغوا سنّ التقاعد.

حين كثرت انقطاعات الكهرباء بالعاصمة، كان يحرص على مرافقة فرق الصيانة لإصلاح الأعطال في الأحياء السكنية، مرةً في الشهر، لرفع معنويات العمال، وليشعر الناس أن المسئول مهتمٌ بهم. وذات مرة اتصل مواطنٌ كواه الحر وهو يصرخ: «قل لوزيركم الشاعر لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء»، فأجابه: «الرسالة وصلت. أنا الوزير»! ربما ظنّه المواطن موظفاً يسخر منه، لكنه حرص على تدوين هذه الحادثة في كتابه، ولم يكتب هو أو سواه تقريراًً سرياً يحرّض المسئولين على مواطنيهم، ويتهمهم بعدم الولاء للوطن لأنهم تذمّروا من انقطاع الماء أو الكهرباء.

قصصٌ وعِبر... في حياة رجل ليبرالي، قضى آخر أيامه في مكتبته التي تحتوي آلاف الكتب، وكان يحلم بالتقاعد ليتخلص من ضوضاء الوظيفة، ويتفرّغ للكتابة وللعائلة ولصيد السمك... ولكن لم يمهله القدر، فمتى أمهلت الناس الأقدار؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2908 - الأحد 22 أغسطس 2010م الموافق 12 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 1:35 م

      ابواحمد

      ما فيه احد يسمع الكلام يا سيد
      بس اذا نزل الموت تاسفوا وقالوا لو ندري
      وصلت الرسالة
      معتاد سيدنا الله يعطيك العافية

    • زائر 15 | 7:25 ص

      كل الشكر

      كل الشكر والامتنان للكاتب المحترم والحر تكفيه الاشاره ! ومن يشير إلى ضياع البوصلة هو أصلاً يريد أن يضيع أو يشتت مفهوم القارىء الحر الغير مدفوع الاجر وهو ديدنهم!!

    • زائر 14 | 6:26 ص

      مقال يلامس الواقع البحريني

      شكرا سيد قاسم فمقالك يلامس الجرح البحريني في عدة نقاط :
      - الجشع و الطمع الذي أعمى بصيرة البعض فاستولوا على المال العام.
      - هموم المواطن البحريني الذي يحلم بوظيفة و بيت و حياة كريمة لا عقابًا سياسيًا و لا مسلسلات و منظمات إرهابية من خيال الكتاب المزيفيين.
      - أصحاب المناصب العليا الذين لم ينزلوا يومًا لمستوى المواطنين البسطاء و لم ينصفوهم في بلد بات مثل عذاري تسقي البعيد و تترك القريب يموت عطشا.
      - جوقة الكتّاب المأجورين الذين يلمعون الأحذية مقابل أموالا سوف يكوون بها في نار جهنم

    • زائر 13 | 6:25 ص

      إلي زائر (1)

      الظاهر خوك انته مضيع البوصلة
      روح اقرا عدل

    • زائر 12 | 6:25 ص

      افهم المقال جيدا يا زائر رقم 2

      السيد لم تنحرف بوصلته .... و تطرق لما يحصل عن طريق المقال نفسه ... اقرأه جيدا فالزائر رقم 3 اكتشف موقع النغزة

    • زائر 11 | 6:13 ص

      لا يزائر 2 بوصلة الكاتب ما انحرفت بل أنت لم تستوعب ما يقصده

      الكاتب باختصار يريد أن كون عندنا وزراء على قدر المسؤلية مثل القصيبي، وزارء متواضعون مثل القصيبي، وزراء يهمهم المواطن والوطن وليس الكرسي والشهرة، وزراء يحملون شكوى المواطن على محمل المسؤلية لا على محمل أن هذا عدو للوطن ولا يملك ولاء لوطنه

    • زائر 10 | 3:07 ص

      لم يكتب تقرير سري

      صدقت يا ابوالهواشم، لم يكتب هو أو سواه تقريراًً سرياً يحرّض المسئولين على مواطنيهم، ويتهمهم بعدم الولاء للوطن لأنهم تذمّروا من انقطاع الماء أو الكهرباء.بس لو كانوا في دولة ثانية كان لعنوا سنسفيلهم واتهموهم بكراهية النظام!!!!!! عشنا وشفنا، والله يستر على عباده في هذا الشهر الكريم.

    • زائر 9 | 2:58 ص

      هذا ما يريده كل مواطن باختصار

      ما يريده كل مواطن: يريد بيتاً لائقاً يضمه وعياله، وعملاً كريماً، ومدرسة بالحي لأطفاله، ومستوصفاً وسيارةً وخدمة كهربائية منتظمة».هذا بالضبط ما يريده كل مواطن، ياليت يفهمونها الجماعة عندنا.

    • زائر 8 | 2:38 ص

      بوصلتك انحرفت

      مواضيعك غريبة هذه الايام، فهي لاتمت للواقع بصلة، وبوصلتك انحرفت بعيدا من الحديث عن المواطن الى الشعر والادب

    • زائر 5 | 12:26 ص

      لله درك ياقاسم حسين

      يوم بعد يوم يساورني الشك أنك ساااااحر!! كيف لا وقد إستليت من حياة المرحوم القصيبي إدانة لوزير الكهرباء بطريقة سحرية ولا أروع!! في لغة الملالي البحارنة تسمى عملية إنتقال الخطيب من الحديث إلى المصيبة (تقريز) وقد أبدعت في (تقريزتك) السحرية من حياة غازي القصيبي إلى إدانة وزير الكهرباء!!! دائماُ مبدع ياسليل الحسين
      أبو صادق الدرازي

    • زائر 4 | 12:16 ص

      شكرا

      شكلك سيد أعدت قراءة كتابه ( حياة في الإدارة ) في هاليومين ..
      صراحة كتاب جميل جداً ورائع .. رحم الله القصيبي ، وجزاك الله خيراً سيد

    • زائر 2 | 9:50 م

      ما أكثر العبر وما أقل المعتبر ..زصدقت يااباالحسن(ع)

      في كل يوم وساعة ومكان وحادثة عبرة ولكن أين المعتبر ؟؟؟؟لو اعتبر الناس لكاصبحوا في خير دائم وسعادة لا تفارقهم لكن الامل الامل .....

    • زائر 1 | 9:39 م

      قد اسمعت لو نادية حيا لكن .............

      وصلت الرسالة

اقرأ ايضاً