كانت هناك مهنة مشهورة ومتعارف عليها وتدر على صاحبها دخلا جيدا، وتعتمد اعتمادا كليا على جهد صاحبها في ترويج بضائعه من دون منافسة أو عروض بديلة أو مناقصات شراء، وهذه المهنة هي تجارة الشنطة وصاحبها يسمى تاجر الشنطة أو البائع الجوال ولكن بشكل متطور.
وانه في إحدى المؤسسات الحكومية وقبل فترة ليست بالبعيدة كان يوجد وبشكل يومي ومن الساعة الحادية عشرة إلى بعد انتهاء الدوام الرسمي أحد تجار الشنطة الذي كان يروج لبضائعه التي تتمثل في الساعات والأقلام والمحافظ والميداليات والهدايا، وكانت هذه المؤسسة الحكومية، ممثلة في مسئولها الأول، تشتري من تاجر الشنطة هذا كل ما تحتاج إليه من هدايا لموظفيها وضيوفها وفي كل المناسبات ومن دون أية تسعيرات منافسة وبأية أسعار يطرحها تاجر الشنطة هذا بسبب علاقته الحميمة مع الشخص الأول في المؤسسة، أو السيدة الأولى في المؤسسة آنذاك.
وبلغ الأمر إلى الحد الذي أصبحت جميع معاصم أيدي الموظفين والموظفات تتزين بالساعات التي تم شراؤها من تاجر الشنطة المذكور، وجميع مفاتيح سيارات الموظفين والموظفات والضيوف وزوار المؤسسة تعلق في الميداليات التي تم شراؤها من تاجر الشنطة نفسه، وجميع نقود وأوراق الموظفين وبطاقاتهم توضع في المحافظ التي تم شراؤها من التاجر ذاته.
أكل الكعكة كاملة ولم يترك أي شيء لغيره من التجار والموردين والمحلات والمؤسسات التجارية، إلى جانب أكله ما لذ وطاب من حلويات وسندويتشات ووجبات دسمة وغير دسمة خلال ساعات زيارته للمؤسسة وبشكل يومي ويدفع ما يأكل طبعا بالعصائر الطبيعية ومن أموال المؤسسة التي يبيعها بضائعه.
كان يحسده الكثيرون من تجار الشنطة الذين كانوا يتمنون لو يحصلون على جزء ولو يسير من الصفقات التجارية التي حصل عليها في المؤسسة، وكانوا يبحثون عن السر الذي جعله مقربا وأوامره مطاعة وبضائعه مطلوبة وأسعاره لا جدال فيها وفوائده خيالية تفوق أي وصف وتعجز أية آلة حاسبة عن حسابها.
والآن يرتدي تاجر الشنطة هذا رداء غير ردائه السابق بعد أن ترك تجارة الشنطة مؤقتا وصار يمارس وبمساعدة أحد "المستشارين" مهنة جديدة لا تقل عن سابقتها "تجارة الشنطة" في المؤسسة نفسها، من خلال عرض البضائع والسلع المتمثلة في هجوم وتجريح وتشهير وقذف واتهامات للموظفين أنفسهم الذين مازالوا يرتدون الساعات ويحملون الميداليات ويحتفظون بالمحافظ!
وبلغني أن تاجر الشنطة يطمح إلى عودة أيام زمان وتجارة زمان وبيع زمان، وفي عودة الرجل الأول والسيدة الأولى ونسي أن الموتى لا يعودون أبدا، وأنه يبذل كل ما يستطيع من حيل وخدع وحروب من أجل اخراج الموجودين واضعاف مواقفهم لتعود تجارة الشنطة في المؤسسة إلى سابق عهدها وتعود ساعات وأقلام ومحافظ وهدايا زمان.
وحينها أدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح، وظل شهريار ينتظر الليل ليسمع حكاية جديدة من حكايات أميرته.
جاسم عبدالرحمن المقلة
العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ