غاب وسط المناقشات المحتدمة بشأن مدى صدقية وشمولية الكثير من الأرقام الواردة في الموازنة العامة للدولة، وخصوصا ايرادات بابكو وألبا ونفقات الأمن وغيرها - نقول غاب وسط هذا النقاش المحتدم طرح سؤال لا يقل أهمية عن الأرقام الملتبسة وهو مدى قدرة الموازنة العامة للدولة على استيعاب العوامل المركبة التأثير المتعلقة بزيادة إيراداتها الاسمية من جهة وانخفاضها نتيجة انخفاض قيمة الدينار المرتبط بانخفاض الدولار من جهة ثانية، وارتهانها لنفقات الأمر الواقع "النفقات المتكررة" من جهة ثالثة، بحيث تتمكن في النهاية من التحول من كونها تعكس حصيلة هذه المتغيرات فحسب، الى اعتبارها أداة قادرة على التعامل مع هذه المتغيرات والنهوض بدورها التخطيطي والرقابي لبرامج التنمية المحلية.
ان الاشكالية الأهم للموازنة العامة للدولة تكمن في هيكلية هذه الموازنة وليس اختفاء بعض أرقامها الحقيقية، يتضح وبشكل جلي ان الايرادات النفطية لا تزال تمثل معظم الإيرادات، كما أنها القطاع المحرك لبقية القطاعات الاقتصادية. أما في جانب المصروفات، فإن المصروفات المتكررة التي تذهب للمرافق العامة على هيئة رواتب ومصروفات صيانة ومدفوعات الديون المتراكمة فانها تمثل نحو 80 في المئة من اجمالي مصروفات الموازنة.
ان الموازنة العامة للدولة التي طال اعتمادها على ريع النفط الخام، هي امتداد لدور النفط الخام في الاقتصاد، بل إن هذه الموازنة هي التي يصل من خلالها إلى الاقتصاد والمجتمع معظم تأثير إنتاج النفط الخام وتصديره. وبالتالي، فانها في جانب الإيرادات تخضع لسيطرة العوامل الخارجية المرتبطة بأوضاع أسواق النفط العالمية، وهي خارج سيطرتنا. وفي جانب النفقات، تخضع لعوامل هي الأخرى باتت خارج سيطرتنا وهي كما ذكرنا نفقات الأمر الواقع الصعب تغييره في المدى المنظور والمتوسط "رواتب وأجور الجهاز الحكومي ونفقات الخدمات الأساسية من تعليم واسكان وصحة وغيرها". فكيف يمكن استخدامها اذن كأداة للتخطيط أو الرقابة.
من هنا يمكننا القول إن الموازنة العامة تواجه اشكالات حقيقية معقدة في تحقيق وظائفها التخطيطية والرقابية، وليس مجرد مشكلة إدارية أو فنية، أو أزمة من الممكن حلها ضمن إطار الواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ومعطياته. ولعل وجود تلك الاشكالات قد حد من خيارات الدولة في إعادة هيكلة هذه الموازنة وتوظيفها توظيفا عقلانيا يمكنها من تحقيق أهدافها المرجوة. كما قيد حركتها في مواجهة العجز المستمر فيها، والذي اضطر الحكومة بدوره إلى تسييل ما يمكن تسييله من الاحتياطي العام كما اضطرها إلى الاقتراض وتحمل أعباء الديون، مرجئة بذلك القرارات الصعبة المتعلقة بإصلاح الموازنة وإخضاع النفقات لمعايير الجدوى الى أجل نتمنى أن لا يطول، وأن تتمكن الجهات التنفيذية والرقابية والتشريعية القائمة على وضع وتشريع هذه الموازنة من تخطيه في أسرع وقت ممكن لكي تتمكن من أداء وظائفها المتعارف عليها
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ