العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ

الجمهورية الإسلامية وبازار اللامتوقع

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

"أقدم شكري الجزيل إلى جميع السادة وخصوصا إلى سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر من ذخائر الثورة وأحد الشخصيات البارزة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وآمل من أخي العزيز ورفيقي القديم أن يؤدي دوره مثل السابق في المجالات المهمة للنظام الإسلامي".

"السيدالخامنئي مخاطبا الشيخ رفسنجاني بعد خسارته في الانتخابات".

لم تشأ الأقدار أن تنتهي حال الانبهار عند حصول مرشح الرئاسة المحافظ محمود أحمدي نجاد "48 عاما" على المركز الثاني في الدورة الانتخابية الأولى من بين المرشحين السبعة، بل تمادت لتصل إلى نخاع العظم بفوزه الساحق على منافسه المخضرم الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي حصل على 10 ملايين و46 ألفا و701 صوت في حين حصل نجاد على 17 مليونا و248 ألفا و782 صوتا من مجموع الأصوات التي تم فرزها وهي 27 مليونا و959 ألفا و253 صوتا وإبطال 663 ألفا و770 صوتا.

وعلى رغم أن الانتخابات التاسعة جرت وسط تغييرات هائلة في خريطة القوى السياسية والعلاقات التنظيمية والتنسيقية التي تحكمها فإنها أعطت انطباعا عاما بأن الساحة الإيرانية مقبلة على جملة من التبدلات الحقيقية لمعظم الأفهام التي تم تداولها في الفترة التي أعقبت فوز السيدخاتمي، ويمكن الإشارة في ذلك إلى الآتي:

1- إن حال الاصطفاف السياسي والحزبي والديني الداعم للشيخ رفسنجاني لم يغير من الواقع شيئا، فعلى رغم أن جبهة الثاني من خرداد "18 تنظيما" وجميع تشكيلات قوى المحافظين "باستثناء ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية" بالإضافة إلى مراجع الدين في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة كموسوي أردبيلي ويوسف صانعي وجوادي آملي دعموا ترشيح الشيخ رفسنجاني فإن ذلك لم يمنع من أن يتغلب عليه أحمدي نجاد وبفارق سبعة ملايين صوت!

2- إن معظم الخاسرين في الجولة الأولى من الانتخابات وأهمهم الشيخ مهدي كروبي "الثالث" ومحمد باقر قاليباف "الرابع" ومصطفى معين "الخامس" ومحسن مهرعلي زادة "السابع" - بالإضافة إلى الأصوات التي حصل عليها رفسنجاني - كلهم دعوا ناخبيهم إلى التصويت لصالح رفسنجاني ضد نجاد، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئا أيضا.

3- إن أحمدي نجاد دخل حلبة المنافسة مرشحا محافظا من دون أن يحظى بمباركة المحافظين باستثناء ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية إذ استقر المجلس التنسيقي لقوى الثورة الإسلامية على دعم علي لاريجاني مرشح إجماع، وبالتالي فإن أحمدي نجاد فاز بعصامية صرفة وسط دفوع المحافظين نحو لاريجاني.

4- إنها المرة الأولى التي يذهب فيها المتنافسون إلى جولة انتخابية ثانية ولا يحصل أحد منهم على نسبة 50 في المئة + 1 من مجموع المقترعين في الجولة الأولى، وهو ما يعني أن مفاعيل الأحزاب العريقة والشخصيات الرمزية بدأ في الانحسار، وأن مجسات الوضع السياسي تنبئ بتشتت قواعد النخب وتبدلات عمودية في توزيع الولاءات.

5- إنها المرة الأولى التي يصل فيها أحد الأفندية "من غير المعممين" لرئاسة الجمهورية منذ استشهاد الرئيس محمد علي رجائي في العام ،1981 وبالتالي فإن ملامح المشهد السياسي بدأت في التطور نحو إبعاد المراكز التنفيذية العليا في النظام الإسلامي عن الإدارة الديوانية وإن على مستويات أقل مما يطالب به البعض، وخصوصا مع وجود شخص غلام علي حداد عادل "وهو من غير المعممين" على رأس السلطة التشريعية "البرلمان" منذ مارس/ آذار .2004

وأمام تلك المعطيات المذكورة بشأن المعركة الانتخابية الأخيرة يزداد المشهد غموضا وغرابة، ليفتح المجال واسعا أمام تحليل ما أفرزته تلك الانتخابات، وحجم المؤشرات التي يمكن التوصل إليها كنتيجة حتمية لما حصل، وهو ما يمكن تسجيله في الآتي:

أولا: ان الانتخابات الأخيرة بينت بشكل واضح بروز ما يسمى باليمين الراديكالي بجنوحه نحو اليسروية مع تأصل في المعاصرة على المستوى الاجتماعي، مطبقا بذلك على ثقافة اليمين واليسار المترهلين ورافعا شعار إصلاح الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة والقضاء على الفساد وخفض الأسعار، ومعززا من صدقيته عبر تشريعات البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون "الراديكاليون أيضا" والذي سعى نحو الضغط على الحكومة لتثبيت الأسعار ولإنشاء صندوق لاحتياطات العملة الصعبة المتحصلة من فائض سعر النفط عما قدر له في الموازنة العامة.

ويبدو أن هذا اليمين الجديد الذي سيطر على المجالس البلدية في مارس 2003 وعلى البرلمان في فبراير/ شباط 2004 والآن على رئاسة الجمهورية الإسلامية لم يعد يخضع عمليا لمجلس تنسيق قوى الثورة الإسلامية الذي يضم أهم قطاعات التكنوقراط من المحافظين، وهو ما دلل عليه خلال تمرده على قرار الأمانة العامة لمجلس التنسيق في دعم علي لاريجاني مرشح إجماع من قبل المحافظين. والأخطر من ذلك أن ذلك اليمين الراديكالي الجديد والمتمثل في ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية بدأ يروج لنفسه على أنه تيار فكري خالص يرى الأصولية في الفكر والتعاون في العمل والحداثة في السلوك، وهو ما يعني بروز تفسيرات جديدة متمردة على الأدبيات التقليدية التي كانت تتدفق من منظري اليمين التقليدي عبر "روحانيت مبارز" و"حزب المؤتلفة" الإسلامي وباقي التشكيلات المحافظة الأخرى.

وقد بين ائتلاف رواد الإعمار في بيانه التأسيسي أنه وفي الوقت الذي يعمل وفق مناهج علمية وإدارية وإصلاحية حديثة يتبنى وبإصرار راديكالي مبدأ ولاية الفقيه المطلقة كنموذج عيني للديمقراطية الدينية، وأن الحفاظ على فكر وتعاليم الإمام الخميني والمقام المعظم للإرشاد "الإمام الخامنئي" واجب، ثم الإشارة إلى الاعتقاد بالمنشأ الإلهي للدولة والاستناد إلى الثقافة والهوية الإسلامية، وإن ذلك الائتلاف يدعم المديرين ذوي الالتزام الديني والاجتهاد في نشر الأخلاق والجوانب المعنوية السليمة والعلاقات الاجتماعية والدفاع عن إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية.

ومن خلال التعاطي اليومي مع تصريحات رجال اليمين الراديكالي يمكن ملاحظة أن هذا الخط بدأ يفرض نفسه بقوة متعاظمة كردة فعل على الإصلاحيين المتطرفين الذين بدأوا في النمو بعيد انتخابات 1997 الرئاسية والتي فاز فيها الرئيس خاتمي ومن ثم السلوك اللامسئول الذي مارسوه ضد الكثير من المؤسسات الموازية في النظام الإسلامي وضد منافسيهم المحافظين، وهو ما يعني بروز ثقافة الثورة التي راجت في عقد الثمانينات والتي كانت تسعى إلى الحفاظ على الكيانات المدنية والثورية الناشئة.

ثانيا: بينت الانتخابات أن توجيه الرأي من قبل الأحزاب إلى القواعد الشعبية لم يعد مجديا، وخصوصا أن رجل الشارع في إيران بدأ ينظر إلى مسئولي الأحزاب تلك كأمراء الحرب الذين أدخلوا البلاد والعباد في دوامة من الصراعات والاستقطابات المرهقة، مع تناسي ما يعانيه المواطن الإيراني من مشكلات اجتماعية واقتصادية، كما أن تلك الأحزاب لا تعلن وجودها إلا في فترة الانتخابات طمعا في الحصول على أكبر عدد ممكن من الناخبين، وبعد ذلك تخرج من ميدان النشاط الاجتماعي "كما يقول النائب المحافظ محمود محمدي". لذلك فإن المحافظين وتحديدا اليمين الجديد انسحب إلى الظل في أوج الصراع المحتدم بين التيارات السياسية في السنوات الثماني الماضية، وبدأ العمل بشكل خرافي متغلغلا في القواعد الشعبية، مقدما لها الكثير من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية في المدن والقرى البعيدة عن المركز، ومخاطبا الناس بالشعارات التي تطرب لها الأذن كالتركيز على توزيع الثروة وقطع أيدي الفاسدين، وكما قال نجاد: "إن أكبر ثروة لشعبنا اليوم هي الصناعة والموارد النفطية، أعتقد أننا إذا أرسينا شفافية أكبر وإذا سهلنا الأمور وإذا نفذنا فعلا في البلاد جزءا مما يمكن أن ينفذ فيها، فإننا سنوفر بذلك مبالغ مالية لابأس بها"؛ ومساعدة الناس "أنا فخور بأن يكون الناس عبروا لي عن ثقتهم وتعاطفهم، وفوق كل هذا، هناك شرف الخدمة، سواء من خلال مسئوليتي كعمدة أو كرئيس أو عامل تنظيفات على الطرقات".

وكان لهذا الخطاب أكبر الأثر في استحصال تعاطف شريحة واسعة من الفقراء والفلاحين، أضف إلى ذلك فإن ائتلاف رواد إعمار إيران الإسلامية بدأ في الحديث عن الاهتمام بالصناعات المحلية والصغيرة، وضرورة دعم الاقتصاديات الوطنية وتفضيلها على الخارج وخصوصا في القطاعات النفطية.

على أي حال، فالرئيس الإيراني الآن هو محمود أحمدي نجاد "الذي سيتسلم منصب رئاسة الجمهورية رسميا في 2 أغسطس/آب المقبل"، لا يتردد في تقديم صورته كما هي ومن دون محاباة أو تملق لأحد. وهو الآن مطالب بأن يفي بشعاراته التي رفعها في الحملة الانتخابية، وأتصور أن الكثير من الملفات تنتظر أحمدي نجاد وخصوصا الداخلية منها والتي يمكن التعرض لها في مقال منفرد لاحقا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً