اتجهت المملكة إلى تنمية مواردها البشرية في مجال التعليم والتدريب بمؤسسات التعليم من خلال إنشاء عدد من الجامعات والكليات، وإضافة المزيد من التخصصات الفنية والدراسات التطبيقية من أجل تغطية احتياجاتها لخطط التنمية وتحقيق المزيد من التقدم. وعلى رغم التوسع في إنشاء الجامعات والكليات وإدخال التخصصات الفنية والدراسات التطبيقية على نظام التعليم، فإن هذا النظام مازال يستحوذ عليه التعليم الأكاديمي من حيث المدخلات، وذلك على حساب التعليم الفني الذي لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من هذا النظام. ويشكل الطلاب في التخصصات النظرية - تربية وتعليم، وذلك على رغم تشبع سوق العمل من هذه التخصصات وحاجتها الماسة إلى التخصصات العلمية والعملية والفنية المعلوماتية والتخصصات في الاقتصاد المعرفي. ولكن على رغم وجود عدد من الجهات المهتمة بعملية التنسيق بين الجامعات وسوق العمل في المملكة، فإن هناك دلائل تشير إلى ضعف مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل. وأوضحت الكثير من الدراسات التي تمت في هذا الخصوص أن سوق العمل في المملكة تتأثر بعدد من العوامل الداخلية التي من أبرزها عدم مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل، إذ نتج ذلك عن الإقبال المتزايد على التعليم العالي الجامعي خصوصا التخصصات النظرية، في الوقت الذي تتزايد فيه الطلبات في سوق العمل على التخصصات العلمية. وعليه فان الوضع الراهن للتعليم في المملكة يستدعي دراسة فاحصة للتمعن في مدى ملاءمة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل من جميع الجوانب، مع الأخذ في الاعتبار جميع المعطيات التي جاءت في خطط التنمية.
وفي المقابل يشكل الملتحقون بكليات العلوم والهندسة نسبا قليلة مقارنة بالكليات النظرية، بحيث بدت وكأنها لا تعكس تطورات سوق العمل خصوصا في القطاع الخاص الذي يتوقع أن يستوعب نحو 95 في المئة من الزيادة في العمالة الكلية خلال المرحلة المقبلة.
إن أوجه القصور المذكورة تسهم بشكل كبير في عدم مواءمة المخرجات التعليمية مع متطلبات سوق العمل، الأمر الذي يتسبب بدوره في تقليص الفرص المتاحة أمام الخريجين للعمل في القطاع الخاص، وبالتالي عدم تحقيق المواءمة بين التعليم وسوق العمل، وهما اشكالية عدم التوازن بين أعداد خريجي مؤسسات التعليم ونوعية تخصصاتهم واحتياجات سوق العمل من تلك التخصصات، وإشكالية عدم الانسجام بين المؤهلات والخبرات المكتسبة لخريجي بعض التخصصات وتلك التي تحتاجها سوق العمل، ما ينعكس سلبا على إنتاج الخريج ويضعف موفقه التنافسي في سوق العمل.
إن هذا الأمر يقود إلى ضرورة إعادة النظر في مناهج التعليم بجميع مراحله الأولية والثانوية والجامعية، وكذلك التدريب أثناء وبعد الدراسة حتى يمكن أن تقدم مؤسسات التعليم الخريج الذي يحظى بالقبول في القطاع الخاص.
وهناك عقبات عدة وتحديات تواجه التعليم والتدريب لتواكب متطلبات سوق العمل أهمها هيمنة العمالة الوافدة على سوق العمل. ومن المتوقع أن يستمر هذا الخلل في سوق العمل خلال الفترة المقبلة بصورة أكبر.
ومن العقبات أيضا توجه الطلاب نحو التخصصات النظرية وعدم الاهتمام بتنمية مهارات التحليل والإبداع، والتركيز على التلقين، إلى جانب قضية تسرب الطلاب من الجامعة قبل الحصول على التأهيل اللازم. وهناك أيضا غياب التنسيق الكافي بين مؤسسات التعليم مع بعضها بعضا، ومع الجهات المستفيدة من الخريجين وعلى رأسها القطاع الخاص، وتطلع الباحثين عن عمل من خريجي الجامعات إلى قطاعات وأماكن محددة ونوعية معينة من الوظائف وخصوصا الإدارية والمكتبية، والنظرة الاجتماعية السلبية لبعض الوظائف في مهن الخدمات الشخصية والإنتاج والتشغيل والصيانة.
هذه العقبات تشير بإلحاح إلى إعادة النظر في نظام التعليم بما يتواءم مع التطلعات المستقبلية واحتياجات التنمية وسوق العمل، وتتمثل معظم الوظائف المطلوبة في سوق العمل، خصوصا في القطاع الخاص، في المجالات العلمية وتحديدا في المجالات الفنية والمهنية والعلمية المتخصصة. وسيتجه التوظيف خلال السنوات المقبلة إلى صالح فئة المتخصصين في مجال الإنتاج والبناء، ثم لفئة المهن العلمية والفنية. وعلى العكس من ذلك ستتراجع فرص التوظيف في مجال المهن الكتابية والخدمية.
وتفرض سوق العمل شرط الخبرة في مجال التخصص أو العمل المطلوب، وتهتم بتوفير بعض القدرات الشخصية والسلوكية مثل القدرة على التحليل والتطبيق والإبداع والالتزام والجدية، كما تتطلب إجادة اللغة الانجليزية واستخدام الحاسب الآلي.
ومن السياسات المطلوبة لمواجهة متغيرات سوق العمل المستقبلية الإسراع في إصدار نظام العمل والعمال، وربط المناهج الدراسية باحتياجات سوق العمل مع ضرورة تدريس مواد عن سلوكات العمل بمختلف المراحل التعليمية، والتنسيق بين الجامعة وقطاعات سوق العمل لتطوير المناهج وتكثيف الاستخدام التطبيقي للحاسب الآلي وتكثيف إرشاد الطلاب نحو التخصصات المطلوبة أكثر في سوق العمل، واستحداث وحدات للتوظيف، وعلاقات الخريجين بالكليات لتكون حلقة وصل بين الخريج وسوق العمل. وأيضا إيجاد لجان مشتركة في هذا الصدد، وتبني سياسة التطبيق العملي للتخصصات المناسبة وتوجيه البحوث إلى مشكلات الخريجين وتبني سياسة التعليم التعاوني مع القطاع الخاص.
إلى جانب ذلك يجب زيادة عدد مقررات اللغة الانجليزية في بعض التخصصات ومنح دبلوم للطالب الذي يكمل ساعات معينة ومواد من دون أن ينهي متطلبات البكالوريوس، وتحقيق التوازن الكمي والنوعي في مراحل التعليم المختلفة وتفعيل دور البحث العلمي وتبني فلسفة التنافس بين المتعلمين لإبراز تميزهم وتنمية قدرات الخريج وتقليص بعض التخصصات النظرية التي تزيد على حاجة السوق وضرورة إعادة النظر في منهجيات التخصصات المطلوبة من حين لآخر
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ