الصحافة بحاجة إلى قانون يحميها ولا يقمعها، وهذا هو مطلبنا منذ صدور قانون الصحافة الحالي في أكتوبر/ تشرين الأول . 2002 نقول ذلك لأن الصحافة تعتبر ضرورية للحكم الصالح، وفي تقرير للبنك الدولي صدر الشهر الماضي أوضح أن مؤشرات الحكم الصالح هبطت بصورة عامة في دول الشرق الأوسط، بينما تحسنت في دول أخرى مثل الهند، التي تشهد نموا اقتصاديا كبيرا.
الحكم الصالح يعرفه البنك الدولي بأنه "مجموعة الأعراف والتقاليد والمؤسسات التي تستخدم في بلد ما من أجل تسيير الأمور". ويتضمن مفهوم الحكم الصالح طريقة اختيار الحكومة ومراقبتها واستبدالها، قدرة الحكومة على طرح الرؤى والسياسات وتنفيذها، مدى احترام المواطنين ومسئولي الدولة للمؤسسات المسئولة عن تسيير شئون الاقتصاد والمجتمع.
البنك الدولي يطرح ستة مؤشرات للحكم الصالح، وهي: المحاسبة "البحرين تحتل المرتبة الرابعة عربيا"، والاستقرار السياسي مع غياب العنف "البحرين تحتل المرتبة السادسة عربيا"، فاعلية الحكومة "الرابعة عربيا"، جودة القرارات والضوابط الحكومية "الثانية عربيا"، حكم القانون "الرابعة عربيا"، ومكافحة الفساد/ الشفافية "الثالثة عربيا".
ولكن ولكي لا نفرح بمرتبة عليا على المستوى العربي، فإن علينا أن نتذكر أن الفرق بين الدول العربية وأفضل دولة في مكافحة الفساد "فنلندا" كبير، وبما أننا نسعى جميعا إلى أن نلحق بعالم يتقدمنا اقتصاديا وسياسيا، فإن مؤشر منظمة الشفافية الدولية الذي صدر في نهاية العام الماضي أشار إلى أن البحرين تحتل المرتبة الرابعة والثلاثين عالميا في مكافحة الفساد/ الشفافية.
الفساد هو عبارة عن ثقوب سوداء تخترق الجسد الاقتصادي للبلاد، ويتم تفريغ الثروة الوطنية من خلال هذه الثقوب لتصب في جيوب بعض المتنفذين، وكل ذلك على حساب المواطنين. وبالنسبة إلى العالم العربي فإن التقارير الدولية تؤكد تعمق جذور الفساد فيه وتدعو إلى مواجهته بشكل جدي وفعال والسبيل الوحيد لذلك هو الشفافية المرتبطة بالمحاسبة، والمحاسبة مرتبطة بوجود الصحافة المستقلة التي تعبر عن تطلعات المجتمع. ذلك لأن الشفافية تعني أساسا تدفق المعلومات إلى المواطنين. ولذلك، فإن انعدام المعلومات أو تقليل تدفقها يعني أساسا تقليل المحاسبة، ويعني أيضا ازدياد الفساد، لأن الفساد يعتمد إما على القمع لإسكات الذين يسألون، أو على تسيير الأمور في الظلام بحيث لا يستطيع أحد معرفة ما يجري ومن يقوم بماذا.
تدفق المعلومات أمر ضروري من أجل انتعاش الحياة السياسية والاقتصادية وتنميتها بصورة مستدامة، لتحقق المستويات التي يعتبرها العالم مقبولة إنسانيا، والصحافة المستقلة مطلوب منها أن تلعب دورها في توفير المعلومات للمواطنين لتمكينهم من الحياة العامة.
ولكن كيف يمكن للصحافة أن تمارس دورها إذا كانت هناك قوانين مكبلة، كما هو حالنا في البحرين؟ فنحن نعاني من قانون للصحافة وضعه بعض من يكره حرية الناس، ويتم تطبيقه بين الفترة والأخرى على الصحافة وتقوم النيابة العامة باستدعاء الصحافيين كما يتم استدعاء المجرمين.
البرلمان يحاول منذ عامين التحرك باتجاه تعديل قانون الصحافة الحالي، وهو أمر انتظرناه كثيرا وتوقعنا أن يحدث مطلع العام .2003 ولكن وزير الإعلام السابق لم يكن متحمسا لقانون يتناسب مع الأجواء الانفتاحية وعمل جاهدا على تعطيل ما تم الاتفاق عليه بين الجسد الصحافي واللجنة الوزارية التي دعا إليها سمو رئيس الوزراء في اجتماع ضم عددا من الوزراء والصحافيين في نهاية العام .2002
إن استمرار العمل بقانون الصحافة الحالي ينافي كل التوجهات الإصلاحية لجلالة الملك، وهذا يؤكد ما توصلت إليه مؤشرات البنك الدولي الشهر الماضي، بأن مؤشرات الحكم الصالح هبطت في الشرق الأوسط، على رغم المحاولات الصادقة في بعض مشروعات الإصلاح. ولذلك، فإننا ندعو إلى التوقف عن تطبيق القانون الحالي واستبداله بالقانون الذي اتفق عليه الجسد الصحافي مع اللجنة الوزارية... هذا إذا كنا نود رؤية مؤشرات الحكم الصالح تصعد إلى الأعلى في بلادنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ