العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ

لست على خلاف مع النظام... ولكنني لست عميلا له

المسرحي حوت في "عفوا أميركا"

يجزم عميد أسرة المهندسين المتحدين المسرحية همام حوت، ان سبب انحسار جمهور المسرح السوري هو عدم ملامسة ما يعرض على الخشبات لرغبات الجمهور العريض. وإن لامسها فإنه "يفعل ذلك للنخبة المثقفة" من دون أن يلتصق بالشريحة الأوسع التي "يجب أن ترى نفسها في شخوص الممثلين" ويعتبر الحوت في حديثه إلى "الوسط" ان سر إقبال الجماهير على حضور مسرحياته هو في التصاقه بابن الشارع أيا كان وأحاول دائما أن أقدم له اهتماماته ورغباته وآماله في قالب من الكوميديا الراقية، وهذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير، إذ ليس سهلا أن تجعل المرء يدفع عشرة دولارات ثمنا لبطاقة مسرحية تمتد لمدة ثلاث ساعات. ومع ذلك تجد جمهوري هو العائلة العربية بأكملها ابتداء بالجد مرورا بالأبناء والبنات وصولا إلى الأحفاد، وأقول العائلة العربية لأنك قد تجد في الصالة ضابطا سعوديا مع زوجته، وبائع الفلافل قرب أستاذة جامعية تونسية. إذ لا يوجد عندي كلمة مبتذلة، أنا أقدم فنا نظيفا لعائلة نظيفة، ولذلك مسرحي جماهيري وليس نخبويا.

في عمله الجديد "عفوا أميركا" الذي بدأ في عرضه منذ خمسة أشهر في دمشق، ولم يزل مستمرا، يوجه حوت سهام نقده ضد أميركا، مع قليل من النقد للوضع السوري الداخلي، وهذه الانعطافة يبررها الحوت بأن الوضع "الداخلي لا يحتمل مثل هذا النقد، في الوقت الذي وصلت فيه ممارسات أميركا اللا أخلاقية حدا لا يمكن تجاهله" وعرف عن أسرة المهندسين المتحدين الجرأة في نقد قضايا الفساد وأجهزة الأمن والمسئولين ووصل النقد إلى حد اتهمته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية انه "صنيعة" مخابرات و"عميل" لأجهزة الأمن السورية وأنه يسوق لها عن طريق التنفيس الذي يمارسه في مسرحه، حتى ان الـ "واشنطن بوست" كتبت ان ساعة الحوت عليها صورة الأسد الأب وعلى موبايله صورة الأسد الابن.

وإن كانت هذه تهم "الخارج" فإن للداخل تهمه أيضا وأولها أنه لم يكن بمقدور الحوت أن يصل إلى هذا المستوى من النقد اللاذع لولا رعاية الرئيس بشار الأسد الشخصية له، وبدأت هذه الرعاية بحضور الرئيس الأسد لمسرحية "طاب الموت يا عرب" في حلب أواخر العام "2001" ولتعرض بعدها في دمشق لمدة عام، وبعدها ابتلع المسرح السوري، وبعض المتابعين للشأن الثقافي المحلي يرون ان هذا التسيد باق طالما بقي الـ "همام" يجيد العزف على أوجاع الشارع.

ويبدأ رد الحوت على هذه التهم بأن "الحرية تؤخذ ولا تعطى، وليس بمقدور أي جهاز أمن أن يصادر رأي شخص يحب وطنه، أنا لم أكن يوما على خلاف مع النظام، ولكن هذا لا يعني انني مكلف من قبله للقيام بدور تنفيسي، ومساحة الحرية التي أتحرك فيها لا تخصني لوحدي، فهناك فنانون سوريون يتحركون في مساحات واسعة من الحرية والجرأة معا، وإلا كيف تفسر النقد الذي يمارسه الفنان ياسر العظمة في مسلسلاته، أو مسلسل بقعة ضوء أو... أو.

السيد الرئيس التقى مجموعة من الفنانين، وأنا كنت واحدا منهم، وحملنا مسئولية الكلمة، وأن جزءا من الإصلاح يقع على عاتقنا. كل ما ذكرته ينفي أن ضوءا أخضر أشعل لي والآخرون أشعل لهم الضوء الأحمر.

في "عفوا أميركا" التي كتب نصها الدكتور عمر خشروم وأخرجها الحوت، يتوجه العمل لمخاطبة أميركا التي "تعرف كل شيء والدنيا بأمرها بتمشي ياما خربت ياما قصفت" وبدأ العرض بهذا الكلام المغني. وكلمة عفوا لا يرى فيها المخرج إلا قولا صريحا من أنها تجاوزت في سياساتها كل الأعراف التي تنظم العلاقات بين الدول. إذا العمل برمته رسالة ضد سياسات أميركا تجاه العرب. لماذا هذا التركيز على سورية؟ ولماذا سعوا ويسعون لتطبيق القرار "1559" بشكل فوري مقابل الكثير من القرارات المجمدة لأنها تتعلق بـ "إسرائيل"؟ البيت الأبيض والكونغرس ينفذان إرادة اللوبي الصهيوني. خمسون عاما وأميركا تدعم الأنظمة الدكتاتورية في العالم، والآن يريدون كما يدعون منح الحريات للجميع ويريدون مكافحة ما يسمونه بالإرهاب، وهم الذين بدأوه بإبادة الهنود الحمر وقصف هيروشيما وناغازاكي ويمارسونه الآن في العراق ويساعدون "إسرائيل" على ممارسته ضد أشقائنا في فلسطين. فاقد الشيء لا يعطيه.

ولكن إلى أي مدى يتفاعل الشارع مع أطروحات من هذا القبيل؟ إن المواطن "السوري والعربي يشتركان في كرههما لسياسات أميركا، والتفاعل مع مقولات العمل يصل إلى درجات كبيرة، ونحن نشعر بذلك من خلال شدة التصفيق والضحك"، وعلى ذلك يعتبر الحوت ان مسرحه قادر على تشكيل رأي عام، فالمسرح "تأثيره مباشر ويمتلك قدرة على الشحن والتعبئة، والمسرح السياسي السوري هو الأقوى والأقدم على مستوى الوطن العربي، وهو يسبق تجربتي مصر والكويت. ورواده عمر حجو ودريد لحام ومحمد الماغوط، وكانت مساحات النقد المتاحة لهؤلاء أوسع من مثيلاتها في الدول العربية. لكن ما أقدمه ليس امتدادا لمسرح لحام، إنما امتداد للمسرح السياسي العربي بالإجمال. إذ أفدت من التجارب المماثلة في جميع الدول العربية، وأنتجت مسرح الواقعية النقدية، أو السياسي، أو ما يسميه بعضهم مسرح همام حوت".

ويبدو أن هذا النوع من المسرح، ومهما كان توصيف الحوت له، هو الذي يستقطب الجمهور ويجعل العروض تستمر لفترات طويلة، بعضها استمرت عامين كاملين، مثل "ليلة سقوط بغداد". ووصلت الفرقة إلى ما وصلت إليه، بعد مسيرة فنية بدأت في العام ،1990 حين أسس المهندس الحوت نواة فرقة مع عدد من زملائه المهندسين في حلب، وما لبثت الفرقة ان طورت أدواتها حتى غدا اسم همام كفيلا بحجز المسرح لمدة أسبوعين قادمين، ويساعده في ذلك فنانون مخضرمون، مثل: هيثم حوت، أحمد مكاراتي، صفوان عقاد، محمد جعفر، حسين شيبان، مصطفى الأغا، سلوى جميل ومازن البني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً