الفوز المفاجئ لمحمود احمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الايرانية هذا الاسبوع اعتبره بعض المراقبين بمثابة "تسونامي" يضرب الوضع الايراني بعد أن حصل على نسبة تفوق 62 في المئة في مقابل احد أعمدة الجمهورية الاسلامية الايرانية الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني.
ربما يكون تركيز المعلقين الغربيين على اثر فوز نجاد على علاقاتهم مع ايران يضيع الفكرة التي دفعت اكثرية الايرانيين لانتخابه. فعلى رغم قناعة الكثيرين بالنزاهة الشخصية لرفسنجاني فإن نجاد طرح نفسه بشكل مختلف داعيا الى "استئصال جذور الفساد". فإيران هي جزء من منطقة الشرق الأوسط، واوضاعها لا تختلف كثيرا عن بقية البلدان من ناحية الفساد الاداري والمالي الذي ينخر في جسد الامة ويفرغ ثروة البلد وينقلها لصالح الاقلية التي تمسك بمفاصل الدولة والاقتصاد، بينما يقع على المجتمع تحمل آثار الفساد وهو ما ينعكس بصور مختلفة، كانتشار الفقر والبطالة وازدياد الغلاء وتوسع الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون.
تؤكد التقارير الدولية الصادرة عن مؤسسات مثل "منظمة الشفافية الدولية" ان الشرق الأوسط يعاني بشكل ملحوظ من تجذر ممارسات الفساد، معتبرة ان هذا الفساد يشكل عائقا كبيرا في وجه اقامة أو تعزيز الحكم الصالح. وتشير التقارير المتواترة الى أنه وعلى رغم الوعود الرسمية التي تتحدث عن لجم الفساد، فإن ذلك يستخدم في أغلب الاحيان من اجل الدعاية السياسية، لأن المواطن لا يرى فرقا في الأمر بين الأوضاع التي تسبق او تلي الوعود.
وتشير منظمة الشفافية الدولية الى أن الفساد في دول الشرق الأوسط له منابع وعوامل كثيرة، ولذا فإن برامج الانفتاح الاقتصادي، مثلا، لا ترافقها إصلاحات مؤسسية، ما يعني انها تخلق فرصا جديدة للفساد. بمعنى آخر، فان برامج الخصخصة، مثلا، التي تحل مشكلات الاقتصاد في دول ينتشر فيها الفساد، انما تشكل فرصا ذهبية للفاسدين في الدول التي يتم تسييرها على اساس الممارسات الفاسدة.
ولقد ساعد انتشار الاسلوب التسلطي للانظمة في الشرق الاوسط على منع المحاسبة، ما فسح للفساد ان يستفحل. الفساد اصبح مهنة متطورة جدا، ويصعب القاء الضوء عليها بشكل يقتلعها إلا إذا كانت هناك إرادة حديدية وأنموذج يوحي بالثقة... وهنا يأتي دور الرئيس الايراني الجديد نجاد.
فالشارع الايراني، كما هو الشارع العربي والشارع التركي، أصبحت وطأة الممارسات الفاسدة فيه جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية على مختلف الصعد. وعليه فان ما يوحيه تاريخ وسلوك وحتى مظهر "نجاد" انه شخص لا يهادن في هذه المسألة، واثبت من خلال حياته السابقة بان السلطة لم تدفعه إلى الانزلاق نحو الفساد.
وبعيدا عن التحليلات الأخرى التي تتنوع بحسب خلفية من يكتبها، فان الرئيس الإيراني الجديد يعبر عن توق لدى الشارع السياسي في الشرق الأوسط لاستنشاق أجواء سياسية واقتصادية نظيفة، ويود رؤية الذين يتلاعبون بالمال العام في وضح النهار خلف القضبان بدلا من اعتلائهم مناصب عليا هنا وهناك، ويود ان يرى القانون مطبقا على الجميع، ويود ان يتخلص من السلطات الاستنسابية التي يمنحها المسئولون لأنفسهم من اجل تمرير ما يودون تمريره من دون حساب أو عتاب.
الأمثلة كثيرة في كل بقعة من بقاع ما يسمى بالشرق الاوسط، ونحن لدينا في البحرين الممارسات التي نشاهدها بام أعيننا ولا نستطيع ان نفعل شيئا تجاهها. وعندما تتحرك الصحافة المستقلة لتكشف سوء عمل ما، فان ترسانة القوانين غير العادلة - التي لا تطبق على المتنفذين في أي حال من الاحوال - تنهال على من يصدع بالحق من كل جانب. ومنذ مطلع العام فان مجلس النواب يحاول تفكيك رموز الموازنة العامة التي تحتاج الى دهاقنة الاقتصاد والسياسة لمعرفة دهاليزها ومكوناتها.
اننا نشهد نماذج متنوعة تحاول الاستجابة لمطالب الشارع السياسي في الشرق الأوسط. ففي تركيا، تلعب الفضائيات التركية دورا كبيرا في الحديث عن ممارسات الفساد بشكل لم تشهده تركيا من قبل. وبعد أن أبدت السلطات هناك جدية في مكافحة بعض المظاهر المكشوفة بدأ الاقتصاد التركي يتحسن. والشارع المصري حاليا يتحرك على اساس منع الفساد ايضا، وكذلك الحال مع بقية البلدان الشرق - أوسطية الأخرى.
اننا في عصر أصبحت فيه العولمة تسيطر على اقتصادنا الوطني، كما هي مسيطرة على الاقتصاد العالمي. والاستفادة من العولمة لا تعتمد فقط على عضوية منظمة التجارة الدولية، وانما على إمكان جذب الاستثمار وخلق البيئة التنموية المستديمة. ولعل واحدة من حسنات العولمة هي أن الشركات الكبرى لا تقبل بممارسات الفساد الاداري، واذا كانت احدى الدول تبحث عن وسائل لجذب الاستثمارات، فإن عليها ان تكافح الفساد وتقضي على مصادره الكبرى. انتخاب نجاد له تفسيرات كثيرة، وواحد من تلك التفسيرات هو أن مجتمعات الشرق الأوسط تبحث عن أية جهة تقضي على الفساد، ولربما يعطينا أحمدي نجاد أنموذجا ناجحا، وعلينا الانتظار لنرى النتيجة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1027 - الثلثاء 28 يونيو 2005م الموافق 21 جمادى الأولى 1426هـ