العدد 1025 - الأحد 26 يونيو 2005م الموافق 19 جمادى الأولى 1426هـ

رغما عن الحرس القديم من الصحافيين: لابد من إصلاح الصحافة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لم يكن توصيف الصحافة بالسلطة الرابعة توصيفا أطلقه أحد كبار الصحافيين، بل هي عبارة تصدق بها أحد أعضاء الكونغرس الأميركي حين رفض الكونغرس مقترحه، إذ قال حينها "تعتقدون أننا فقط من نمتلك السلطة، ثمة سلطة رابعة هناك"، وأشار الى الصحافيين، فكانت عناوين الصحف الأميركية في اليوم التالي تزهو بعبارة "نحن السلطة الرابعة". في تجربتنا الإعلامية الخليجية، لم نستطع حتى اليوم أن ننتج صحافة تستحق أن يطلق عليها ولو مجازا "السلطة الرابعة"، ومازالت أقلام صحافيينا الكبار "سنا" عاجزة عن احترام أدبيات المهنة، فمازالت خطاباتهم ومقالاتهم اليومية تنتظر البيانات الحكومية والتصريحات الرسمية، لتكتب ما يلائم مزاج الدولة، بتفنن وحرفية موظفي العلاقات العامة الحكوميين ويزيد.

لا يمكننا الرهان على إنتاج تجربة خليجية ناضجة من دون اعتراف صادق من قبل المؤسسات الإعلامية الخليجية بأنها في حال من التدهور، وأنها بحاجة لمواثيق وبرامج إصلاحية، شأنها شأن جميع مؤسسات المجتمع الخليجي الساعية للصلاح والنمو والقطع مع تلك السنوات الماضية من "الضحك على الذقون".

لعبت عمليات مأسسة الصحافة في الخليج العربي على إنتاج نموذجين من الصحافة في الخليج. كلاهما لا يحققان الطموحات ولن يصلا بالصحافة الخليجية الى المراهنات الكبرى التي أطلقها رؤساء تحرير الصحف الخليجية في اجتماعهم الأخير في المنامة، لتشكيل اتحاد الصحافة الخليجية، وللدعوة الضمنية التي ذهبت الى بناء صورة خاصة وفاعلة لصحافة عربية جديدة، ذات أبعاد وأهداف وتقنيات فارقة.

زعمت بيانات وتصريحات رؤساء التحرير في الاجتماعات التحضيرية الى ان الاتحاد الوليد يهدف الى بناء وتأسيس تجربة نموذجية خاصة، إلا ان هذه البيانات لم تعط أي اعتبار لضرورة إصلاح الجسم الصحافي الخليجي من تبعاته التاريخية. هذا ما يجعل أي متابع بصير لنتائج الانتخابات الأولية أن يعلق تعليقا بسيطا على الأسماء التي تصدرت النتائج بأنها مبالغة في الكلاسيكية، وأنها في الغالب لن تحمل الجديد، وهي تحديدا ليست ذات رؤية تجديدية إصلاحية في البعد السياسي العام، فضلا عن البعد الإعلامي من باب أولى.

صحافة السلطة

تأثرت ظروف تأسيس الصحافة في الخليج بتلك المؤثرات العالمية في تحديد ماهية الصحافة؟، ودورها؟ والأهداف الكبرى لمضامينها؟، فكانت تسير في فلك الدول النامية وتفسيرها العقيم وتحليلاتها المتواضعة لوظيفة الإعلام والصحافة في المجتمع المدني، شأنها في ذلك شأن مقررات ورقة الدول النامية حول إشكالية تدفق الإعلام والأخبار بين الشمال والجنوب، فكانت مؤسسات الصحافة الخليجية في بداياتها عقيمة تابعة لأقطاب التنظير الإعلامي في الدول العربية.

تاريخيا، لعبت الصحافة في الخليج دور جهاز اعتيادي من أجهزة التنمية التابعة للدولة، هذا ما جعل هذه "الكيانات الصغيرة" من المؤسسات الصحافية الوليدة ذات التبعية الحكومية تفرض سيطرتها على الجسم الصحافي الخليجي اليوم ككيانات كبرى عصية على التطور والتغيير، وهي بنفسها مثال واضح للصعوبة التي تلاقيها مؤسسات الدول الخليجية الكلاسيكية في فهم الإصلاح ومتطلباته الرئيسية.

وعلى رغم أن الحوادث المتتالية بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر أحدثت الكثير من التحولات السياسية في الخليج العربي ودوله الست، فإن هذه المؤسسات مازالت تتحدث باسم السلطة وتعتبر الصوت المسوق لاستراتيجيات الدولة وخياراتها ونظرتها للإصلاح السياسي. ولا أعتقد بأن تلك الحالات النموذجية المعدودة لنشوء صحافة مستقلة وفاعلة، التي تابعتها في بعض الكتيبات التوثيقية عن تاريخ أدوار الصحافة الخليجية كأجهزة رقابية مدنية في تجربتي الكويت والبحرين، بأنها تستحق الوقوف كثيرا، فهي في الغالب تجارب مرحلية مبتورة، كما أنها في الغالب كانت مؤسسات إعلامية ذات طابع تأسيس سياسي أكثر منه إعلامي حرفي.

اليوم، إذا ما حاولنا مطالعة هذه المؤسسات الإعلامية السلطوية فإننا امام أكبر معوقات إصلاح السلطة الرابعة تحديدا، إذ إن هذه المؤسسات بقوة رأس مالها التاريخي ودعم السلطة اللامحدود لها، تمثل ممانعة مستعصية على التطور والإصلاح، وخصوصا أنها في استراتيجياتها المهنية المحكومة بالسلطة تمثل جهاز الحرية والتعبير الصادق عن المجتمع واحتياجاته وهمومه، إلا أنها أشبه بالسارق الذي ينشر رغبته في الكشف عن السارق.

علينا التنبه الى أن المؤسسات المدنية مطالبة بأن تلعب دورا في إصلاح السلطة الرابعة، وذلك عبر الضغط المتواصل على هذه المؤسسات الصحافية المتأخرة، وجرها نحو مواكبة المرحلة الإصلاحية بصدق وأمانة. مؤسسات المجتمع المدني مطالبة بأن تحاسب أجهزة الإعلام والصحافة، ذلك ان هذه المحاسبة مأمول منها أن تحقق قفزة نوعية في العمل الإعلامي والصحافي الخليجي.

اما المؤسسات الأكاديمية الخليجية، فهي مازالت تتمثل كالقزم الصغير أمام الصحافة والإعلام الخليجي، وهي مطالبة بأن تثبت وتبرز مرجعيتها المعرفية للإعلام والصحافة، عبر سبرها للواقع الإعلامي الخليجي وإشكالياته ومعوقات بروزه ونهضته. المؤسسة الأكاديمية الإعلامية في الخليج مازالت تغرد خارج السرب، عبر برامج هزيلة ومنتجات بشرية وعلمية دون المستوى.

صحافيون من الحرس القديم

كما لابد أن نعترف بأن ذلك الجيل القديم من صحافي السلطة أصبحوا خارج التاريخ، هذا "الحرس القديم" في الجسم الإعلامي لا يختلف عن باقي "الحرس القديم" في أجهزة المؤسسات الحكومية الخليجية، بل هو أكثر خطورة ورجعية. لابد من التنبه الى حقيقة مهمة، وهي أن أبرز الأسماء في الجيل القادم من الصحافيين والإعلاميين الجدد في الخليج العربي هم على درجة عالية من الوعي والحرفية والإدراك للعبة الإعلامية، ولا أعتقد أن خيارات الإصلاح السياسي بعيدة عن أمانيهم في أماكن وجودهم وعملهم. ذلك ما يشيع الإطمئنان بأن الحرس القديم في الصحافة الخليجية لن يجدوا من يخلفهم في المهمة بإتقان.

على هذه المؤسسات الهرمة أن تعي جيدا أنه لا يمكن لها ان تقلل من احترامها لقرائها اليوم، فالوعي السياسي والإعلامي حقق مستويات عالية أخذت في إلزام المؤسسات الصحافية الخليجية بأن تعي أكثر وأكثر أن القارئ لم يعد مستقبلا سلبيا للخبر، وليس مندرجا على المضمون الخبري فقط "القصة الخبرية"، فالقارئ اليوم وصلت اهتماماته لما يتعدى ذلك، حيث رفض أو استحسان عنونة الخبر وصياغته وصولا للصور الملحقة بالقصة الخبرية.

صحافة مؤسسات المال

النموذج الثاني للصحافة في الخليج هو نموذج مؤسسات المال التقليدية، والتي أصابت الجسم الصحافي بداء الحقل التجاري، إلا ان هذه الإشكالية تعتبر متقدمة نسبيا، فكذلك هي الصحافة في التجارب المتقدمة تعاني ذات الإشكالية والمشكلة. إلا أن تلك التجارب في الغرب تجاوزت "مرحلة فرض السلطة الرابعة"، فالصحافة هناك لها كيانها المؤثر، أما نحن فلما نصل لفرض سلطتنا الإعلامية بعد.

هذا النموذج هو وليد مرحلة جديدة، تتضح صورته في الصحافة الكويتية والإماراتية تحديدا، وهو محدود نسبيا في قطر وعمان، ومازال متذبذبا غامضا في باقي الدول الخليجية. تتلاعب في هذا النموذج مؤثرات عدة "الجمهور عاوز كده" "الصحافة الصفراء"، "حرب الإعلانات"، وتبقى جميع إشكالات السوق التجارية ماثلة للعيان في بحث استراتيجيات هذا النوع من الصحافة. وفي المطلق لا يمكننا اعتبار هذا النموذج نموذج صحافة صالحة تمثل حضورا مدنيا للإعلام والصحافة في الخليج.

كنت قد ذهبت في أحد حلقات "الصحافة المدنية" إلى وصف مؤسسات الصحافة في الخليج العربي إلى ما هو أشبه بالمؤسسات التجارية التي تتنافس سياسيا واقتصاديا، فأصبحت رهينة للسوق في طابع مرضي ممقوت، وإن انفكت فهي تبقى تحت طائلة الأيدي القديمة الموغلة في ولائها للسلطة التنفيذية، والذين يمثلون بجدارة "صحافيي البلاط السياسي المقدس".

استطاعت بعض الصحف الحكومية في النموذج الأول ان تقفز لتصطف في النموذج الثاني، إلا أنها خلقت تنافسا تجاريا محكوما بالتنافس السياسي. فأصبحت النتيجة أكثر كارثية ورجعية.

التنافس بين الصحف في هذه الأيام، لا يعتمد على صدقية التمثيل للرأي العام، أو بمدى القدرة على المساهمة في تحقيق الصالح العام للمجتمع، صحافة هذه الأيام ليست مرتبطة بمفاهيم الحرفية والمهنية، بقدر ما هي "تصيد بدائي للأخطاء والعثرات والمواقف" أو تنفيذا لمقتضيات "مراحل من القهر العصبي المتقدم لدى بعض شيوخ الإعلام المدفوع الأجر". هكذا تنتقل حرفية العمل الصحافي، وتتغير أولويات التمثيل للرأي العام والمنافسة في تحقيق الأهداف الكبرى لسلطة الصحافة الى ما هو أشبه بـ "الأرجوز السياسي". الصحافة المدنية خليجيا، تعاني من فقدانها للصراع المدني، الصحافة تتأرجح في مؤسسات صحافية حكومية "جامدة"، أو مؤسسات معارضة "تحت التأسيس".

إصلاح الصحافة من الخارج

أخيرا، لا يغريني التفاؤل باتحادات الصحافة الخليجية الجديد، واعتقد أنه سيمثل "بل بدأ في تمثيل" الصورة الأعلى للواقع الاجتماعي الخليجي على علاته. تجمع يحتوي ما تفرضه المؤسسات السياسية الخليجية أو تلك القوى الاقتصادية الباحثة عن مزيد من الأرباح والتي في الغالب هي أيضا متملقة للسلطة. وحل الإشكالية هو أن يأتي إصلاح الصحافة من الخارج، من مؤسسات المجتمع، من القارئ نفسه.

الصحافة بحاجة إلى من يمد يده لها من خارج أسوارها، أعتقد أن ثمة فائدة من إثارة ما غفلنا عنه وهو "إصلاح الصحافة"، والصحافة جهاز كباقي مؤسساتنا العربية، والتي لا ولن يفيدها الإصلاح من الداخل، هي بحاجة إلى إصلاح من الخارج، وإن كان مرا على الصحافة أن تحتاج إلى من يصلحها

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1025 - الأحد 26 يونيو 2005م الموافق 19 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً