العدد 1025 - الأحد 26 يونيو 2005م الموافق 19 جمادى الأولى 1426هـ

سياسة التخويف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التوتر الذي طغى على التصريحات الأميركية بشأن الانتخابات الإيرانية ليس في محله. فواشنطن تريد من الناس أن يتكيفوا وفق تصوراتها الخاصة بينما واقع الحراك الاجتماعي يذهب باتجاه لا يتطابق مع رؤية الولايات المتحدة.

ما حصل في إيران يمكن قراءة تعقيداته من تفصيلات كثيرة تعطي فكرة عن خصوصية الاختيار. فالرئيس المنتخب محمود أحمدي نجاد من "الجيل الثاني" ولا ينتمي إلى مؤسسة رجال الدين وجاء من عائلة فقيرة "ابن حداد" أيدت الثورة ووجدت في دولتها هيئة تحمي مصالح الناس وتعيد توزيع مصادر الثروة بطريقة أفضل من السابق. فابن الحداد هو عينة من شريحة واسعة من الفقراء استفادت من مؤسسات قدمت الكثير من الخدمات وساعدت الفئات ذات الدخل المحدود على أخذ فرصتها مفسحة أمامها المجال السياسي للتقدم الاجتماعي "العلمي" والارتقاء في هرم الدولة وصولا إلى رئاسة الجمهورية.

هذا المتغير الجوهري في بنية العلاقات الداخلية لا تأخذه في الاعتبار دولة تسلطية "تدخلية" مثل الولايات المتحدة. فواشنطن تقرأ العلاقات من خارج الصورة وتفرض تصوراتها على واقع مغاير من ضمن فرضيات تعتمد مفردات لا تعكس الحقيقة.

أميركا لا ترى في الآخر سوى مصالحها ولا تنظر إلى رؤية الناس من زاوية إيجابية، فهي تسقط قناعاتها محاولة فرض دفتر شروطها وتصنيفاتها على سياقات تاريخية - اجتماعية ليست متوافقة في الجوهر مع ذاك الحراك السياسي الإيراني.

الناس اختارت من ترى فيه الأفضل في تمثيل مصالحها. وهي بالتأكيد لم تجنح نحو التطرف أو المحافظة أو رفض الإصلاح أو الانفتاح. فهذه المصطلحات لا شأن للناس بها وهي لا تعني الشيء الكثير لقطاعات واسعة مالت إلى هذا النوع من الاختيار.

منذ إعلان نتيجة الانتخابات لجأت واشنطن إلى اعتماد تصريحات متوترة تستهدف منها إثارة قلق المجتمع ومخاوف دول الجوار. وسياسة التوتير هذه ليست جديدة على واشنطن، ولكن الجديد فيها أن أميركا تريد الاقتصاص من الشعب الإيراني على اختياره وتحويل "الديمقراطية" إلى نوع من العقاب. فالتصريحات أشارت إلى اتجاه يريد استخدام النتيجة كسلاح للانتقام من إيران وعزلها دوليا وإقليميا. وهذا الأسلوب السياسي الفوقي في التعاطي مع الشعوب يؤكد مجددا ذاك التوجه الأميركي الامبراطوري "الدكتاتوري" في صوغ مستقبل المنطقة.

واشنطن رأت في الرئيس المنتخب مجرد رجل متشدد ومحافظ وضد الحرية والإصلاح ولم تلحظ أن الناس اختارت الشخص الفقير القريب منها والمطلع على حاجاتها ومشكلاتها. ولم تنتبه أيضا أن الشاب من "الجيل الثاني" ولا ينتمي إلى مؤسسة رجال الدين وملتزم بمبادئ الجمهورية.

القراءة الأميركية سيئة كذلك ما تبعها من قراءات أوروبية وإسرائيلية وغيرها من ردود فعل سلبية. فكل القراءات باستثناء تصريحات ناضجة وتعليقات عاقلة اتجهت نحو تصوير الواقع الإيراني بأنه يميل نحو الانغلاق والتطرف والعودة إلى الوراء وتعطيل كل المؤسسات التي اكتسبت خبرة في تطوير علاقات إيران مع المحيط والخارج.

هذه القراءات متسرعة وليست بالضرورة دقيقة لأن الواقع الإيراني يكشف دائما في حراكه السياسي عن تحولات جارية على الأرض. وحين يرتقي ابن حداد من طبقة فقيرة ومعدمة وتفسح له المؤسسات باب التقدم الاجتماعي وتولي مسئولية محافظة طهران وهي الأكبر في إيران... وصولا إلى رئاسة الجمهورية فهذا يشير في النهاية إلى تحولات دراماتيكية حصلت في البلاد خلال ربع قرن.

ما حصل في إيران يجب إعادة قراءة عناوينه الاجتماعية من زاوية داخلية لا خارجية. فالاختيار ليس له صلة بالاستراتيجية الأميركية وانما يتصل في عمقه "الخفي" وجذوره بذاك التطور الذي أحدثته الثورة خلال 25 سنة وانتجت في سياقه شبكة من العلاقات الأهليه تأسست على مصالح تعتمد على الدولة وما يتفرع عنها من هيئات رسمية تنتمي في مجملها إلى القطاع العام.

التوتر الأميركي لا معنى له ووظيفته السياسية الوحيدة أنه يريد تخويف الناس ومعاقبتهم على اختيارهم واثارة القلق في الدول المجاورة لإيران. والرد على هذا النوع من القراءة السلبية يملكه "الرئيس المنتخب" وهو ما بدأ بتوضيحه قبل تسلمه رسميا مقاليد السلطة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1025 - الأحد 26 يونيو 2005م الموافق 19 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً