عندما سئل أحد الإيرانيين عن السبب في تصويته للرئيس محمود أحمدي نجاد أجاب: "إنهم يحقدون عليه لأنه من جنس الفقراء وهم لا يحبون الفقراء". نجاد تحدث قبيل انتخابه عن أمور عدة، وعلق في أحد تصريحاته بالقول: "قمنا بالثورة لتحقيق الديمقراطية، الناس يتصورون أن العودة إلى مبادئ الثورة هي فقط مسألة ارتداء المرأة للحجاب".
وهكذا جاءت المفاجأة للجميع عندما صوت نحو من 62 في المئة من الإيرانيين لأحمدي نجاد في مقابل تصويت نحو 35 في المئة لصالح أحد أعمدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
إجابات عدة طرحت على المفاجأة ولكن التصريح المشار إليه أعلاه عن أحد الإيرانيين يشير إلى السبب، وهو أن أحمدي نجاد أصبح بطلا للفقراء، والفقراء هم غالبية الشعب الإيراني الذي ضحى بدمه وكل ما يملك من أجل انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979 وثم ضحى كثيرا للمحافظة على نظام الجمهورية الإسلامية.
هذا الشعب مازال يعيش كثير منه في أوضاع مزرية وفقيرة، وفي الوقت ذاته برزت في إيران فئات تزداد غنى كلما ازداد عدد الفقراء. وعليه، فإن الإشارة إلى "أنهم يحقدون عليه" يقصد بها الفئات التي استغنت، لأن المنافسة على الرئاسة الإيرانية ليست بين اتجاهات إسلامية وأخرى علمانية، وإنما هي بين أبناء الثورة أنفسهم، وأصحاب الاتجاه ذاته الذي أسسه الإمام الخميني.
هكذا إذا انتقلت الأجندة السياسية من الحديث عن الانفتاح والإصلاح مقابل الأصولية والتزمت إلى الحديث عن الأغنياء والفقراء. ولعل من سوء حظ الشيخ الرفسنجاني "شيخ الثورة" أنه كان ومازال من عائلة إيرانية ثرية، ولذلك لم يشفع له تاريخه الحافل بالنضال، واتجه الإيرانيون نحو رجل يقترب من أبسط الناس في حياته وإخلاصه لمبادئه.
غير أن وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة في إيران قد يؤدي إلى نتائج معاكسة لما يتوقعه البعض. فهو من المحسوبين على المتشددين، ولكن المشكلة في إيران كانت الشد والجذب داخل النظام بين تيار الإصلاحيين وتيار المحافظين. وقد تعطلت مشروعات عدة للتنمية والانفتاح لأن كل اتجاه كان يرمي اللوم على الآخر، ولذلك فإن من الأفضل أن اتجاها واحدا "في هذه الحال المحافظين" سيسيطر على كل شيء، من مكتب الفقيه القائد، إلى رئاسة الجمهورية، إلى البرلمان، إلى القضاء وإلى جميع المؤسسات التي يرتكز عليها نظام الجمهورية الإسلامية.
وهذا يعني أن اتجاه المحافظين عليه أن يقدم للشعب الإيراني نتائج عملية وملموسة ترضى بها الأكثرية، وهذا يعني أنه وبعد أربع أو خمس سنوات من الآن لن يستطيع الحكم في إيران أن يتعذر بوجود عراقيل أمامه. فالنظام يتوحد بشكل لم تشهده إيران من قبل. وإذا كانت شخصية الإمام الخميني قبل وفاته العام 1989 هي التي حفظت وحدة الخط، فإن المؤسسة الحاكمة في إيران جميعها الآن من خط واحد. وعليه، فإن هذا الخط الواحد الماسك بزمام الأمور يقع عليه الثقل بكامله لإثبات قدرته على التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا عجز عن ذلك بعد عدة سنوات فلن يقبل الإيرانيون أي عذر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1025 - الأحد 26 يونيو 2005م الموافق 19 جمادى الأولى 1426هـ