العدد 1024 - السبت 25 يونيو 2005م الموافق 18 جمادى الأولى 1426هـ

مفاجأة إيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فوز أحمدي نجاد في انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية شكل مفاجأة سياسية لمختلف المراقبين. المفاجأة سياسية، ولكنها جاءت في سياق دستوري يفترض المنطق أنه يستوعب كل تلك المتغيرات التي تحصل في المجتمع وتحتاج إلى وسائل قانونية لتعبر عن نفسها في الهيئات والمواقع. والفوز "ارجحية كفة على أخرى" لا يعني غلبة دائمة وليس بالضرورة هو بداية لإلغاء الآخر. فنجاح هذا الطرف أو ذاك يعني في المنطق الدستوري وجود قوة تتمتع بغالبية نسبية يمكن أن تتعدل نحو الأفضل إذا أحسن "الرئيس المنتخب" إدارة دفة الدولة، ويمكن أن تتراجع إذا فشل في تلك الإدارة.

قيل الكثير عن الانتخابات وسيقال أكثر بعد إعلان النتائج إلا أن اللعبة الديمقراطية لها شروطها الدستورية وهي في النهاية يجب أن تقبل بما تقوله صناديق الاقتراع. وهذه هي الديمقراطية في معناها الانتخابي. فالناس تيارات والكتل التصويتية هي التي تقرر وتختار مصلحتها بعيدا عن ضغوط الخارج ومصالح الولايات المتحدة. ومن ضمن هذا المنطلق "الديمقراطي" لابد من أخذ النتيجة والتعامل معها باحترام حتى لو كانت هناك جهات كثيرة متضررة من الإشارات السياسية التي أرسلتها صناديق الاقتراع.

المشكلة مع الولايات المتحدة أنها تطالب بإعطاء الشعوب الحق في تقرير مصيرها "الاستقلال" وحقها في الاختيار "الحرية"، ولكنها تعارض منطقها حين تأتي النتائج السياسية غير متناسقة مع منطقها أو استراتيجيها. والمشكلة الثانية مع هذا النوع من الدول التسلطية "التدخلية" أنها تقرأ ما تريده وتتجاهل ما يعارض مصالحها. ولهذا تميل إلى الذهاب في تصنيف التيارات والاتجاهات والاحزاب وفق رؤية تنسجم مع قناعاتها فتقول عن هذا "محافظ" وعن ذاك "إصلاحي". وهذا من الحرس "القديم" وذاك من "الجديد". هذا التصنيف السياسي الأميركي للقوى ليس بالضرورة هو الصحيح. فالتصنيف في النهاية لا يخضع لدفتر شروط واشنطن وانما هناك الكثير من التفصيلات والخصوصيات التي لا تنطبق مع مواصفات الرؤية الأميركية. فالإصلاحي وفق القراءة الأميركية ليس هو ذاك الشخص المطلوب في قراءة مختلفة للتصنيفات. والشيء نفسه ينطبق على "المحافظ" و"الليبرالي" و"الجديد" و"القديم".

إسقاط الرؤية الأميركية وما تفرزه من تصنيفات مبنية على قراءات خاصة لواشنطن على دولة مثل إيران يعطي تصورات مشوهة عن واقع اجتماعي مختلف. فما يصح في أميركا وأوروبا لا يصح بالضرورة في إيران والعراق وتركيا وباكستان. فطبيعة الاجتماع والتطور التاريخي ومستوى النمو وآليات العلاقات السياسية ليست متشابهة، وهي تنتمي إلى عوالم غير متطابقة في ثقافتها وتعاملها مع المصالح وحاجاتها ومتطلباتها.

الناس في هذا المعنى الاختياري "الانتخابي" هم أقرب إلى واقعهم من تلك الآراء التي تنظر إلى الحراك الاجتماعي من بعيد وتقرأ تعبيراته السياسية وفق دفتر شروط محكوم بمفردات لا تعطي فكرة حقيقية عن تلك التفصيلات والخصوصيات.

الكلام الأميركي عن محافظ وغير محافظ، وإصلاحي وغير إصلاحي غير دقيق في قراءة الحراك الاجتماعي - السياسي الإيراني. فالمسألة معقدة أكثر وهي في النهاية نتاج تركيب خاص لابد من الاقتراب منه أكثر حتى تكون الصورة "المثال" تعكس ذاك الواقع "المجتمع". وفي هذا المجال النظري تبدو التصنيفات الأميركية غبية أو جاهلة أو متجاهلة لذاك الحراك الاجتماعي الإيراني الذي يعكس في كل محطة مفاجأة سياسية غير منتظرة.

ما حصل في إيران يمكن رؤيته من أكثر من زاوية. والزاوية الأميركية ليست بالضرورة هي الصحيحة؛ لأن الناس في النهاية تعرف مصلحتها المباشرة أفضل من تلك النصائح التي تأتي أو تتساقط كإرشادات فوقية من فضاء آخر ومختلف عن تصورات الكتلات والشبكات الاجتماعية "الأهلية" التي تمسك مصادر القرار والاختيار.

إيران تبحث عن التجانس بين المؤسسات، وهي الآن قالت كلمتها واختارت بغالبية نسبية المرشح الذي ترى فيه أنه يمثل مصلحتها لفترة أربع سنوات مقبلة. فالانتخاب مؤقت وليس تفويضا مطلقا ولا "نعم" دائمة لا تتغير أو تتعدل. فكل شيء وارد، أما الآن فإن المفاجأة كانت اتجاه الغالبية نحو اختيار مرشح "الجيل الثاني" من الثورة القريب من مؤسسات الدولة "القطاع العام" وتفضيله على مرشح "الجيل الأول" القريب من البازار "التجار" ومؤسسات القطاع الخاص.

هذا هو الخيار الداخلي. أما تلك الخيارات المتعلقة بالعلاقات الخارجية فهذا موضوع آخر، ولكنه ليس بعيدا عن علاقات الداخل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1024 - السبت 25 يونيو 2005م الموافق 18 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً