في الصيف الماضي قضي الناس ومجتمع الأعمال يوما أغسطسيا قائضا تواصل مع ليل دامس عندما انقطعت الكهرباء. .. ولم تصدر حتى الآن تقارير شاملة تحسب مقدار الكلفة التي كان على الأفراد وعلى الأعمال أن يدفعوها ثمنا لخلل التوزيع بغض النظر عن الجهة التي تتحمل مسئولية ذلك، كما لم ينتبه صناع القرار إلى أهمية اعتبار ذلك اليوم "يوم كارثي" والتحوط مستقبلا لأيام مشابهه بما يوفر على الأقل الأمان لمجتمع الأعمال من استمرارية عملياتهم وعدم تأثرها بانقطاع مشابه مقبل أو بأية حادثة أخرى قد تتسبب في انقطاع أعمالهم ما لم يكونوا مستعدين لها.
والمعروف، أن الكثير من الدول لديها قوانين ملزمة للمؤسسات التي تتولى مسئولية مرافق حيوية تؤثر بشكل مباشر على سير الأعمال وبالتالي تكون خسائر تعطلها فادحة، لتحضير استعدادات للطوارئ المختلفة وغالبا ما تكون انقطاعات الكهرباء من أهمها، ومن الممكن أن تكون هذه الطوارئ عملا ارهابيا مفاجئا وقد يكون كارثة طبيعية، ولكل نوع من أنواع الطوارئ استعداداته الخاصة. في بريطانيا على سبيل المثال هناك الزام من قبل الحكومة بالتعاون مع معهد استمرارية الأعمال "BUSINESS CONTINUITY INSTITUTE " لعمل تقارير دورية أما ربع سنوية أو شبه سنوية أو سنوية لضمان استمرارية الأعمال في حال تعرض هذه المؤسسات إلى أي طارئ، وبموجب ذلك يجب على هذه المؤسسات أن تجري تمريناتها الدورية للتأكد من قدرتها على تلبية متطلبات قواعد متلقي الخدمات في الظروف الاستثنائية التي قد تتعرض إليها.
في الصيف الماضي، عندما انقطعت الكهرباء أوردت التقارير نتائج خطيرة لعدم وجود أنظمة الزامية مشابهة مطبقة منها على سبيل المثال وفاة طفل لم يتمكن مركز صحي من إسعافة بسبب تعطل جهاز التنفس، ووفاة مصاب مروري لم يتمكن المسعفون من انقاذه بسبب تعطل جهاز الأشعة، شركة "ألبا" توقفت لمدة ساعات على رغم وجود محطاتها الكهربائية الخاصة، وذلك بسبب توقف مزودها بالغاز الضروري لمحطاتها على الطرف الآخر، شركات الاتصال اعتذرت لزبائنها بسبب اضطراب وسائل الاتصال، في المطار قيل أن حركة الطيران لم تتأثر لكن توقفت أجهزة التكييف والمصاعد ما سبب حالا من الفوضى، كذلك قال أحد كبار المصرفيين أن 50 في المئة من أعمال مؤسسته تعطلت بسبب عطل الكهرباء وعدم استعدادها لهذا الطارئ، كل ذلك دل بوضوح على أهمية سن نظام الزامي على مزودي الخدمات الحيوية لضمان استمرارية عملياتهم في حال حدوث أي عطل مشابه مستقبلا.
لقد كان الوضع الذي أطلق عليه البعض اسم "كارثة مدنية" خطير ومكلف ليس فقط عند حساب الكلفة المباشرة وغير المباشرة التي عاني منها المتضررون في ذلك اليوم وانما أيضا على المدى الأبعد عندما يؤثر سلبا في قرارات المستثمرين سواء من الداخل أو من العالم الخارجي لأن وجود نظام الزامي لمواجهة الطوارئ واستمرارية العمل هو أمر يستفسر عنه المستثمرون كما يستفسرون عن أي عامل آخر توفره يمثل عامل جذب وعدمه يمثل عامل طرد.
الترقب عادة أن تكون الحكومة التي عقدت العزم على جعل البحرين "وجهة استثمارية" مبادرة لتوفير مثل هذا النظام، ولكنها لم تكن ولم تحتط بفرض مثل هذا النظام في السابق، بدليل الفوضى التي عمت المرافق الحيوية في الدولة من مستشفيات ومصانع ومؤسسات وغيرها، وبدليل أننا لم نسمع عن أية مساع لايجاد مثل هذا النظام أو لتفعيله ان كان موجودا، فلا ضير أن يحفزها ما حدث العام الماضي للعمل برد الفعل والاحتياط لما قد تواجهه البلد مستقبلا من أزمات طارئة
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 1024 - السبت 25 يونيو 2005م الموافق 18 جمادى الأولى 1426هـ