أعلم أن الفقر يأكل كثيرا من أجساد البحرينيين وأن هناك متنفذين لو أتيح لهم بيع روث البقر لباعوه. فماذا بقي أكثر من مزاحمة المواطن حتى في بيع الخس والبربير وبيع السمك والمتاجرة في الفري فيزا، هذا اللغز الذي إلى الآن لم توفق عبقرية وزارة العمل إلى حله، ولماذا العجب إذا كانت إزالة جدار من مكانه تحتاج إلى فزعات وطنية وصراخ في الصحافة، هكذا "عيني عينك" يمرغ القانون في الوحل وتهان السمعة ونحتاج إلى أطنان من الدموع نفرغها في آلاف من الدلاء ونرشها في الصحافة والمحاكم وعلى عتبات البرلمان علنا نحظى بالبحر.
إذا كان الجدار يحتاج إلى كل ذلك فكيف بالفري فيزا هذا المحرم المسكوت عنه، لا أريد أن أكون طرزانيا في الكتابة ولكني أتعجب كثيرا من هذه المهازل ويزداد عجبي عندما أرى الصحافة كيف تنزع كل ثيابها أمام الجمهور وتسقط حتى ورقة التوت لترقص على جروح القانون وتضع ملح الكلمات وتقول: يا جدار ما يهزك ريح... جزء من خراب البلد هو الصحافة وبعض أنصاف المتعلمين كانوا يجملون قبيح تدابير أمن الدولة في السابق وكلما اتسعت الهوة بين الناس والسلطة اطمأنت قلوبهم، إذ لا محاسبة ولا رقابة ولا منافسة لا في إعلان ولا غير إعلان وكان بمقدور أي شرطي صغير في الداخلية أن يهدد أي صحافي ولو كان عملاقا. ما أكثر ضحايا أمن الدولة من الصحافيين البحرينيين... هؤلاء عاشوا في بيئة ومناخات غير صحية، فلا يمكن أبدا أن يوافقوا على المشروع الإصلاحي أو المطالبة بتصحيح أي خطأ سواء كان جدارا أو ثقبا في جدار أو ثقبا في حذاء، وكلما فتح ملف للمحاسبة أو للتصحيح سيقرعون طبول الوشاية وسترى الدموع السخينة تنحدر والبكائيات في ازدياد، وكما قال المتنبي: "ورب كثير الدمع غير كئيب".
الغريب أننا كلنا نعلم أن المجاملات المليئة بالشحوم لا تبني وطنا، تماما مثل عدم إنصاف الإيجابيات لا يبني وطن ايضا، وقديما قيل:
فإن قليل الحب بالعقل صالح وإن كثير الحب بالجهل فاسد
والمشكلة تكمن في عدم التوازن. عندما ألتقي مع أي مفكر عربي فإن أول ما أفتخر به بحرينيا هو الأمن ووجود الحريات العامة وحرية الصحافة. ونعود إلى البحرين ونحن مشتاقون من دون أن نرى في المطار بعض الدببة المنتفخين جهلا وغطرسة مثل أيام أمن الدولة... اليوم ندخل المطار ويستقبلنا الموظفون بالابتسامات والتحية التلقائية وهذا في حد ذاته إنجاز يجب ألا نضيعه بل يجب أن نشجع الدولة عليه ونمد جسور الثقة وعلى الدولة أن تشجع طاقات الشباب وتستوعبهم وألا تكون هناك أحكام مطلقة على الجميع.
المشكلة في البحرين أن غالبية الوزراء والمسئولين يحاولون أن يوصلوا صورة حسنة عن أدائهم وأداء وزاراتهم ولو على حساب الحقائق وعلى حساب خدمات الناس. أضرب مثالا: هناك صور مرعبة لحالات فقر مأسوية في القرى وأنا شخصيا اطلعت على بعضها واقشعر منها جسدي... هناك بيوت متصدعة وآيلة للسقوط على أصحابها... وقبل عام اكتشفت عائلة تعيش في بيت خشبي وكان الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة لأن زملاءهم يعيبونهم لسوء منزلهم وعرضت ذلك على وزير الإسكان وتبين أن المواطن مقدم طلبا اسكانيا منذ عشر سنين، وقد وجه الوزير - ووفق الشروط - بالإسراع في منح هذا المواطن منزلا وفعلا أعطي منزلا جديدا وبدأت الحياة تبتسم لهذا الفقير. كلام صريح للدولة: ان الفقر يأكل الكثير من المواطنين وخصوصا في القرى وهذا نذر تشاؤم والآن بعد السماح قانونيا بجواز تملك غير البحريني للعقارات والأراضي البحرينية ارتفعت الأسعار، فالكثير من أبنائنا بات شراء أرض له بعيد المنال، هذا بالاضافة إلى ضغط القروض وكثرة الضرائب والكثير من البحرينيين تضيع حقوقهم في القطاع العام والخاص والمسئولون - غالبيتهم - لا يوصلون إلى السلطة إلا الأخبار الجيدة وهذا بالاضافة أمر لا يخدم أحدا. هذا عدى عن التوظيف الأحادي تحت الطاولة، فما العمل؟ ما الحل؟ وفوق كل ذلك بعض الصحافة تمارس دور رجال المخابرات أيام الدولة الشيوعية في روسيا... تجريح يومي وسب وشتم ولعب في الأخبار ووشاية! لمصلحة من يتم ذلك؟ إذا كانت الحكومة ذكية فلتحرج المعارضة بتأهيل الناس اقتصاديا، فذلك يزيل الاحتقانات "والنفس إذا أمنت قوتها اطمأنت" كما قال الرسول "ص"، وتأمين القوت لا يمكن أن يكون بـ 150 دينارا وبلا ضمانات وبلا علاوات ومخطئ من يلقي كل البيض الفاسد في الصحافة على وزارة العمل، ولماذا ننسى ديوان الخدمة المدنية الذي إلى اليوم يخشى من نشر أسماء الوظائف والمرشحين لها في الصحافة بحجج أوهى من حجج جحا وقصة المسمار
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ