كان الهجوم الأميركي الضخم على منطقة الكرابلة غرب العراق الأسبوع الجاري "ناجحا" وفقا لوجهة النظر الأميركية العسكرية ولكنه فاشل من الناحية الاستراتيجية والإنسانية. فقد زعمت قوات "المارينز" تحقيق إنجاز بتطهير المنطقة من المسلحين لكن السكان المحليين قالوا إن المسلحين عادوا بمجرد تراجع القوات الأميركية وإنهائها العملية المسماة بـ "الرمح".

وعلى عكس القوات الأميركية التي هاجمت الفلوجة العام الماضي، تفتقر القوة الأميركية هذه المرة إلى العدد الكافي للبقاء في هذه المنطقة الصحراوية المتاخمة للحدود السورية. لذلك من الناحية التكتيكية استفاد المقاتلون من الطبيعة القاسية للمنطقة وعدم خبرة القوات الأجنبية بها ليقوموا بعملية كر وفر. أما من الناحية الإنسانية فتعد "الرمح" فاشلة حينما استهدف فيها كثير من المدنيين العزل ما أدى إلى مقتل نحو 100 منهم وجرح 150 آخرين وهدم نحو 36 منزلا على رؤوس ساكنيها وتدمير مركز صحي تدميرا كاملا وتسوية مؤسسات تعليمية بالأرض. وفر آلاف المواطنين للعيش في الصحراء إذ توافرت لقليل منهم الخيام اللازمة لإيواء أطفالهم وكبار السن. وطبعا كانت الكلفة عالية للقوات الأميركية إذ فقدت بعض جنودها وأصيب آخرون وذلك في بيانات صحافية صادرة منها.

وفي الوقت الذي يشن فيه الجيش الأميركي العملية تلو الأخرى "مصارع الثيران، البرق، الخنجر... الخ" نجد أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق العراقي. فمعدلات الهجمات الانتحارية بالسيارات المفخخة تزداد يوميا. وبعيدا عما يزعمه المتشددون في المنطقة من أن الولايات المتحدة غرقت في "المستنقع العراقي" إلا أن سقوط عاصمة الرشيد فتح الباب أمام حرب لا متناهية ضد الغرب تمكنت من جذب عدد غير معروف من المقاتلين القادمين من مختلف أنحاء المنطقة للمشاركة فيها ضد القوات المتعددة الجنسية بقيادة الولايات المتحدة.

ومن هنا نخلص أن واشنطن تواجه اليوم الصراع نفسه الذي نجحت في دعمه ومناصرته لمدة ثمانية أعوام ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان في الثمانينات ونتج عنه الكثير من أعدائها، ليشكل العراق الذي جاءت لتحريره تهديدا بتخريج دفعة من المتخصصين في حرب العصابات التي لن تستطيع القوة العظمى مجاراتها