العدد 1021 - الأربعاء 22 يونيو 2005م الموافق 15 جمادى الأولى 1426هـ

الإصلاح هو بعض من تغيير

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

من عجيب ما قرأت وأنا أهم بتناول موضوع الإصلاح باعتباره وسيلة للخلاص من حالات الاحتقان التي تشهدها المجتمعات العربية، انطلاقا من قناعة أن مجموع الآراء الفردية هي المكون للقناعة المجتمعية، والرافد الذي يتشكل منه الرأي العام الذي لابد من بلوغه لنجاح عملية الإصلاح عبر توظيفها بشكل صحيح للضغط على أصحاب القرار السياسي. أقول إن من عجيب ما قرأت هو ما خلص إليه المشاركون في المنتدى المدني الأول في بيروت، الذي أراد أن يوصل رسالة إلى القمة العربية التي عقدت في تونس في شهر مارس/ آذار الماضي، يؤكد فيها ضرورة الإصلاح، من "أن قوى الإصلاح العربي لاتزال ضعيفة، ولاتزال، تاليا، حركة الإصلاح وزمام المبادرة بيد السلطات والأنظمة ورهن إرادتها تلجأ إليها الأخيرة كمحاولة للتكيف مع المتغيرات المجتمعية والعالمية أو للمناورة على ضغوط خارجية أو التخفيف من حال احتقان اجتماعي أو سياسي".

قد يسأل سائل عن مبعث العجب في الأمر، فأقول إن العجيب في ذلك هو أنه لا يوجد خارج هذه المتغيرات ما يدعو للتغيير باتجاه الإصلاح إذا كنا نتحدث عن عمليات إصلاح وليس عن تغييرات فالفرق ما بين هذا وذاك كبير جدا، إذ إن التغيير في أفق معناه الراديكالي بعض من ثورة، والإصلاح بمعناه الديمقراطي بعض من تغيير يتطلبه الوضع القائم لفتح انسدادات في مجرى دم العلاقة بين السلطات السياسية والجماهير.

وكان سيبدو أكثر صحة وإقناعا لو اقتصر المنتدى على عرض مصاعب الإصلاح التي يأتي على رأسها تنفيذ القوى الحاكمة وأصحاب الامتيازات الذين مارسوا لسنوات طويلة القمع وما ترتب عليه من تغييب لدور الجماهير في العمل السياسي وأثر، بالتالي، على القوى الديمقراطية وانعكس عليها ضعفا من حيث الوزن والبرامج.

ثم هل حقا أن قوى الإصلاح ضعيفة أم أنها نامية متصاعدة؟ كان يمكن ملاحظة فعلها في الواقع لولا العراقيل والمثبطات التي تستولدها القوى السياسية الحاكمة والمسيطرة على منابر الوعظ تارة تحت عنوان الدين، وتارة برفع قضية الخصوصيات الثقافية والفرادة القيمية للمجتمعات العربية، تماهيا مع الأمر الواقع في سعي منها على بقاء الحال، لأن التغيير لجهة تفعيل آليات الديمقراطية وحقوق الإنسان يتعرض لمصالحها على حساب معاملات المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية والعرقية والمذهبية، وفق مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان التي تستنسخ المعاني الحقيقية لمفاهيم العدل والمساواة وعدم التمييز في التربة الاجتماعية.

وسؤال آخر أطرحه في هذا السياق: لماذا نستنكف على السلطات والأنظمة السياسية القائمة المشاركة في عملية الاصلاح أو قيادة هذه العملية، إذا هي آمنت بأن القاعدة الفلسفية للتغيير نبتت في الأساس على قداسة فكرة الحرية وحقوق الإنسان؟ ألا توجد نظم سياسية ليبرالية يمكن التحالف معها لبناء ديمقراطي يكفيها والمجتمع شرور التحالف مع قوى طاغ ظهورها في المشهد السياسي تترقب الفرصة التاريخية للانقضاض على السلطة والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء لبسط نمطها المغاير لجوهر العصر وحقائقه؟ لماذا لا يحلو التغيير إلا بالتصادم والفعل العنيف؟ ألم تتوافق إرادة شعب البحرين مع قيادته السياسية في رسم مستقبل هذا الشعب وأضحت تجربة يشار إليها بالبنان؟ وإذا كان هناك من هنات ونواقص في العملية الديمقراطية، كما هو وارد في أي تجربة إنسانية، فإن المسار ذاته كفيل بإصلاحها عبر الحوار الوطني الخلاق الذي يتقبل إمكان خطأ الذات واحتمال صواب الآخر، ويضع عينه على الوحدة الوطنية باعتبارها مقدسا ليس أقل ما يوصف به من يجرؤ على المساس بها بأنه جاهل، كي لا نقع في تعميمات الفكر التخويني ونقول خائن، غير مكتمل الأهلية ليكون مواطنا ويجب إعادة تأهيله.

إن الأنظمة العربية تقع تحت وطأة ضغط ثنائي، داخلي متمثل في حركة جماهيرية مطالبة بالإصلاح، وخارجي متمثل في المطالبات الأميركية التي يعنيها استقرار هذه الدول من واقع فرضية أمنية حشدت لها الولايات المتحدة الأميركية على خلفية حوادث 11 سبتمبر / أيلول، وحقائق استراتيجية واقتصادية تجعل من هذه الدول خزانا عالميا للطاقة يستحق منها عملا يستكشف السبل لدعم السلام والاستقرار في هذه البلدان. ضغط يحثها على التعاطي الايجابي مع متغيرات العصر والأخذ بها على قاعدة حقوق الإنسان التي شاع اعتبارها، على مستوى العالم، معيارا للشرعية السياسية بالنسبة إلى الحكومات، للانتقال إلى حال من الأمن الاجتماعي عبر إحداث تغييرات جذرية في النظم والقوانين التي تحكم العلاقة بين الشعوب والحكومات.

وينبغي القول إن حركة المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية لم تتوقف ولا يجوز لها أن تتوقف، لأن ذلك هو منطق التطور وديدن حركة التغيير التي ترهص بها المجتمعات في اتجاهها نحو المستقبل. بل إن الوقوف في وجه هذه الحركة سباحة ضد التيار. وما تصاعد حركة المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية وبسط العدالة والمساواة وكل المفردات التي تشكل في مجموعها حقوق الإنسان على مستوى العالم، إلا الحلقة الأقوى في سلسلة المطالبات بهذه الإصلاحات. أقول الحلقة الأقوى ليس فقط لأنها الأكثر جماهيرية بسبب تشكلها من الجمعيات المهنية والمؤسسات الثقافية والنقابات العمالية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، التي ترتبط بمصالح مهنية تتسامى عن ما يربط الأحزاب القومية أو الدينية من علاقات عرقية ومذهبية وغيرها قد تقف حجر عثرة أمام التقدم، ولكن لاعتمادها على مرجعيات مكتوبة هي المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وليست مطلقة تعتمد في أحكامها على الهوى. فالمشروعات السياسية التي جاء بها القوميون، وما يطرحه الإسلاميون، باعتبارهم تيارات حكمت وبعضها مازال، هي مشروعات إصلاحية نخبوية تسعى لأهداف محددة تتصف بالنرجسية، غير مفتوحة الآفاق على مختلف الطبقات الاجتماعية بتموجاتها العقائدية والاثنية والجنسية، ولا تقرأ الحراك الاجتماعي في جدلية متغيراته، لكي تستلهم إفرازاته التي لا تخرج عن كونها تطورا طبيعيا في نهر الحياة المتدفق.

وليس مستغربا أن نشهد هذا الهجوم، من قبل تلك التيارات أو من بقاياها على الحركة الجماهيرية، العفوية منها مثل ما هو حاصل في مصر والمنظمة مثل ما يجري في لبنان، المطالبة بالإصلاح في أكثر من مكان وربطها بمشروعات خارجية، وبالتالي نعتها بأقذع الألفاظ مثل الطابور الخامس والتبعية للأجنبي والخيانة الوطنية وما إلى ذلك من نعوت تجاوزها الزمن في حركة تقريبه بين مصالح الشعوب وبحثه عن قواسمها المشتركة، وفتحه آفاق التعاون بينها بفعل الثورة التكنولوجية وما يتأسس على ضوء ما تنتجه من مفاهيم تعزز حقوق الإنسان مثل حقه في التمتع ببيئة عالمية خالية من أسباب التوتر والكراهية.

هذه النظرة التوجسية عن الغرب هي التي تحجب المستقبل عن رؤيتنا وتوصد أبوابه في وجوه أجيالنا. والذي لابد من طرقه في هذا السياق هو سؤال ما الذي يقع بين حاضرنا ومستقبلنا، ويلقي بـ "حجبه" في أفق الرؤية ويراكم المثبطات ويحول كل الآمال والأمنيات إلى مستحيلات؟

لنتأمل سوية: كم من الثوابت يجب أن نثبت عليها؟ هناك ثوابت دينية سقفها مفتوح بانفتاح أفق الإفتاء وتعدد مشاربه ومنطلقاته، وثوابت وطنية تتأرجح حدودها بمستوى الفكر الغالب في المجتمع، وثوابت قيمية، وتاريخية، ومجتمعية وهي كلها، مجتمعة، لا تحدها تخوم وفقا للسائد في كل مجتمع. وتشكل مجموعة هذه الثوابت روافع لبروز مشروعات إصلاحية لم يكتب لها النجاح في فترة النمو القومي، أوقظها الضغط، بشقيه، الأميركي الأوروبي من جهة، ووعي الشعوب المتنامي بحقوق الإنسان من جهة ثانية. ويبدو أن التيار الإسلامي السياسي هو الذي يحقق بعض نجاح في بعض البلدان العربية، إلا أن ذلك هو قشر الشيء لا لبه. ذلك أن ما يبدو نجاحا هو نجاح مرتبط بالموقف السياسي الذي يعتور المنطقة برمتها لا علاقة له بمجمل اعتمالات المتغيرات المجتمعية والدولية في البلدان العربية

العدد 1021 - الأربعاء 22 يونيو 2005م الموافق 15 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً