العدد 1021 - الأربعاء 22 يونيو 2005م الموافق 15 جمادى الأولى 1426هـ

رفسنجاني ونجاد... معركة البراغماتيين والطوباويين

بعد انتهاء الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن يفوز الشيخ رفسنجاني بالمركز الأول في انتخابات الرئاسة الإيرانية أمر بشرت به استطلاعات الرأي المتعددة وكذا حجم التحالفات الغائرة والمعقدة بين الأحزاب وبعض المراجع الدينية، ولكن أن ينده محمود أحمدي نجاد "مهندس" ويتخطى رقاب المرشحين ليتربع في المركز الثاني أمر غير اعتيادي بالمطلق ليس فقط لأنه يقف في أقصى اليمين المحافظ بل لأنه أيضا شخصية توتاليتارية غير معروفة، وكان اسمه لا يقرن إلا بعوالم البسيج والباسدران وخازان زينب وألوية كربلاء وشعارات الفدائيين وأسلمة المجتمع حتى النخاع، ولم يعرف اسمه كرجل تنفيذي إلا بعد أن سيطر المحافظون على المجالس البلدية في انتخابات فبراير/ شباط 2003 ومن ثم اختياره بالإجماع من قبل المجلس الإسلامي المحلي رئيسا لبلدية طهران.

إن المتابع لما حدث في انتخابات الرئاسة التاسعة لا يمكنه إلا أن يصف ما حدث بالانشطار الأفقي لخريطة القوى السياسية في إيران، ذلك بعد التيقن من أن المسافة التي فصلت رفسنجاني بوصفه إصلاحيا في قالب محافظ عن أحمدي نجاد بوصفه يمينيا متشددا بامتياز لم تكن كبيرة، فقد أشارت الأصوات التي فرزت لصالح المرشحين اللذين انتقلا إلى المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية أن هاشمي رفسنجاني حاز المرتبة الثانية في ثماني عشرة محافظة وأحمدي نجاد حصل على المراتب من الثالثة وحتى السادسة في تسع عشرة محافظة، وتشير الأصوات إلى أن هاشمي رفسنجاني لم يحل في المرتبتين الخامسة والسادسة في أية محافظة، في حين أن أحمدي نجاد حل في المرتبتين الخامسة والسادسة في عشر محافظات، كما تفيد الأصوات أن رفسنجاني جاء في المرتبة الرابعة في خمس محافظات، في حين حل أحمدي نجاد رابعا في ثلاث محافظات فقط، وجاء رفسنجاني ثالثا في ثلاث محافظات، في حين حل أحمدي نجاد ثالثا في أربع محافظات، وفي الوقت الذي حل هاشمي رفسنجاني في المرتبة الثانية في ثماني عشرة محافظة، وفي المرتبة الأولى في ثلاث محافظات، جاء أحمدي نجاد ثانيا في محافظتين، وفي المرتبة الأولى في تسع محافظات!

من هو أحمدي نجاد؟!

لم يمنع نبوغ أحمدي نجاد وتميزه الأكاديمي وحصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية من أن ينخرط في صفوف البسيج وفي قوات حرس الثورة الإسلامية "الباسدران" أو أن يشارك في حرب الشوارع التي سبقت رحيل الشاه ثم يصير قائدا فدائيا "جانباز" في الفرق الخاصة التي توغلت في الأراضي العراقية "الشمالية الشرقية" مشعلة حرب عصابات ضد الجيش العراقي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وقد اكتسب صدقيته بين أقرانه وفي الأحياء الفقيرة من سلوكه الطوباوي ومن التزامه المفرط في العيش بحد الكفاف واكتساء البزات الخاصة بقوات التعبئة والعيش في أزيد الأحياء فقرا بطهران، كما أنه لا يتقاضى راتبا نظير رئاسته لبلدية طهران مكتفيا براتبه الذي يحصل عليه كأستاذ جامعي يعمل بعد الظهر بل حرص على تسجيل ممتلكاته كافة هو وزوجته لدى ديوان الذمة المالية التابع للسلطة القضائية بعيد انتخابه رئيسا للبلدية، ثم إن ولاءه المطلق للقيادة الدينية جعله جنديا مطواعا من الدرجة الأولى، وكان دائما ما يردد مقولة للشهيد محمد علي رجائي "لا تنسبوا مواقف ضعفي للثورة ولا لتوجهي ومدرستي، فما ترونه من مشكلات فأنا سببها وليس نظام الجمهورية الإسلامية"، ومازال يجاهد من أجل تطبيق رؤيته في الإدارة الثورية التي يعتقد بأنها تعود إلى تلقي وتصور أساس الثورة وإيجاد مجتمع إسلامي نموذجي متقدم كمنطلق لحركة إقامة الحكومة العالمية للإسلام.

ولم يثنه اختياره في حكومة رفسنجاني الثانية مستشارا لوزير التعليم العالي، ومن ثم تعيينه من قبل رفسنجاني رئيسا لمدينة أردبيل لأن يمارس دور المنشد الديني للإمام الخامنئي أو أن يتخلى عن زياراته الميدانية اليومية لتجمعات الشباب في الأسواق والردهات الترفيهية أو حتى المشاركة في مناورات البسيج والحرس وحضور العروض العسكرية لحزب الله.

ملاحظات أولية على نتائج الانتخابات

"1" أظهرت نتيجة الانتخابات الأخيرة أن تحولات مهمة بدأت تفرض نفسها بقوة على المجتمع الإيراني الذي مل من حال الاحتراب بين القوى السياسية المتنافسة وأخذ ينسحب تدريجيا صوب التجمعات الأهلية التي قد تقدم له خيارات أكثر حرصا على تطلعاته، وهو خيار يبدو أن أحمدي نجاد تنبه له أبكر من غيره وبدأ العمل من خلاله بعيد انتخابات المجلس النيابي السادس، وزاد منه أكثر بعد تسلمه رئاسة بلدية طهران.

"2" إن بريق التيار الإصلاحي المتطرف بدأ في الانحسار ولم تعد شعاراته التي كانت تطرب لها أذن الناخب الإيراني تسعفه في شيء، لذلك فقد حل مرشحهم "الحامل للشعارات البائسة ذاتها" مصطفى معين في المرتبة الخامسة، وهي وبالمناسبة الانتكاسة الثالثة التي يمنى بها الإصلاحيون المتطرفون بعد هزيمتهم في انتخابات المجالس البلدية في فبراير 2003 وهزيمتهم في الانتخابات النيابية السابعة في فبراير 2004 وهي رسالة واضحة وجلية بأن حال الاحتقان السياسي التي أسسوها والغبار الذي ملأوا به الأجواء الداخلية وشعارات التنمية السياسية بمنظورهم المتطرف قد بدأت تتعفن.

أختتم الحديث بسؤال كبير يطرح نفسه: أيهما أحق برئاسة الجمهورية الإسلامية، رفسنجاني أو نجاد؟ ولأن الجواب من اختصاص الإيرانيين وحدهم الذين سيقولون كلمتهم في يوم الجمعة لذلك لا يمكنني أن أصادر ما سيقررونه، لكنني أحتفظ برأي خاص بشأن ذلك أطرحه لاحقا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1021 - الأربعاء 22 يونيو 2005م الموافق 15 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً