العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ

صَلاةٌ بِلا وُضُوء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بالتأكيد فإن دعوة الرئيس باراك أوباما لإخلاء العالم من السلاح النووي تأتي في سياق صَرَعَات الإدارة الأميركية الجديدة؛ لكنها بالتأكيد لن تتحول إلى حرباء في أعين مَن سمِعوها. والسبب أن ما قاله سيادة الرئيس لا يتّسِق وما لدى بلاده من خطط في ذلك المجال.

قبل أشهر بيّنت الأرقام أن الولايات المتحدة أنفقت على تجهيزاتها النووية في بحر عام واحد فقط زهاء 52.4 مليار دولار! وهو ضعف ما أُنفِق على الدراسات العلمية وبحوث الفضاء، وأربعة عشرة مرة من موازنة أبحاث الطاقة! وبالتالي فإن عدد الرؤوس النووية الأميركية اليوم هي 17150 رأسا نوويا. (راجع تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام).

تكثير الحديث عن الموضوع النووي اليوم هو بسبب الخشية المتصاعدة من أن يمتلك إرهابيون (دولٌ أو جماعات) سلاحا غير تقليدي. أو على أقلّ تقدير حصولهم على معملٍ للأبحاث المُؤدّية إلى استخراج اليورانيوم الخام وتحويله إلى سُداسي فلوريد اليورانيوم، ومن ثمّ تخصيبه وإعادة معالجة الوقود المُستنفد، وهي النواة الإجرائية لعمل قنبلة نووية.

مشكلة الأمن القومي الأميركي أنه غير قادر على التصدّي لأي هجوم نووي ما دام لا يسير في اتجاه بيروقراطي استخباراتي مُساوٍ للخطط والخطط المضادة. فالولايات المتحدة تمتلك ثلاثا وسبعين مُدمّرة طراز ايجيس تجول البحار الدولية يُمكنها أن تتعامل مع أهداف بالستية ذات مديات استراتيجية.

ويُمكن أن تكون واشنطن أكثر اطمئنانا كلما تذكّرت أنها تمتلك صاروخ إس إم 3 المعياري القادر على اعتراض صواريخ بالستية عابرة للقارات قد تنطلق من دول كروسيا أو الصين أو حتى كوريا الشمالية في فترات قياسية.

المُشكلة الأمنية الأميركية محلّ الجدل، هي كيف يُمكن التعامل مع أهداف غير تقليدية يتّم التحضير لإنفاذها بوسائل بدائية. عملية تُعطي نتائج مُدمّرة لكن وضعها في المسار قد يتمّ على أيدي أناس لا يجيدون سوى التعبير عن كُره آيدلوجي للأميركيين.

في هذا السياق يُنبّه عددٌ من المفكرين باراك أوباما بأن ملفه البلاد الأمني متعدد، وليس بالضرورة أن تتم معالجته بالمواجهة لا بقوة التضاد المتوافرة، ولا بالتفكير في التصدي لوسائل بدائية، لكنها فاعلة.

هم يرونه مختلفا عمّا تُروّج له السي آي أي. بعضهم يعيد إنتاجه بطريقة أخرى، والبعض الآخر لا يكترث إلاّ بالنظر إلى المكسيك وشمال ريو غراندي في القارة الأميركية، وما تُشكّله تلك المنطقة من حوض جغرافي مهم لبلادهم.

أحدهم ويُدعى أكسندر روندت من جامعة أوهايو قال: «اللزوم يجب أن يكون ليس فقط أن يعترفوا بنا، لكن أن نعترف نحن بهم أيضا». روبرت كيوهين من جامعة برنستون قال: «في ثلاثينيات القرن الماضي أدّت الأزمة الاقتصادية إلى النازية في ألمانيا، والعسكرية في اليابان، وعلينا ألاّ نغضّ النظر عن أن الأزمة الاقتصادية يُمكن أن تكون لها مرة أخرى تأثيرات ضارة على الحياة السياسية العالمية».

هنا تُصبح المشكلة أكثر تعقيدا. فهي في خاتمة المطاف تنتهي (وحسب تشخيص المستشارين) إلى أهمية التصدي إلى تلك الأخطار ولكن عبر الاعتراف بشرعية أَلَدّ الخصوم وأشرسهم وذلك بغية تحييدهم والتعايش معهم كما هم. هذه معادلة صعبة وتحتاج إلى مفاوضات مع الأعداء والحلفاء معا.

فالأعداء يريدون تفاوضا يعيد الأوضاع إلى المربّع الأول والاحتكام إلى منطق أن الجميع لا يملك السوق وإنما حصة من السوق. والحلفاء يريدون أن لا تكون التسويات على حسابهم أو من خلالهم وعليهم.

إذ كيف للإدارة الأميركية (مثلا) أن تتعامل بِنِدِّيَة طبيعية مع قراصنة الصومال وهي ترى مصر (وهي حليفتها في المنطقة) تخسر أربعة مليارات دولار من موازنتها المباشرة كل عام بسبب تحوّل مسارات السفن من قناة السويس إلى خط الرجاء الصالح.

وكيف للإدارة أن تتعامل مع حركة طالبان بصقورها وحمائمها في أفغانستان وهي ترى خسائر الهند (وهي حليفتها أيضا) تتزايد جرّاء الهجمات الإرهابية كلما حلّ ربيعٌ سياسي في أفغانستان أو باكستان.

إذا التصدّي الأميركي للسلاح غير التقليدي المتناثر داخل النادي النووي المتوسّع لن يكون ذا تأثير، ما دام الجميع مقتنعا بأن عدم قدرة السوفيات على تدمير مينيابوليس هو خشيتهم من تدمير الأميركيين لفلاديفوستوك. إذا صوابية نظرية كيسنجر بأن السلاح النووي يبعد الحرب بين دولتين.

والأهم من كل ذلك هو التحوّلات في البيئة السياسية الدولية عندما تُطرح الفرص والتحديات، ويُستولَى على المتاح، لتصبح المعركة على السقف الأدنى من المطالب، فيزيد الخصوم قدرة على فرض واقع سياسي جديد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً