قد يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما صادقا في التصريحات التي أطلقها في جولته الخارجية الأخيرة والتي اختار فيها تركيا ليؤكد أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام ولن تكون في حرب مع هذا الدين. ومع ذلك مازالت شهادته تلك ناقصة لأنها تفتقر للأفعال. ومن حق شعوب المنطقة أن تشكك فيما تنوي الإدارة الأميركية (وليس الرئيس الأميركي) أن تفعله في الشرق الأوسط.
والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا اختار أوباما تركيا بالتحديد من بين دول المنطقة ليبشرنا بالشراكة والسلام؟. لماذا لم يختر دولة عربية و»العروبة هي وعاء الإسلام» وما أكثر الدول العربية المعتدلة أو العلمانية؟.
لقد جاءت جولة أوباما عقب إعلانه للتو عن استراتيجيته بشأن العراق وأفغانستان (وتمثل الأخيرة الآن محرقة لقوات الحلف الأطلسي حيث كشف الرئيس الأميركي أنه بصدد زيادة القوات المقاتلة)، وإيجاد مجموعة اتصال تتكون من الدول المجاورة لأفغانستان وعلى رأسها إيران وتركيا. فتركيا تعتبر طريق عبور رئيسي للقوات الأميركية المتجهة للعراق ولأفغانستان. ومع خفض البنتاغون لقواتها في العراق يمكن لقاعدة إنجيرليك الجوية في جنوب شرق تركيا أن تقوم بدور رئيسي. وتعتبر تركيا أيضا منطقة عبور للطاقة من آسيا الصغرى إلى الغرب، هذا بالإضافة إلى نفوذها الإقليمي والدبلوماسي وعلاقتها القوية مع الكيان الصهيوني، بحيث تسهم في محاربة تنظيم «القاعدة» في ملاذاته الآمنة في أفغانستان وكذلك التحدث إلى إيران وحثها للكف عن سعيها المزعوم للحصول على قنبلة نووية. وتعتقد الولايات المتحدة أيضا أن أنقرة يمكن أن تسهم في نزع تنازلات مهمة من الفلسطينيين وخصوصا حركة «حماس» وذلك من أجل استئناف مفاوضات السلام والتهدئة مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة.
لقد فشل أوباما في أول اختبار تجاه المصالح التركية والإسلامية، إذ لم يستطع التصدي للفيتو الفرنسي الرافض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وذلك بعد أن وعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بدعمه في محادثات الانضمام إلى أوروبا وهو الأمر الذي دعا الأخير ربما للتراجع عن موقفه الرافض لتنصيب رئيس الوزراء الدنماركي فو راسموسن (الوجه القبيح المدافع عن الرسوم المسيئة لنبينا(ص) أمينا عاما للحلف الأطلسي. ومضمون الفيتو الفرنسي الذي عبر عنه نيكولا ساركوزي هو أن اتحاد القارة العجوز لن يقبل بدولة غالبيتها مسلمين ولديها عدد من البرلمانيين يفوق عدد البرلمانيين لدى الدول الكبرى المؤسسة للاتحاد مثل فرنسا وألمانيا منفردة بحيث يؤثرون في قرارات وأهداف هذا الاتحاد مما يعني فتح الباب على مصراعيه لأسلمة أوروبا.
وفشل أوباما حتى الآن في النطق بـ»لا» قوية في وجه المسئولين المتطرفين الجدد في «إسرائيل». فلماذا لم تتدخل إدارته للحيلولة دون تعيين المتطرف افغيدور ليبرمان على رأس الدبلوماسية الصهيونية. ولماذا لم يزجر أوباما ليبرمان حينما صرح بأن محادثات السلام وصلت إلى طريق مسدود وأنه غير ملزم بمقررات مؤتمر أنابوليس. ولماذا لم يحث رئيس الوزراء الإسرائيلي الإرهابي بنيامين نتنياهو على قبول حل الدولتين الذي أقرته إدارة المحافظين الجدد السابقة في البيت الأبيض وقد اعتمدته الدولة العبرية ضمن «خريطة الطريق».
من الواضح أن أية إدارة أميركية يجب عليها التكيف مع أي حكومة إسرائيلية وإن تشكلت الأخيرة من الشياطين. كان هذا واضحا من تصريحات أوباما أمام الطلاب الأتراك في جولته هذه بأن «إسرائيل» ليست مسئولة عن كل المشكلات في الشرق الأوسط. وطالب أوباما الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بتقديم تنازلات من أجل السلام، رغم أن الفلسطينيين تنازلوا مكرهين عن كل شيء طوال 60 عاما ولم يتبق لهم سوى التنازل عن الأكسجين والبقاء في الحياة. لم يلجم أوباما دولة الاحتلال الصهيوني في سباق التسلح النووي والتجارب الصاروخية وكان آخرها اختبارها للصاروخ «أرو2» بتمويل أميركي.
وبينما حث أوباما إيران على الحوار من باب «مكره أخاك لا بطل»، إذ أصبحت إيران اليوم دولة صناعية ولها وزنها في المنطقة ولا يمكن اجتياحها من دون تضرر المصالح الأميركية. ومع أن طهران رحبت باللهجة الدبلوماسية الأميركية إلا أن هناك عقوبات أميركية جديدة فرضت في الآونة الأخيرة على شركات إيرانية بحجة دعمها للبرنامج النووي. ومازالت الأرصدة الإيرانية مجمدة في أميركا ناهيك عن الجواسيس من أصل إيراني الذين تبعثهم واشنطن إلى طهران بين حين وآخر.
إذا بالرغم من الارتياح العام الذي أبداه المجتمع الدولي تجاه النهج «الأوبامي» الجديد في كل النواحي إلا أن ما عبر عنه تجاه الإسلام والسلام مازال يحتاج إلى أفعال لن ترى النور ما لم يقنع الرئيس الأميركي بطانته واللوبي الصهيوني بذلك، عندئذ لن نتهمه بأنه يمارس السياسة الانتهازية «عشان غرضك أفرش خلقك».
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ