ترأست قرينة العاهل المغربي الأميرة للا سلمى حديثا حفل افتتاح الدورة 11 لمهرجان فاس للموسيقى الروحية في العالم الذي نظم في الفترة ما بين 3 إلى 11 يونيو/ حزيران الجاري تحت شعار "طرق الأمل". والذي بدأت أولى دوراته العام 1994 ليصبح موعدا سنويا يستقطب أكبر الفرق الموسيقية في هذا النمط من الغناء والتي تعكس تنوع وتعايش الثقافات والديانات.
وتميز حفل الافتتاح بالعرض الذي قدمته الفنانة الإسبانية تيريزا بيرغانزا التي كانت مرفوقة بالمغنية سيسيليا لافيلا، اذ صاحبتهما الأوركسترا الإسبانية "ستابات ماتير دي سولير" برئاسة خوردي كازاس باير. كما تميز الحفل بتقديم أغان صوفية أدتها الفنانة المغربية أسماء لمنور وبالحضور المتميز لعازف العود سعيد الشرايبي.
الحفل تميز أيضا بالكلمة التلفزيونية التي ألقاها أمير بلاد الغال ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز التي أكد فيها أنه يحدوه الأمل في أن تساهم المؤسسات الدينية والثقافية في توثيق العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، مبرزا أن الموسيقى العريقة التي يحتفي بها مهرجان فاس "تشكل لغة كونية تتوجه لجميع الأمم والشعوب من دون تمييز بين اللون والمعتقدات" مضيفا أنه يعتقد أن "الجميع مدين بالامتنان والشكر لكل من يعزفون هذه الموسيقى ولمن ساهموا في جعل هذا المهرجان ممكنا". وقال "لم تكن لدي أدنى فكرة أثناء تأسيس المهرجان عن السرعة التي سيكبر بها ليصبح مشعلا للبهجة والأمل والانسجام في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط".
ومما جاء في كلمة الأمير تشارلز "لقد أحسست بعمق منذ مدة أن الإسلام والغرب ينتميان لثقافة مشتركة مبرزا أنه على رغم التوترات الراهنة فإن القواسم الأساسية للثقافتين تقربنا إلى بعضنا بعضا أكثر مما تبعدنا". ولاحظ أن المجتمع البريطاني "أضحت تساهم فيه الجالية المسلمة التي تشكل فيه جزءا فاعلا ووازنا"، مضيفا أن "المساهمة النوعية للجالية المسلمة في الكثير من مجالات الابتكار متميزة وتحظى بالتقدير". وذكر أن طلاب العلم من بريطانيا وأوروبا عموما كانوا يتوجهون في الماضي إلى الجامعات المسلمة بإسبانيا لتعلم الطب والرياضيات وعلم الفلك ومختلف العلوم الأخرى" مبرزا أن "العالم الإسلامي ونظرا إلى تقاليده التي تمتد لقرون تقاسم بكرم المهارات والمعرفة مع العالم الغربي".
وأوضح أن العالم الغربي باستقباله للطلبة المسلمين حاليا في جامعاته للمساهمة في البحث والاكتشاف والمعرفة يرد بذلك الدين إلى العالم الإسلامي. ودعا إلى أن عزف الموسيقى العريقة لمختلف الثقافات ومناقشة الكثير من التحديات التي تواجه العالم "يذكرنا بأن الله حتم علينا أن نعامل بعضنا بعضا على أساس قيم الرحمة والشفقة".
ومن جهته تطرق مسئول بمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة وهو محمد القباج في كلمته إلى إعلان الألفية الذي صادقت عليه الدول 189 التي شاركت في قمة الألفية للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول ،2000 موضحا أن الدول تعهدت في هذا الإعلان بالعمل على بلوغ الأهداف الأساسية للإنسانية في القرن ،21 وتتمثل أساسا في القضاء على الفقر وضمان الكرامة الإنسانية وتحقيق السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة في أفق العام ،2015 وأكد أن "الديمقراطية والتنمية العادلة وتماسك الدولة تعد مفاهيم أساسية" معتبرا أن سياسات متعددة الثقافات ومترابطة وراسخة قمينة بأن تصبح عاملا أساسيا للتنمية وأن هذه "التنمية ستكون حاضرة في المناقشات وتبادل الآراء في إطار الدورة الخامسة من لقاءات فاس".
وقال القباج إن إقامة مهرجان ولقاءات فاس يهدف الى إبراز أن مقاربة شمولية للتنوع الثقافي يمكن لها أن تشكل رافعة للتنمية لمدينة فاس.
من جانبه، أشار المدير العام لمهرجان فاس فوزي الصقلي إلى أن لقاءات فاس تروم اغتنام الفرصة لحث نساء ورجال الثقافة ومن مختلف مجالات العمل وحساسيات على فتح نقاش وإطلاق مسار لتبادل الأفكار كفيل بالخروج بمجموعة من الأفكار والتوجهات الأساسية. وقال الصقلي إن قضايا النزاع المرتبطة بالهوية وقضايا التربية على الاختلاف لها علاقة اليوم بالتطور الإنساني والذي لا يمكنه أن يتحقق إلا إذا خضع لنوع من التماسك بين مجتمعاتنا وقدرتها العيش سواء في الحرب أو السلم. واعتبر أن من بين القضايا التي تطرح بقوة في الوقت الراهن هي أن "التمييز الثقافي لا يمكن اختزاله في التمييز الاقتصادي وبالتالي التعبير عنه بمعايير اقتصادية صرفة".
يذكر أن ملتقيات فاس عرفت بالإضافة إلى حفلات الموسيقى الصوفية والموسيقى الروحية لعدد من حضارات وشعوب العالم، تنظيم ندوات تمحورت حول موضوعي "من المواجهات بين الثقافات إلى الحوار بينها"، و"التغيير المستمر للعالم"، بمشاركة باحثين ومهتمين من العالم الإسلامي ومن باقي أرجاء العالم، كما تميز بإقامة معارض تشكيلية وأخرى للصور الفوتوغرافية وإقامة عروض للعموم وعقد لقاءات للتفكير والتأمل فضلا عن تنظيم عروض للأطفال. وقد عرف المهرجان مواكبة ضخمة من مختلف وسائل الإعلام وخصوصا الدولية منها