العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ

من يربح الانتخابات اللبنانية؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من يربح الانتخابات النيابية اللبنانية في 7 يونيو/ حزيران المقبل؟ قوى «8 آذار» تؤكد أنها ستفوز بغالبية مقاعد البرلمان استنادا إلى معطيات محلية واقليمية ودولية. فهذه القوى تشير إلى أن الاستطلاعات التي تجريها في معظم الاقضية ترجح كفة قوائمها لأن «قانون 1960» قسم الدوائر إلى وحدات صغيرة ما أعطى فرصة لتعديل التوازن خصوصا في المناطق المختلطة طائفيا ومذهبيا.

إلى القانون الانتخابي هناك مجموعة تطورات ميدانية حصلت على الأرض وفي المحيط الاقليمي والإطار الدولي. محليا انفرط عقد «التحالف الثلاثي» بين السنة والشيعة والدروز وأعيد اصطفاف الطوائف والمذاهب وفق تشكيلة جديدة من الائتلافات الموضعية في مختلف المناطق والاقضية والدوائر الانتخابية. اقليميا بدأت سورية بالخروج من عزلتها الدولية واخذت تستعيد موقعها التفاوضي مع «اسرائيل» ودورها الخاص في إطار الانفتاح الاوروبي - الأميركي على دمشق. وأميركيا أخذت واشنطن ترسل إشارات إيجابية تشجع على استئناف الحوار على خط طهران - دمشق ما يعزز إمكانات تحسين شروط التفاوض على الملفات الاقليمية من بينها لبنان.

كل هذه المتغيرات الدولية (الأميركية - الاوروبية) والاقليمية (الإيرانية - السورية) المعطوفة على قانون انتخابي يعتمد آليات الدوائر الصغيرة (الاقضية) عززت مواقع قوى «8 آذار» في سياق التجاذب المحلي على الملف اللبناني. فهذه القوى ترى أن مجرى الرياح المحيطة ببلاد الارز يتجه نحو دفع شراع سفينة «8 آذار» لبلوغ شاطئ الأمان وتشكيل كتلة نيابية غالبة في التوازن البرلماني.

بناء على هذه القراءة الدولية - الاقليمية تتجه قوى «8 آذار» إلى اعلان الفوز بغالبية قد تصل في حدها الأدنى إلى 66 مقعدا من أصل 128. ويذهب تيار الجنرال ميشال عون إلى أقصى التطرف في رؤيته للنتائج إذ يشير إلى احتمال فوزه منفردا بمجموعة نيابية تصل إلى 35 مقعدا ما يعني أنه سيصبح أكبر كتلة برلمانية في المجلس الجديد.

طموحات الجنرال مبالغ فيها لأنها تتجاوز الحد الأدنى من القراءة الموضوعية للتوازن الطائفي - المذهبي في لبنان كذلك تتخطى كل الاحتمالات الأخرى التي تواجه تياره في بيئته المسيحية - المارونية. وكلام الجنرال عن أنه سيكتسح الاقضية المسيحية منفردا وسيطيح بخصومه السياسيين اعتمادا على تحالفه مع حزب الله وحركة أمل في الاقضية المسلمة فيه الكثير من الأمنيات تشبه كثيرا تلك المراهنات على القارب السوري - الإيراني واحتمال انخراطه في اللعبة الدولية التي تديرها اساطيل السفن الأميركية في البحرين الأبيض والأحمر وبحيرة الخليج.

المراهنة على الحوار الأميركي - الإيراني والتفاوض السوري - الإسرائيلي لتعديل التوازن النيابي اللبناني تحتاج إلى إعادة قراءة للآليات المحلية التي تتحكم بالدوائر الانتخابية وتلون الاقضية بالمذاهب والطوائف ما يعطي نكهة خاصة للاختيار بعيدا عن «اليد الممدودة» من واشنطن باتجاه طهران وحليفها الدمشقي.

المقاعد النيابية في بلاد الارز ليست لبنانية بل طائفية ومذهبية وهي موزعة على جغرافيا تتحكم في دوائرها مجموعة عوامل تؤثر على آليات الاختيار. فهناك من جهة 26 دائرة (قضاء) وهناك من جهة اخرى 64 مقعدا للمسيحيين و64 مقعدا للمسلمين. وهذا التقسيم يمنع حصول القوى المتنافسة على غالبية الثلثين التي تسمح بتعديل الدستور كذلك يساهم تشطير الطوائف إلى مذاهب في تعطيل إمكانات تجاوز الأكثرية حصص الأقلية.

ادعاء الجنرال أنه يطمح إلى الفوز بـ 35 مقعدا في الدورة المقبلة فيه الكثير من المجازفة السياسية المعطوفة على انعدام الرؤية في التعامل مع تعقيدات الديموغرافيا السكانية اللبنانية. فالنسبة التي يتطلع تيار الجنرال إليها تعني أنه سينال 60 في المئة من مقاعد المسيحيين أو أنه سيفوز بكل المقاعد المخصصة للموارنة زائد مقعد آخر من طائفة أخرى. وهذا الاحتمال غير وارد في الأمد المنظور حتى لو توصل الجنرال إلى التفاهم الكلي مع حليفيه حزب الله وحركة أمل لأن الحسابات النظرية لا تتطابق مع تعقيدات الواقع وتشريح الحصص (الكوتا) على المذاهب.

حصة الموارنة في البرلمان 34 مقعدا، والسنة 27، والشيعة 27، والارثوذكس 14 مقعدا، والكاثوليك ثمانية، والدروز ثمانية، والأرمن ستة مقاعد. وتذهب المقاعد الأربعة المتبقية إلى العلويين والبروتستانت والاقليات. وبسبب هذا التوزيع تصبح طموحات الجنرال عرضة للنقاش الرقمي وخصوصا إذا أجريت مقارنة مع القراءة المضادة التي تعتمدها قوى «14 آذار».


قراءة مضادة

تقديرات «14 آذار» تشير إلى أنها ستفوز بغالبية نسبية في الانتخابات المقبلة وستحافظ على معادلة الأكثرية حتى لو ابحرت القوارب السورية الإيرانية إلى الموانئ الأميركية. وترى جماعة «14 آذار» أن هناك معطيات محلية تكسر من حدة الاستقطابات الدولية والتجاذبات الاقليمية في اعتبار ان الاختيارات اللبنانية تخضع لمجموعة معايير تتأثر بحدود معينة بالفضاءات المحيطة بالكيان ولكنها لا تنعكس فورا على الخريطة التي تتشكل منها التوازنات الداخلية.

العامل المحلي برأي «14 آذار» لايزال هو الأقوى في تقدير الاختيارات وتعديل التوازنات. ومجموع العوامل المحلية تصب في مجرى مياه طاحونة «14 آذار» لأن التحالفات الظرفية والمؤقتة التي تأسست عليها قوائم دورة 2005 تبدلت الآن وأعيد فرزها وتركيبها بناء على الكثير من المتغيرات الداخلية. فهناك أولا رئيس جمهورية معتدل وغير منحاز كما كان أمر اميل لحود. وهناك ثانيا اتجاه الكنيسة المارونية إلى رفع الغطاء عن الجنرال أو على الأقل الامتناع عن دعمه كما حصل في الانتخابات السابقة. وهناك ثالثا اختلافات موضعية حصلت في إطار تكتل الجنرال النيابي ما أدى إلى خروج قوى تلعب دروها الخاص في بعض الدوائر في الاقضية.

كل هذه المتغيرات المحلية تراهن عليها «14 آذار» للإشارة إلى أن قواها لا تزال على حالها من دون تغيير وخصوصا أن هناك ضمانات أميركية بعدم «بيع» أو «تأجير» لبنان وتقديمه «جائزة ترضية» لتعويض خسائر الوكلاء الاقليميين. وبرأي «14 آذار» أن الوكالة السورية في لبنان سحبت أو على الأقل تم تجميدها ولن تعود ثانية إلى بلاد الارز كما كان عليه الوضع سابقا.

بناء على هذه المعطيات تقرأ قوى «14 آذار» صورة الانتخابات المقبلة وتراهن على المتغيرات المحلية لتأكيد ثقة الجمهور بها وإعادة تفويضها بالغالبية النيابية. وبرأي هذه القوى أن الانفتاح الأميركي على سورية لا يعني بالضرورة حصول توافقات سريعة وتفاهمات وصفقات تعيد إنتاج تلك الوكالة الاقليمية التي ترتبت دوليا في العام 1976. كذلك الحوار الأميركي - الإيراني يحتاج إلى فترة زمنية للتبلور والخروج برؤية جديدة لمنظومة العلاقات الاقليمية الممتدة من العراق والخليج إلى لبنان وفلسطين.

على هذا الأساس المتحرك وتفاعلاته البطيئة تتوقع «14 آذار» أنها ستخسر في أمكنة (أقضية) وستربح في دوائر تلعب فيها الكنيسة المارونية دور المؤثر المعنوي في مزاج الشارع المسيحي الذي لا يتجانس نفسيا وثقافيا مع تحالفات الجنرال الغامضة في حساباتها مع المحور السوري - الإيراني.

العودة إلى سؤال «من يربح الانتخابات اللبنانية» تحتاج إلى اجابات تتجاوز حدود اجهزة استطلاع الرأي لأن آلية الاختيار لا تتوقف على العدد وأنما على توزع المقاعد طائفيا ومذهبيا في الاقضية (الدوائر). والفوز في هذا المكان أو ذاك ليس له علاقة بالتحالفات السياسية أو برنامج الأولويات (لبنان أولا، الدولة أولا أو المقاومة أولا) وانما بخريطة طريق معقدة تبدأ بالعائلات والاحزاب وتنتهي بالمساجد والكنائس لتعود بعد دورات محلية من جديد إلى العائلات والاحزاب وقدرتها على التعبئة الطائفية والمذهبية. وفي هذا المعنى البراغماتي - الغوغائي يبدو الجنرال هو الطرف الاكفأ في معادلة الإثارة المذهبية. وربما لهذا السبب يؤكد تياره أنه سيكون الكتلة الأقوى في البرلمان المقبل.

هذه المعاندة تنقصها الدقة وتبالغ في الثقة بالنفس والقدرات الذاتية. فالمعادلة المسيحية - المارونية تديرها مجموعة اعتبارات تتجاوز حسابات الجنرال. وفي حال صحت توقعاته تكون المعادلة فعلا دخلت في طور جديد سيكون له تأثيراته المباشرة على الكيان السياسي وفكرة لبنان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً