بقي عن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أقل من عام تقريبا، ويبدو أن القوى السياسية بدأت استعداداتها بشكل مبكر، وهذا الاستعداد لم يقتصر على التنظيمات السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية، وإنما امتد ليشمل كذلك التنظيمات السياسية المقاطعة التي أبدت مؤشرات متباينة إزاء الانتخابات المقبلة.
من خلال استقراء الواقع وملاحظة تفاعلات النظام السياسي البحريني، سنجد أن النظام شهد مرحلة من الجمود السياسي خلال العامين الماضيين، على رغم النشاط المكثف للقوى السياسية كافة محليا وخارجيا. ومن أبرز مسببات هذا الجمود ثنائية "المقاطعة/ المشاركة"، التي قسمت المكاسب السياسية بين مختلف القوى، فهناك قوى تمكنت من الحصول على مكاسب كثيرة بسبب مواقفها، بخلاف القوى الأخرى التي حالت مواقفها دون الحصول على مكاسب سياسية. وقد يكون أهم مكسب للجمعيات المشاركة هو زيادة قاعدتها الجماهيرية وحصولها على فرصة لتطوير خبرتها البرلمانية بخلاف تنظيمات كثيرة لها وجود طويل في التاريخ السياسي البحريني، ولكنها لا تملك خبرة في مجال العمل البرلماني. فحتى القوى التي شاركت في انتخابات المجلس الوطني خلال العام 1973 لم يتح لها المجال لاكتساب خبرة مماثلة للفرص المتاحة اليوم في التجربة البرلمانية الجديدة.
وفي ضوء هذا الجمود فإن هناك حراكا سياسيا سيشهده النظام خلال الشهور المقبلة بتوقعات التنظيمات المشاركة والمقاطعة، وقد لا تكون هذه التوقعات معلنة، إلا أنها كامنة وتتداولها أوساط كثيرة. ما يهمنا اليوم هو بحث كيفية مواجهة الحراك السياسي المقبل للقوانين المختلفة في البلاد. فهناك قوانين كثيرة بعضها قد يقيد فعلا حرية العمل السياسي، والبعض الآخر سيتم تطويعه من أجل تحقيق مكاسب سياسية تتوافق مع مصالح التنظيمات السياسية.
قبل فترة ظهرت أطروحات بشأن تعديل الدوائر الانتخابية، وظهرت مشروعات كثيرة من أبرز منظريها شخصيات محسوبة على جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الوطني الديمقراطي. وكان من الواضح من هذه المشروعات أنها استهدفت تعظيم المكاسب السياسية للقوى المقاطعة فيما لو أنهيت حال المقاطعة بشكل إرادي أو لا إرادي. ولكن من خلال سياق هذه المشروعات فإنه من غير المعلوم الكيفية التي سيتم تمريرها بها لتنفذ على أرض الواقع. فعملية التعديل تتطلب إجراءات تشريعية، وهناك المرسوم بقانون رقم "29" لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب الصادر في 21 أغسطس/ آب .2002 وبالتالي فإن المطالب المتعلقة بتعديل الدوائر الانتخابية لا يمكن تمريرها من دون إصدار مرسوم جديد يعدل المرسوم السابق المعمول به حاليا. ومن الصعوبة بمكان أن تلجأ التنظيمات المقاطعة إلى المؤسسة التشريعية القائمة بسبب مواقف الأولى المتحفظة إزاء الأخيرة. ومن هنا يبرز تحد قانوني في كيفية قيام القوى المقاطعة بتحريك ملف الدوائر الانتخابية دون اللجوء إلى المؤسسة التشريعية.
أيضا قضية أخرى مرتبطة بالتحديات القانونية خلال الفترة المقبلة، فقد طرحت بعض النخب فكرة تحريك الكتل الانتخابية من محافظة لأخرى، ومن دائرة إلى أخرى. ومثل هذه الفكرة تبدو من الناحية التكتيكية/ السياسية متاحة، إلا أن مطابقتها بالفرص المتاحة على أرض الواقع تشير إلى غير ذلك. فقيام القوى السياسية بتغيير الكتل الانتخابية قد يبدو للسلطة شكلا من أشكال تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، وهو أمر يتعارض مع بنود القانون رقم "9" لسنة 1984 في شأن السجل السكاني المركزي والذي نظم عملية السجل السكاني وإجراءاتها التنفيذية المختلفة، وخصوصا المادتين "11" و"19". إذ تنص هاتان المادتان على إلزامية قيام الأفراد بإخطار الجهات الرسمية عند حدوث تغيير في مكان السكن أو العنوان. وهناك عقوبات قانونية لمخالفي هذا القانون تتراوح بين الحبس لمدة لا تزيد على سنة وبغرامات مالية تصل إلى 600 دينار. وبذلك تكون فكرة تحريك الكتل الانتخابية التي تتطلع إليها بعض النخب السياسية صعبة في ظل وجود قانون ينظم العملية. ومن غير المنطقي أن تقدم القوى السياسية على خطوة ستخالف فيها القانون، بقيامها بتغيير عناوين عشرات الآلاف من المواطنين من أجل نيل مكاسب انتخابية، وخصوصا أن إصرارها على مخالفة القانون قد يتم توظيفه لغير صالحها أمام الرأي العام المحلي.
أما الحالة الثالثة فقد تكون ضمن سياق الحراك السياسي في المجتمع البحريني فهي توظيف الصناديق الخيرية من أجل توسيع القواعد الانتخابية، واستغلالها دعائيا. فبحسب إحصاءات أبريل/ نيسان 2005 الصادرة عن وزارة الشئون الاجتماعية يوجد في البلاد 79 صندوقا خيريا في مختلف مناطق المملكة. وهذا الرقم طبعا مرشح للارتفاع خلال الفترة المقبلة طبقا لبعض الحسابات السياسية. وعلى رغم تصريحات وزيرة الشئون الاجتماعية المحذرة لاستغلال الصناديق الخيرية في العمل السياسي المدعومة بنص قانوني، وهو المادة "18" من قانون الجمعيات الصادر في العام ،1989 فإنه من الملاحظ تحرك بعض الصناديق الخيرية لتقديم خدمات وفق أسس انتخابية وسياسية صرفة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن بعض الصناديق أسست علاقات مع الجمعيات السياسية لتوحيد الجهود استعدادا للانتخابات المقبلة.
تحديات قانونية عدة قد يواجهها الحراك السياسي في النظام السياسي البحريني خلال الشهور المقبلة. وهي تحديات مرتبطة بمسألة سيادة القانون التي تطالب بها القوى السياسية كافة والحكومة أيضا. ولكن طبيعة الحراك المتوقع سيكشف مدى التزام الطرفين بسيادة القانون وتطبيقه بشكل عادل ومتوازن من دون أدنى ازدواجية في المعايير أو الأهداف. وعلى الطرفين أيضا بحث كيفية التغلب على التحديات القانونية بوسائل قانونية أخرى مشروعة
العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ