اليوم اكتمل عقد جولات حرب الانتخابات وبات في لبنان ذاك المجلس النيابي المنتظر من مختلف الجهات الإقليمية والدولية. فالبرلمان الجديد ليس جديدا في آلياته لأن أدوات "الحل والعقد" لاتزال على حالها حتى لو غابت أسماء وحضرت أسماء. فالجديد قديم وما هو مطلوب أو غير مطلوب ينبغي على النواب تقديمه خلال فترة وجيزة.
ما هي إذا المهمات المطلوبة من المجلس الجديد؟ هناك إجراءات تنظيمية "روتينية" يجب معالجتها سريعا تقابلها إجراءات سياسية خطيرة مطلوب التوقف أمامها قبل الدخول في معارجها ومسالكها. فمن الناحية الإدارية مطلوب من النواب انتخاب رئيس للندوة البرلمانية، وهذا يتطلب خطوة من اثنتين: تجديد رئاسة نبيه بري وهو أمر محتمل، أو الاتفاق على رئيس جديد، وهذا احتمال مستبعد. فالرئيس الحالي بري هو المرجح إذا تفاهمت الكتل الرئيسية عليه.
بعد انتخاب/ تجديد رئاسة بري لابد من تكليف رئيس جديد لحكومة جديدة. وهذا بدوره يتطلب اتخاذ خطوة من اثنتين: تمديد رئاسة نجيب ميقاتي أو تكليفه مجددا وهذا أمر محتمل، أو ترشيح سعد رفيق الحريري لرئاسة الوزراء، وهذا احتمال مستبعد في ظل التشنجات السياسية مع رئيس الجمهورية. فإعادة التكليف هو المرجح إلا إذا تفاهمت مختلف الكتل وفرضت الحريري الابن على الرئيس.
بعد الإجراءات التنظيمية وهي ضرورية إداريا لترتيب علاقات الكتل البرلمانية وتفعيل وزارات الدولة ومؤسساتها تبدأ الإجراءات السياسية وهي الأصعب في الاختيارات.
هناك مثلا مسألة رئاسة الجمهورية واحتمال طرح تقصير التمديد أو إلغاء مفعوله أو القبول به كأمر واقع حتى انتهاء فترته في سبتمبر/ أيلول .2007 وكل خطوة في هذا الاتجاه محسوبة سياسيا سواء باتجاه التقصير أو الإلغاء أو ترك فترة التمديد لأنها محكومة بالتوازنات البرلمانية والمساومات والتسويات المرتبطة بامتداد الكتل النيابية واتصالاتها الإقليمية والدولية.
إلى جانب فخ رئاسة الجمهورية، هناك المتفجرات التي يتضمنها القرار الدولي .1559 فالقرار الذي صدر قبل التمديد لاحتواء تفاعلاته ليس بعيدا عن معركة الرئاسة. فهو وضع أصلا بسبب تعديل الدستور والتمديد للرئيس، وبالتالي فإن بنوده غير منفصلة عن الأصول السياسية التي دفعت مجلس الأمن إلى إصداره. وبهذا المعنى هناك ما يشبه الارتباط الضمني بين التمديد للرئاسة "السبب الأول للفعل" وما صدر عن المنظمة الدولية من فقرات تضمنها القرار 1559 "ردود فعل على السبب الأول" وفي طليعتها الوجود العسكري السوري ثم سلاح "الميليشيات اللبنانية" ثم "الميليشيات غير اللبنانية" وصولا إلى التوطين ونشر الجيش وغيرها من نقاط تمس السيادة والاستقلال.
كل القنابل العنقودية التي تضمنتها فقرات القرار الدولي مرتبطة بحلقة مركزية تتصل بتلك الذريعة، وهي: تعديل الدستور والتمديد للرئيس الحالي.
وهذا الارتباط الشرطي "السياسي والقانوني" يعطي ذريعة قوية للتيار النيابي - الشعبي الذي يرفض فكرة تسليم سلاح حزب الله قبل انسحاب الاحتلال وتقديم ضمانات دولية وتعهدات بوقف أو منع "إسرائيل" من تجديد حروبها واجتياحها.
المسألة هنا واضحة في منطقها السياسي - القانوني، وتتلخص بفكرة بسيطة، وهي: القبول بالتمديد مقابل ترك مسألة سلاح حزب الله للحوار الداخلي. وغير ذلك يصبح لبنان عرضة لإثارة المشكلات. إذ لا يعقل في هذا الإطار أن تترك المسألة/ الأصل وهي تعديل الدستور والتمديد للرئيس الحالي ويقفز فوقها إلى البند الثالث "بعد الرئاسة والانسحاب السوري" المتعلق بسحب السلاح من حزب الله.
هناك نقاط قانونية تدعم الموقف السياسي للقوى الرافضة لتسليم سلاح حزب الله وهي في منطقها الداخلي تشكل قوة للتفاوض عليها بين مختلف الكتل النيابية: القبول بالتمديد مقابل رفض سحب السلاح.
المنطق البسيط يشير إلى وجود صلة شرطية بين الفعل "الأصل" وردة الفعل "القرار". ولا يجوز في هذا المعنى أن يطبق القرار ويبقى المسبب في مكانه لا يتغير.
إذا اجتاز البرلمان "الجديد/ القديم" مسألة التمديد مقابل رفض تسليم السلاح تصبح مختلف الأمور الشائكة سهلة المعالجة حتى لو أخذت فترة طويلة مثل تعديل قانون الانتخاب والمحاسبة والإصلاح الإداري ومعالجة مشكلة تراكم الديون
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ