العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ

ماذا بعد "تسونامي" العماد؟

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

خلافا للتوقعات والحسابات والقراءات، قفز العماد عون إلى موقع الصدارة في الحياة السياسية اللبنانية، ليس فقط كاسم بل أيضا كقوة وزعامة فرضت نفسها ويحسب لها حساب. فجأة بات يقف على رأس كتلة نيابية وازنة ومقررة. وهي مرشحة لتتعزز في الجولة الانتخابية الأخيرة، في شمال لبنان، يوم الأحد المقبل. كل ذلك بعد عودته منذ خمسة أسابيع من المنفى. صحيح كان على صلة بالوضع السياسي اللبناني، لكنه كان بعيدا عنه لمدة 15 سنة، مع ذلك جرفت لوائحه دوائر انتخابية بكاملها. تضافرت في ذلك عوامل ذاتية وموضوعية.

فالرجل نجح، على الأقل بالنسبة إلى قواعده العريضة، في ترسيخ صورة بأنه صاحب ثوابت وصدقية وهي خصال ومواصفات شحيحة في صفوف الطبقة السياسية اللبنانية. فهذه الأخيرة مصابة بالترهل وبالقحط في الزعامات، وخصوصا في الساحة المسيحية الجبلية، فجاء الجنرال في اللحظة المناسبة وإلى الموقع المؤاتي. لكن كل ذلك لم يحصنه ضد اللعبة الانتخابية السائدة، فدخلها بقوانينها الطائفية. ومع أن كل انتخابات سابقة كانت محكومة بالتوزيع الطائفي، إلا انه ولا مرة كان الفرز بهذه النقاوة. فالقانون الذي جرت الانتخابات على أساسه مصمم ومفصل على هذا الأساس وللأسباب المعلومة. خطاب هذه الانتخابات كان على درجة غير معهودة من الفئوية المذهبية. وذلك بصرف النظر عن شعارات "المصالحة" و"الإصلاح" و"التحرر من الإقطاع السياسي" وغيرها. لم يطرح أحد من المتنافسين برنامجا انتخابيا متماسكا، يلامس هموم ومصالح اللبنانيين. كانت الحملة شعارات خاطبت غرائزهم ونزعاتهم الضيقة. ينطبق ذلك على الجميع، عون والآخرين سواسية. الأمر الذي أدى إلى أن ترسو الانتخابات على تكريس تطويف لبنان السياسي، لكن هذه المرة بأربعة رؤوس بدلا من ثلاثة كما كان في السابق. صارت الزعامة السنية لآل الحريري، الدرزية لوليد جنبلاط، الشيعية لحزب الله مع حركة أمل - كشريك أصغر -، والعماد عون تربع على عرش الزعامة المسيحية. وربما على حساب البطريرك صفير. والخطر هنا ليس فقط في تعميق الفرز الطائفي بل في توزيعه حصرا في أربع قيادات، كما قال الرئيس سليم الحص. فمن شأن ذلك تكريس مفهوم المحاصصة الطائفية على حساب المؤسسات التي كان من المفترض أن تبدأ مسيرة تعزيزها بعد الانسحاب السوري. كما من شأن ذلك أن يطيح بما راكمته الحياة السياسية من إمكان لنهوض وطني معافى، أو على الأقل إطلاق مثل هذا النهوض الذي لمعت إمكانات حصوله في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري، وتحديدا منذ 14 مارس/ آذار. الانتخابات أدت إلى العكس. أطاحت بهذه الإمكانية وأجهضتها لتعيد الأمور إلى عرينها الطائفي.

في المقابل، وربما هنا تكمن بعض الإيجابيات، كشفت هذه الانتخابات عن أمرين مهمين: الأول وجود توق جامح إلى التمرد وكسر المألوف، ولو ضمن الدائرة الطائفية وتحديدا في الدوائر المسيحية. وهذا ما يفصح عنه "تسونامي" عون. فعلى رغم الحملة الإعلامية النافذة التي شنها خصومه عليه، وعلى رغم تحالفاته الانتخابية المستهجنة مع حلفاء خصمه السوري اللدود التي أثارت الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام، على رغم كل ذلك تدفقت الأصوات على لوائحه بغزارة مدهشة. الأمر الثاني الذي كشفت عنه هو تراجع بل تلاشي نفوذ بيوتات سياسية تقليدية توارثت الزعامة منذ الاستقلال. غابت عن المسرح الانتخابي أسماء عتيقة. بعضها جرفته أقلام الاقتراع. وبعضها الآخر خاف من الهزيمة المحققة فلم يقو حتى على ترشيح نفسه. وبذلك تخلص لبنان - عن قصد أو غير قصد - من شيء من الإقطاع السياسي وميراثه غير المرغوب، وبالتأكيد غير المطلوب. الجانب السلبي أن هذا الخلاص ما جرى لصالح نقيضه بل لمصلحة البديل، أو بالأحرى تعزيز البديل الطائفي.

الآن، السؤال المطروح: ماذا بعد الاجتياح العوني الذي سبقه انكفاء سوري تلته رعاية - وصاية دولية على لبنان؟

المؤكد أمران: الأول أن الساحة السياسية اللبنانية باتت محكومة بموازين جديدة، والثاني أن التطويف حفر عميقا في الوضع اللبناني.

الجنرال العائد الفائز يقول إن الطائفية هي أحد خصومه وأن تياره مفتوح على جميع المناطق والقوى. وهو يطرح شعارات إصلاحية جذرية "!" تتراوح بين محاربة الفساد وبين مطاردة الإقطاع السياسي وإرثه.

لكن هل يقوى على مغادرة ثوبه العسكري؟ وإذا كان فعلا قادرا على ذلك، فهل يقوى على فرض أجندته؟ فهو يدرك أن التغيير حصل تحت غطاء التدويل، وبالذات الأميركي منه. كما يدرك أن لواشنطن بوش أجندة وأولويات أخرى في المنطقة وهي تتعامل مع لبنان على إيقاعات هذه الأولويات. وهنا تكمن قشرة الموز على طريق الوضع اللبناني، الذي بالكاد بدأ يقف على رجليه، ولاسيما أن الصراعات اللبنانية الدائرة الآن مرشحة للتفاقم، وذلك في ضوء حسابات أطرافها المتضاربة، فهي لم تقو على التوافق حتى على تشكيل لوائح انتخابية. ناهيك بالبرامج. عادت إلى مواقعها الأصلية ونزاعاتها الشرسة، فور اكتمال الانسحاب السوري. مشهد الرابع عشر من مارس الماضي سرعان ما تحول إلى ذكرى. وهل هناك أرض خصبة أكثر من ذلك لرهن الوضع اللبناني وتوريطه في صراعات أكبر وأعتى منه ومن قدراته؟

العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً