يثير الخلاف النيابي الشوري بشأن تعديلات القانون المتعلق بوضع الهيئة العامة لصندوق التقاعد وسلطة مجلس الوزراء عليه، جملة أمور تتعلق بإشكالية التشريع، وعلاقة مجلس الشورى بالحكومة، والرقابة على السلطة التنفيذية، ووضع صندوق التقاعد وسلطة مجلس الوزراء عليه، وسنركز هنا فقط على النقطة الأولى.
القصة بدأت حين أضاف مجلس النواب عدة مواد "،47 و50 مكرر" في مشروع القانون رقم "13" لسنة 1975 بشأن تنظيم معاشات التقاعد ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، كما ألغى المادة "53" منه. ورفض مجلس الشورى "وهو الغرفة الأولى في المؤسسة التشريعية" الإضافات التي أدخلتها الغرفة الثانية المنتخبة، بدعوى وجوب أن تقتصر التعديلات التي تجريها المؤسسة التشريعية على المواد التي طلبت الحكومة إجراء التعديلات عليها، وفي حال رغب أي من أعضاء المجلسين في إجراء تعديلات أخرى، يجب عليه أن يتبع الإجراءات الخاصة بذلك، والتي تنظمها المادة "92" من الدستور، وهذا يعني أن ينتظر نحو دورين حتى تتكرم الحكومة بإعادة المقترح في صورة مشروع بقانون.
مجلس الشورى يتمسك برأيه الرافض للتعديلات، مع أنه كان أجرى تعديلات واسعة على مشروع قانون الصحة العامة، وأضاف إليه نحو 30 مادة جديدة، كما أجرى تعديلات على قانوني التعليم والتعليم العالي، مستندا في ذلك إلى أن قانون الصحة العامة جديد كليا، بينما قانون تنظيم معاشات التقاعد ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، قانون قائم. ويعتقد الشورى أنه يمكن للمشرعين أن يجروا تعديلات كما يشاءون على القانون الجديد، فيما يجب أن تحصر أية تعديلات في القانون القائم على المواد التي اقترحت الحكومة تعديلها.
بالمقابل، يستند مجلس النواب إلى المادة "81" من الدستور، وما تنص عليه المذكرة التفسيرية للدستور، واللائحة الداخلية للمجلس، في رأيه المتمسك بحقه في إجراء التعديلات على القوانين المنظورة، دون حصرها في المواد التي طلبت الحكومة النظر فيها.
المادة "81" تنص على أن "يعرض رئيس مجلس الوزراء مشروعات القوانين على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه، وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الشورى الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه أو قبول أية تعديلات كان مجلس النواب أدخلها على المشروع أو رفضها أو قام بتعديلها...". وواضح أن النص يتحدث عن "التعديل"، والتعديل هنا مطلق، فلم يميز النص بين قانون جديد كليا وآخر قيد التطبيق، كما لم يميز بين مواد طلبت الحكومة تعديلها وأخرى لم تطلب.
المذكرة التفسيرية للدستور تبدو أكثر انحيازا إلى حق المشرعين في إجراء أية تعديلات يريدونها، بما في ذلك إدخال إضافات على القانون. وتحت عنوان "المواد من 81 - 85"، جاء في المذكرة ما يأتي: "تضمنت هذه المواد تنظيم إجراءات مناقشة مشروعات القوانين بين كل من مجلس الشورى ومجلس النواب، ونصت على أن مشروع القانون يحال من الحكومة إلى مجلس النواب أولا، فإذا وافق هذا المجلس على المشروع أو عدله أو رفضه أو أضاف إليه أحكاما جديدة أحاله رئيس مجلس النواب إلى رئيس مجلس الشورى...". إذا واضح أن المذكرة تتحدث عن "إضافة أحكام جديدة"، وليس الاكتفاء بنظر المواد التي طلبت الحكومة نظرها.
أما اللائحة الداخلية للمجلس، فتنص في المادة "105" منها على أن "لكل عضو عند نظر مشروع قانون، أن يقترح التعديل بالإضافة أو الحذف أو التجزئة في المواد أو فيما يعرض من تعديلات..."، وهنا النص يبدو حاسما، ويؤكد أن مجلس النواب كان محقا في إدخال التعديلات، خصوصا أن التفسير التي اتبعته الحكومة للمادة "92" من الدستور، يجعل من غير المفيد تقديم مقترحات بقانون لإجراء تعديلات على قانون هو قيد النظر في المؤسسة التشريعية، فذلك قد يعني إما تأخير إجراء التعديلات لحين إرجاع الحكومة المقترح في صورة مشروع قانون، أو إقرار التعديلات المقترحة من الحكومة مبتورة، فتعديل مادة واحدة في القانون قد يحتاج إلى تعديل مواد أخرى، كي تتسق المواد مع بعضها. وبالتأكيد لو لم تضع المادة "92" شرطا بأن يحال القانون إلى الحكومة لتعيد صوغه وترجعه في الدور نفسه أو الدور الذي يليه، لما استدعى الأمر هذا الخلاف بين المجلسين، فحينها يمكن للمشرعين تقديم مشروع بقانون، لينظر مباشرة، دون إحالته للسلطة التنفيذية.
مهما كانت النصوص محبوكة، فإنها لا يمكن أن تسد كل الفراغات... والحكومة بالمناسبة لديها رأيان، كما يتضح من تقرير دائرة الشئون القانونية، التي انقسمت على نفسها بين مؤيد لموقف الشورى، ومؤيد لموقف النواب
العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ