العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ

المصالحة اللبنانية ممنوعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم تقفل صناديق معركة لبنان الشمالي لتنتهي بها حرب الانتخابات. وبعيدا عن النتائج رسمت تداعيات الجولات الأربع خطوط تماس طائفية قابلة للانفجار في حال أعطي الضوء الأخضر الإقليمي والدولي لها. فالانتخابات لم تنتج "وحدة لبنانية" مطلوبة لإعادة بناء الدولة بل أفرزت مجموعة مراكز قوى متجاذبة يصعب توحيدها على مواقف مشتركة. فالانتخابات أنتجت استقطابات طائفية متموضعة في مناطق محددة وصاغت مجموعة خطابات سياسية تميل إلى التطرف مسقطة تلك الألوان المعتدلة التي ظهرت مؤقتا على سطح الأمواج الشعبية التي نزلت إلى مساحات بيروت بين 14 فبراير/ شباط و14 مارس/ آذار.

هذا الشهر الذي أطلق عليه "ربيع لبنان" تبخر تحت وقع ضربات السياسيين وتلاشى بعد عودة الجنرال من باريس. فالجنرال عسكري ورأسه حامية ولا يقبل أنصاف الحلول "إما معي أو ضدي". ومثل هذه التقسيمات الأيديولوجية في بلد طائفي المزاج تكسب أصوات فئة واحدة وتخسر أصوات الفئات الأخرى. وهذا كما يبدو من الصعب على عقلية عسكريتارية أن تستوعبه أو تتفهمه إلا بعد فوات الأوان.

أوان إعادة تجديد الثقة بالمصالحات اللبنانية لم يفت بعد، ولكن هناك تهديدات جدية لها وموانع كثيرة تحد من إمكانات حصولها وصولا إلى ما كان عليه وضع البلاد في 14 مارس. فالأواني الفخارية تكسرت في الكثير من المربعات وأبعدت الرموز المسيحية التي طرحت على اللبنانيين صيغة تعايش تحترم كل الأطراف من دون تمييز. فالتطرف نجح في معظم المربعات اللبنانية وأطاح بالكثير من الإشارات الإيجابية التي صدرت عن جهات متنوعة الأيديولوجيات ومتعددة في مصادرها الطائفية ومنابتها الاجتماعية.

مشكلة لبنان "الدولة والهوية الجامعة" كانت دائما في التطرف. فالتطرف يقسم ولا يجمع، ولكنه وهذه هي روح المشكلة، يوحد الطائفة على حساب وحدة البلاد. ولهذا السبب كان للتطرف أنصاره "جماهيره"، لأنه يضمن على الأقل وحدة الطائفة، بينما الاعتدال يضمن وحدة لبنان ويضعف الطائفة ويبعثر تماسكها المطلوب لمواجهة الآخر "الطائفي أيضا".

هذه المشكلة اللبنانية مزمنة سياسيا ولم تقو كل المحاولات لمحاصرتها أو احتواء تلك الالتواءات التي تصدر من هنا وهناك. وبسبب قوة تلك الالتواءات الطائفية نجح دائما خطاب التطرف الشعبوي "التحشيدي" في كسر تلك الأواني الفخارية "الجميلة" عند كل منعطف سياسي. وما حصل في لبنان بعد عودة الجنرال الأهوج يؤكد قوة تلك الالتواءات الطائفية. فالعائد تحدث بلغة تخوين المسيحيين واتهم رموز "قرنة شهوان" بقلة مسيحيتهم وتبعيتهم للشارع المسلم وأموال "البترودولار". فمثل هذه اللهجة التحريضية تكسب المتطرف الكثير من الأصوات لمحاصرة "الخونة" وعزلهم في شارعهم بذريعة أنهم باعوا المسيح بحفنة من الدولارات، ولكنها في المقابل توتر الطوائف الأخرى وتدفعها إلى التكتل والاستنفار في مواجهة جنرال يريد استئناف ما انقطع من جولات عسكرية في العام .1990

هذا النوع من الكلام التحريضي مشكلة كل الطوائف أيضا لأنه الوحيد الذي يحشد الأصوات ويرفع نسبتها في صناديق الاقتراع. ولذلك تلجأ إليه مختلف الطوائف حين تشتد المنافسة السياسية على المواقع والمقاعد.

الجنرال عاد إلى لبنان حاملا معه تلك العقلية التحريضية التي تمسك بها لحظة مغادرته البلاد، فأعاد تأسيس ما انقطع لاغيا ذاك الخطاب المعتدل الذي ازدهر وانتعش خلال فترة غيابه. ولهذا السبب قرأ مواقف نواب "قرنة شهوان" قراءة سيئة ووجد فيها ليونة و"قلة مسيحية" و"خيانة" للشارع و"مصالحة" لا معنى لها. فأثار ضد "القرنة" كل تلك المكبوتات ونقلها من الشارع إلى صناديق الاقتراع.

هناك مشكلة إذا. والمشكلة لا تقتصر على تيار عون بل هي موزعة على مختلف الزعامات السياسية اللبنانية التي تخاطب الناس انطلاقا من خطابين: الأول تحريضي داخلي موجه للطائفة نفسها. والثاني تصالحي خارجي موجه للطوائف الأخرى. وبسبب هذه الازدواجية في الخطابين تأسست تلك الالتواءات الطائفية في العلاقات المشتركة، الأمر الذي أسهم في إضعاف الفكرة اللبنانية ووزع الولاءات على مواقع ومراكز قوى لا مصلحة لها في نمو الدولة والهوية الجامعة. فالمصالحة كما يبدو ممنوعة.

اليوم تنتهي حرب الانتخابات في شمال لبنان إلا أن الحرب الأهلية السياسية تأسست من جديد على قواعد التنافر والتجاذب. ومثل هذه الحرب الباردة ليس من الصعب تحويلها إلى ساخنة في حال تلقت تلك الإشارات الخضراء من الخارج

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً