يحتفل العالم في الخامس من يونيو/ حزيران بيوم البيئة العالمي كل عام، وتهدف الأمم المتحدة إلى تحويل هذا اليوم إلى مناسبة شعبية تتخللها الأنشطة النابضة بالحياة مثل المسيرات في الشوارع، وسباقات الدراجات، والحفلات الموسيقية ومسابقات كتابة المقالات وتصميم الملصقات في المدارس، وغرس الأشجار، فضلا عن حملات التنظيف وإعادة تدوير المواد.
العام الماضي تم الاحتفال بالمناسبة تحت شعار استفزازي: "البحار والمحيطات... مطلوبة حية أو ميتة؟"، ولن يختلف اثنان في العالم على تقديم الإجابة نفسها، إذ يطالبنا واضعو الشعار بأن نختار الطريقة التي نتعامل بها مع البحار التي تجاورنا ونجاورها.
موضوع هذا العام "مدن خضراء" وجرى الاحتفال تحت شعار: "لنخطط لمستقبل الأرض"، وذلك في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية، وحضره رؤساء بلديات مدن من 60 دولة، من بينهم بكين ولندن وطهران واسطنبول ودكا وكابول... إضافة إلى رئيس بلدية بالبرازيل، وصفت مدينته بأنها "أنظف مدينة في العالم".
برنامج الأمم المتحدة كان يهدف أيضا إلى منح القضايا البيئية طابعا إنسانيا من خلال تمكين الناس من لعب دور نشط في تحقيق التنمية المستدامة والمنصفة؛ والترويج لدور المجتمعات المحلية في تغيير المواقف العامة تجاه القضايا البيئية.
في هذه الفترة، لو أجرينا جردا موجزا ليوم البيئة "البحريني" سنتوقف عند ثلاث محطات وسنقفز على المحطة الرابعة خجلا:
المحطة الأولى: مقال أنيق لرئيسة اللجنة الأهلية للبيئة ورئيسة مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة خولة المهندي، تناولت فيه قضايا البيئة عالميا ومحليا، وسلطت الضوء على "نكبات البيئة البحرينية وما أكثرها" على حد تعبيرها، من خليج توبلي إلى مأساة ردم السواحل المستملكة للأفراد، واختفاء الكائنات الحية والصيد الجائر والثروة البحرية المهددة شمال وشرق البحرين. وفي خاتمة المقال بعثت المهندي رسالة مفتوحة للتوقف عن التدمير الممنهج لبيئتنا: "لنخطط لمستقبل البحرين التي هي جزء من الأرض".
المحطة الثانية: الهبة الجماهيرية لإنقاذ ساحل المالكية وإعادته إلى أحضان الوطن الأم. مع الاعتراف بأنه مهما حصل من استرداد الحق العام إلا ان ما ألحقه الجدار العازل والدفان الممتد 600 متر في البحر، بالبيئة البحرية من دمار، من الصعب تعويضه، وربما تمر سنوات طويلة حتى يتشافى هذا الساحل المنكوب. مع ذلك يبقى لهذه الحركة الاحتجاجية الشعبية الواعية التحضرة أثرها في تصحيح الميزان المختل لغير صالح البيئة.
المحطة الثالثة: ما جرى عصر الخميس الماضي على كورنيش الملك فيصل، من احتفال "جمعية المرسم الحسيني للفنون" بتدشين مجسم الكرة الأرضية، بعد عمل صامت استمر عدة أسابيع، شارك في إقامته عدد من الفنانين باستخدام مواد أولية من رقاقات وأجزاء أجهزة الكمبيوتر وعلب الصفيح المستهلكة، لتجسيد القارات الخمس على مجسم الكرة الأرضية. وهي فكرة تعتمد تدوير المواد المستخدمة من أجل الحفاظ على البيئة وتقليل الانهاك والدمار الذي لحق بهذا الكوكب المستنزف.
الجميل أن المرسم أقام معرضا صغيرا للوحات الكاريكاتير، التي تناولت هموم الوطن البيئية، من خليج توبلي إلى تلوث المعامير وردم السواحل والاستيلاء عليها كأملاك خاصة يتم توريثها للأبناء والأحفاد!
رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر شخص عوامل التدمير بجشع الأفراد ومصالح الدول والشركات الصناعية وقلة الوعي البيئي لدى كثير من الشعوب.
بالنسبة إلى النقطة الأخيرة تحديدا، نشهد أن في بحرين اليوم، هناك حماة للبيئة يعملون على تعميرها، وهناك وعي مجتمعي تتسع مساحته، وفي المقابل، هناك أيد تعمل على تدمير ما تبقى من مساحات خضراء، وخلجان جميلة، وبحار صغيرة، أصبحت تتعرض إلى غزو الوحوش "الرأسمالية" الضارية. وهنا نصل إلى المحطة الرابعة التي أردنا أن نقفز عليها خجلا، ولكن... من منكم نسي "المعامير"، القرية المحاصرة بالغازات "غير السامة"، وقناديل البحر التي اتهمها مسئول كبير في الشركة الصناعية بالتهام سيقان رواد البحر، "بحسب الرواية الرسمية" فتسبب لهم الطفح الجلدي، ولأطفالهم الرضع الحساسية، ولنسائهم الحوامل الإجهاض!
في البحرين، عندما نجرد الحساب، سنرى المجتمع المدني يتحرك، كل بإمكاناته، لحماية بيئته، والتعبير عن رفضه لهذه الانتهاكات الصارخة والتعديات الفاضحة على البيت الذي لا نملك غيره: "البحرين... الوطن... الملاذ الأول والأخير". في المقابل، هناك معسكر الوحوش الضارية: من "هوامير البحر المتوحشة"... إلى الرساميل الجشعة التي تبتلع في طريقها كل شيء، ولا يشبعها شيد، ولا يملأ عيونها إلا التراب.
ونحن نراهن على المستقبل، لتغيير هذه المعادلة، على أمل أن يأتي يوم تعود فيه السواحل المستملكة فرديا إلي أحضان الوطن الأم الذي لا نملك أما ولا أبا غيره
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ