العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ

خديعة الأستذة والديمقراطية وتمدين الدول... " NDI نموذجا"

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"هل تحول الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الى مؤسسة خيرية عالمية حتى ينفق في البحرين فقط من خلال معهده الـ NDI وعلى مدى 3 سنوات أكثر من 900 ألف دولار أميركي!" لا تمتلك الولايات المتحدة صورة موحدة ونموذجية للديمقراطية تسعى لترويجها، ولا تعمل مؤسساتها الداعمة للديمقراطية وفق أولوية ثابتة ومحددة. إن الأولويات في الأجندة السياسية الأميركية محكومة بمدى توافق التجربة السياسية والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الاميركية، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي. أيا كان النظام السياسي في أية دولة ما من الدول النامية، فإنه إذا كان نظاما يوفر حالا من الاستقرار السياسي فإن الولايات المتحدة تقدم له جميع أشكال الدعم والحماية السياسية والاقتصادية، حتى وإن كان في حقيقته بعيدا عن مصالحها، ليس سوى صورة بشعة من الدكتاتورية.

لقد بالغنا جميعا في الاعتقاد بان الولايات المتحدة الأميركية تحس بالذنب والخطيئة من دول الشرق الأوسط، إذ دعمت أنماطا سياسية دكتاتورية فكانت حوادث سبتمبر/ ايلول التي جعلت الخطاب السياسي الأميركي يقر بخطأ خياراته السابقة، وعلى رغم أن الكثير من التصريحات السياسية الأميركية كانت تؤكد هذه المضامين، فإن الملاحظ أن الحكومة الأميركية خصوصا بعد حرب تحرير العراق اتجهت نحو التخفيف من حدة خطابها السياسي الإصلاحي، لعل الولايات المتحدة كانت منكبة في مأزق "الانتقام" أو "الثأر" لكنها اليوم بدأت تدرك أن لا ثأر أو انتقام في النظام العالمي الجديد الذي هي من شيده ووضع شروطه.

NDI نموذجا

تلك النشاطات التي يقوم بها المعهد الديمقراطي للعلاقات الدولية NDI، لا يمكن لنا اعتبارها نشاطات داعمة لانتشار الديمقراطية والحرية في جميع البلدان النامية، هكذا بهذه البساطة أو السذاجة إن صح التعبير. يمتلك هذا المعهد بمعية المعهد المقابل في الحزب الجمهوري الكثير من المراكز الدولية في شتى قارات العالم، وليس من الفطنة أن نرى هذه المؤسسات السياسية وهي تفتتح مقرات لها في جميع دول العام بما فيها فرنسا، ومن ثم نعتقد أنها ستعلم الفرنسيين مثلا العمل المؤسسي والديمقراطي، وتأخذ بيد الفرنسيين للديمقراطية التي لم يعرفوها بعد!

تاريخيا، كان للولايات المتحدة الأميركية مؤسسات إعلامية موجهة للخارج "صوت أميركا"، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية في توجيه مقصود - ونجحت في إعلامها الخارجي آنذاك - نحو دول الكتلة الشرقية، وكانت الشخصية المسئولة عن هذه المؤسسات الإعلامية تتناول فطورها اليومي مع الرئيس الأميركي مباشرة "الإعلامي الدولي، راسم الجمال". وهي اليوم من خلال المعهد الوطني الديمقراطي - حديث التأسيس نسبيا - وباقي المؤسسات المماثلة تسعى إلى لعب الدور نفسه، لكن عبر تقنية الأستذة، وعبر ارتداء ثوب المعلم الكبير للديمقراطية والحرية، وغالبا ما تلتف هذه المؤسسات حول التجارب الديمقراطية الناشئة ذات العلاقات الجيدة نسبيا بالحكومة الأميركية في سبيل تحقيق أهداف سريعة ومميزة وفعالة.

الـ NDI ومنذ كان تحت مظلة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر حتى وزيرة الخارجية السابقة مادلين البرايت اليوم، وهو يلعب صورة المعهد الداعم ماديا ومعنويا لتوجهات الحزب الديمقراطي بما يخدم الأهداف الاستراتيجية للحكومة الأميركية على الأقل من وجه نظر الحزب، وهو وإن كان يطلق عبارة "ليس للمعهد أهداف ربحية" فإنه في الحقيقة يحقق تلك الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية للحكومة الأميركية في المناطق ذات الحساسية الشديدة بالنسبة إليها.

المهمة الصعبة

تعترف أدبيات المعهد الديمقراطي للشئون الدولية بأن عملية تطوير الحكم الديمقراطي عملية حرجة ومعقدة، يسعى المعهد الى الترويج للمؤسساتية في أسلوب متسق مع القيم الديمقراطية للشفافية والتمثيل والتعددية والمسئولية. عبر عمليات تحسين المؤسسات وبرامج الحكم والقيادة ودعم دور المرأة.

هذه البرامج محكومة في الغالب بالتوصيف الاستراتيجي للمصلحة الأميركية، وعليه فإن المعهد يتناغم مع الخطاب السياسي الأميركي، وعلى المجتمعات العربية أن تعي أن المعهد لن يقدم لهم خدمات "مجانية" بعيدة عن مقتضيات الخطاب السياسي الاميركي، فإذا كان الخطاب الأميركي يتبنى أية تجربة سياسية بإيجابية واضحة ومعلنة، فإن المعهد وباقي المعاهد الداعمة للديمقراطية ستقوم بدور تكميلي وتطويري للتجارب من دون إحداث أية تغييرات جوهرية تمس النظام السياسي الفاعل، برامج المعهد هي أشبه بعمليات الصيانة لما بعد البيع، ولكنها لن تستبدل سلعتها بسلعة أخرى حتى في حال تلف السلعة، فقط ستأتي لك بالسلعة ذاتها في حلة جديدة.

تهتم أدبيات المعهد بأربع ركائز رئيسية:

أولا: الإصلاح الدستوري. وليست للمعهد أسبقية في هذا السياق فالولايات المتحدة هي رائدة الدسترة العالمية، وهي صاحبة أول دستور، كما أن الخبراء الأميركيين شاركوا في الكثير من صياغات الدساتير العالمية، خصوصا في دول اميركا الجنوبية وبعض دول القارة الإفريقية ودول أوروبا الشرقية.

ثانيا: التطوير التشريعي، وهي فلسفة "تجميل الوحش"، إذ تسعى برامج NDI في هذه المنطقة الى تقوية النظم التشريعية والبرلمانية. عبر شبكة من المدربين التشريعيين والبرلمانيين، ومن هنا نلاحظ تلك الدورات التدريبية للبرلمانيين في الكثير من دول الخليج العربية، كيف أنها تستقطب جميع التيارات والجماعات السياسية من دون استثناء، ما نجح فيه المعهد بجدارة هو انه يستطيع فرض نفسه في أية خريطة سياسية مهما بلغت تعقيداتها، وهذا يعود إلى التدريب المتطور الذي يقوم بإنتاج كوادر فنية عالية، قادرة على التوغل بحرفية تدعمها حفلات الخمس نجوم وتذاكر السفر الجاهزة.

لا تتدخل هذه البرمجة التطويرية في حل المشكلات الجوهرية للإشكالات السياسية والتشريعية، بقدر ما هي محاولة لإعطائها صفة التجربة الناضجة والمنظمة. وهي بالتالي عمليات تجميلية لا تمس أس الحراكات السياسية بل تهتم ببرمجيات الحكم السياسي ومظهره الخارجي.

ثالثا: الحكومة المحلية، او الحكومة المدنية. ورابعا وأخيرا تأتي زاوية "السلامة العامة". وهي زوايا تنموية تهتم بإطارات الشفافية ومحاربة الفساد. إلا أنها تحاول الخروج عن المفهوم القيمي، إذ تبتعد أدبيات المعهد عن الترويج للقيم خالصة، ذلك أنها لا تريد أن تدخل في صورة معارضة مباشرة لنظم الحكم والإدارة المحلية، بقدر ما هي تتذرع بمصطلحات الشفافية واللامركزية في سبيل تحقيق أولوياتها الرئيسية.

تحاول برامج المعهد ان تؤكد المهمة التاريخية التي تقوم بها وهي أن "محامي الديمقراطية يفتقرون إلى التجربة بالممارسات الديمقراطية ويواجهون مؤسسات ديمقراطية ضعيفة أو غير موجودة. فهم يأتون إلى NDI للمساعدة في بناء تراكيبهم الديمقراطية - راجع موقع المعهد الإلكتروني". إلا أن المعهد ينوه في أكثر من نص من مجمل نصوصه السياسية الى أنه يعمل تحت آلية سلمية "يعمل NDI مع محامي الديمقراطية الذين يكافحون بشجاعة للترويج إلى تغيير سياسي سلمي- الموقع نفسه"، وهذا ما يحيلنا إلى التأكيد أن المعهد لا يحمل أجندة ترويجية حقيقية للديمقراطية، إلا إذا ما حملت الإدارة الاميركية شعار التغيير عسكريا او سلميا، وهنا يأتي الوجه الآخر للمعهد في تناغمه مع الحل العسكري، كفرع المعهد المهتم بالمسألة العراقية NDI "العراق".

لسنا بصدد التقليل أو الطعن في مدى أهمية برامج المعهد، إلا انه لا يجوز لنا - على ما اعتقد - ان نجعل منه برضانا - رائدا سياسيا - في منطقة الخليج العربي، فأجندته الحالية هي أجندة الخطاب السياسي الاميركي ذاتها، وحينما تتغير أولويات السياسة الاميركية في الخليج، فلكل حادث حديث

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً