العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ

الخزنوي... اختطافه وظروف قتله وموقف القوى السياسية الكردية

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

الشيخ محمد معشوق الخزنوي هو ابن الشيخ عزالدين الخزنوي "الذي فضل - أقصد - الشيخ عزالدين أن يكون ابنه محمد مرشد الخزنوي رئيس الطريقة النقشبندية الواسعة الانتشار من بعده وهو ما سبب الخلافات بين الاخوين محمد معشوق ومحمد مرشد"، ووصف محمد مرشد "صاحب الطريقة" هذه الخلافات بأنها تدور حول النهج الديني وليس لها اي سبب آخر، في بيان له نشره أكثر من موقع انترنت كردي، مطالبا فيه ببراءته من مقتل أخيه. وهذا البيان يأتي بمثابة رد على اعترافات المتهمين الذين اعتقلت غالبيتهم السلطات السورية، كونهم أوحوا بشكل من الاشكال بأن العائلة لها يد في مقتل الشيخ، وذلك من خلال ربط عملية الاختطاف والقتل بشخص اسمه عبدالعزيز، وهو سائق الشيخ محمد مرشد الخزنوي، وهو قتل ايضا في ظروف غامضة قبل يوم من نشر خبر مقتل الشيخ معشوق الخزنوي.

حدث هذا في الوقت الذي لايزال يعالج الشيخ محمد مرشد نفسه في احد المشافي في ألمانيا ولم يحضر العزاء، وهو ما برره أخوه بأنه كان مريضا ولم يسمح له الاطباء بالقيام بأي جهد.

ولد الشيخ محمد معشوق "47" عاما في قرية "تل معروف" التابعة لمدينة القامشلي، سورية، في 25 يناير/ كانون الثاني ،1957 وكان يدير مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية الذي أسسه في مدينة القامشلي كمجمع "لنشاطاته الدعوية والإصلاحية والعلمية والاجتماعية والصحية والوطنية". وهو خطيب الجمعة في مجمع البر الإسلامي بالمدينة ذاتها، وعضو مجلس أمناء مركز الدراسات الإسلامية بدمشق، وعضو مجلس أمناء مؤسسة القدس في بيروت. كما أنه عضو في اللجنة السورية للعمل الإسلامي المسيحي المشترك، إضافة الى ذلك هو عضو مؤسس لرابطة الكتاب التجديديين.

الخزنوي أخرجت جثته من المقبرة في دير الزور بعد أن قتل خنقا في حلب، بحسب اعترافات المتهمين. وبث التلفزيون السوري اعترافات في شريط مسجل مسبقا على الشاشتين الفضائية والارضية، ورفضت الاحزاب الكردية تصديقها واعتبرتها مركبة ومفبركة.

الشيخ معشوق من عائلة صوفية كردية، تعرف بالعائلة الخزنوية، نسبة إلى جدهم الشيخ أحمد الخزنوي الذي توفي في خمسينات القرن الماضي، إذ كان فقيها وداعية اسلاميا، وأوصى بألا يبنى على قبره. وكان يمارس دعوته الدينية انطلاقا من قريته "خزنة" التابعة لقامشلي، وغالبية سكانها أكراد، ونسب إليها فيما بعد. وأعطت هذه العائلة لنفسها هالة المرجعية في أوساط مريديها، وهي اليوم من أهم المرجعيات الدينية في تركية وسورية والعراق ولبنان، وخصوصا في كردستان.

مستوى الشيخ العلمي

يقال إن للعائلة امتدادا لدى الاكراد المهاجرين إلى أوروبا، لكن ما هو مستوى الشيخ العلمي والمعرفي؟

درس محمد معشوق الخزنوي الذي اختطف في دمشق صباح العاشر من مايو/ ايار، وهو يغادر مكتبه تلبية لاتصال هاتفي من مصدر غير معروف، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية في المعهد الذي أسسه جده في قرية "تل معروف" "700كم شمال شرقي دمشق" إلى جانب دراسته النظامية في المدارس الحكومية. وحصل على الاعدادية في العام ،1974 وعلى الثانوية العامة، القسم الأدبي في العام ،1977 ليتابع فيما بعد دراسته في معهد إسعاف طلاب العلوم الشرعية "معهد الامينية" في منطقة "باب الجابية" في دمشق، وحصل على شهادة المعهد في العام ،1978 وسرعان ما رشحته إدارة المعهد لاستكمال دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إذ حصل منها على درجة الاجازة في الشريعة الإسلامية، وذلك في العام .1984

واستثمر علومه ومعرفته في مجال الدعوة مثل التدريس والخطابة في الجوامع والمعاهد الدينية في أكثر من منطقة في سورية، الى حين اختطافه.

كل هذه المشاغل لم تقطعه عن متابعة الدرسات العليا فحصل على الماجستير في الدراسات الإسلامية في العام ،2001 وعلى الدكتوراه ايضا في الدرسات الاسلامية. له كتابان "الأمن المعيشي في الإسلام" و"التقليد وأثره في الفتن المذهبية"، وهما اطروحتان جامعيتان، اضافة الى الكم الهائل من المناظرات والمحاضرات والحوارات، وأهمها "العولمة والانسان".

كان الخزنوي شغوفا بالدراسات الإسلامية، وخصوصا بقضايا العقيدة وتصفيتها من الشوائب وكيفية إحياء سنة الرسول الكريم "ص"، في العقيدة والعبادة والسلوك وترسيخ مفهوم أن الدين قد أكمله الله وأتمه بالنبي الخاتم سيدنا محمد "ص".

ويعرف احد المواقع الالكترونية الكردية الشيخ بأنه "يعمل بجد ونشاط في مجال التجديد ودراساته مع بعض الاخوة في الله وهو لا يفهم التجديد إنشاء وإحداث وتشريع الجديد للأمة بمقدار ما يفهمه إعادة القديم إلى جدته والحالة التي كان عليها قديما بعيدا عما ألصقه الناس به اللهم إلا فيما يستجد في حياة الأمة من أمور لم يشرع الشارع لها أحكاما تفصيلية فحينئذ يحدث للأمة ما تحتاج إليه من أحكام استنباطا من كتاب الله وسنة رسوله. والشيخ ليس له موقف مسبق من أي مصطلح تستعمله الأمة أو بعض أفرادها حتى ينظر فيما يعنون به ويقصدون، وعلى هذا الأساس يحدد موقفه من الصوفية وغيرهم. فإن كان التصوف سلوكا وأخلاقا وتربية مضبوطا بضوابط الشرع فمرحبا بهذا التصوف وإن كان التصوف غير ذلك فالشيخ يبرأ إلى الله ويتبرأ منها ومن أتباعها مع عدم يأسه من رحمة الله في هدايته إياهم، ولذلك يبقي على قنوات الحوار مفتوحة معهم كما مع غيرهم من أتباع الطوائف والمذاهب التي تنتسب إلى الإسلام بل مع أبناء الديانات الأخرى التي تعيش معنا على أرض هذا الوطن حفاظا على اللحمة الوطنية وقمعا للفتن".

ويلخص هذا الموقع منهجية الخزنوي في العقيدة بنهج منهج السلف الصالح في كليات العقيدة وجزئياتها، وفق ما فهمه الصحابة وتابعوهم بإحسان وكما دون ذلك أئمة الهدى في القرون المفضلة الأولى بعيدا عن كل ما خاض فيه المتكلمون مؤخرا. ورائده في ذلك ما حفظه عن أشياخه في صباه، وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.

وإذا كان الاختيار في حق الجماعة والأمة على سبيل الفتوى، فإن الخزنوي كان يرى أن على المفتي أن "يختار أيسر الأقوال وأقربها إلى تحقيق مصالح الأمة فما خير رسول الله "ص" بين أمرين إلا اختار أيسرهما" وهو لهذا الأساس رأى "ضرورة التجديد في الفتوى لأن مصالح الأمة تتبدل بتبدل الأحوال والأزمان".

أما في التربية والتزكية والسلوك فيعرف الخزنوي باجتهاداته، فكان يرى "ضرورة ذلك كله على اختلاف أسمائها بما في ذلك تلك الأسماء المستحدثة كالتصوف أو غيره. فالمهم هو حقيقة المسمى دون اسمه".

وكان الخزنوي - بحسب الموقع المذكور - "يصر على منع أي استغلال لأسماء واردة في الكتاب والسنة من أجل تجييرها لغايات في أنفس القوم".

ويرى الخزنوي أن الشارع الحكيم الذي حث على الغاية رسم الطريق أو على الأقل حدد المعالم وضبط الحركة وبين الخطوط الحمراء فما جعل الله شفاء الأمة فيما حرم عليهم، فضلا عن عبادة الأشخاص وتقديسهم واستعباد الأحياء واستغلالهم بعد تخديرهم حتى صار الكثير من أعدائنا يتهمون ديننا بأنه أفيون الشعوب من خلال سلوك وتعليمات هذه الطرق الصوفية التي هي فعلا أفيون للمريدين وغسيل لأدمغة الأتباع حتى يسهل على قادة هذه الطرق سوق الأتباع سوق النعاج.

الخزنوي والسياسة

لكن ماذا عن السياسة والكرد لدى الخزنوي؟ يمكن القول ان عمره السياسي الكردي وهمومه سنة فقط، أي منذ حوادث القامشلي، لكنه لم ينقطع يوما عن علاقاته مع السلطة، فالخط كان قائما، وكان يتحدث بشكل علني وحتى في حواراته التلفزيونية، أما كيف كان يتعاطى بالسياسة في الشأن الكردي، فمن خلال حواراته التلفزيونية خصوصا مع قناة "كردستان تي في" ومع قناة "روج تي في"، وكذلك من خلال علاقاته مع عدد من السفراء حينما كانوا يترددون على القامشلي لمعرفة احوال الأكراد، إذ كانوا يقصدونه في منزله ومكتبه، "محل لقاءات القوى السياسية في الفترة الاخيرة".

كان الخزنوي متفهما للمرحلة وعرف كيف يبلور افكاره، ولذلك كان حريصا على العلاقة العربية الكردية، وهذا ما كان يؤمل من قبل الأكراد ليكون جسرا بينهم وبين العرب من جهة ومن جهة أخرى بينهم وبين السلطة. وهو لم ينحز إلى أي طرف أو حزب سياسي كردي. وكان يتعاطف مع أكراد العراق وتركيا، على رغم علاقته القوية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي التقاه في دمشق في زيارته الاخيرة. ظروف قتله مازالت غامضة، فبحسب ادعاءات واعترافات المتهمين الثلاثة، للوهلة الأولى كانت أصابع الاتهام تشير نحو اخيه الكبير صاحب الطريقة الشيخ محمد المرشد الخزنوي، ومن جهة أخرى تشير إلى جهات عراقية. ويدعم اصحاب هذا الرأي حجتهم بانه مادام قتل في حلب لماذا دفن في دير الزور؟ وهذا يعني ان دفنه في دير الزور معناه ان اصحاب الجريمة كانوا يريدون ان تلتبس القضية وتربط بجهات عراقية خصوصا المسلحين منهم، لان المغدور كانت له مواقف لا تنسجم مع ما يقوم به المسلحون في العراق، خصوصا انه لم ير قط بأن ما يجري في العراق هو مقاومة.

إضافة الى ذلك كان الخزنوي ضد تسييس الدين وتأسيس الأحزاب الدينية وربما هذا احتمال ضعيف. عضو مجلس الشعب السوري محمد حبش وصف مقتله بانه شهيد افكاره ومعتقداته. اما القوى الكردية حملت المسئولية القانونية والسياسية لقتله واختطافه للسلطات السورية، وهي بذلك تشاطر المعارضة السورية بما فيها جماعة "الاخوان المسلمين" اذ تعلل هذه القوى بانه لا يمكن ان يحدث شيء في سورية من دون معرفة السلطات، وفي هذه الحال اما أن تكون متورطة في قتله أو متواطئة، وفي كلتا الحالتين تكون للسلطة علاقة بما حصل. مع ان بعض القراءات تقول ليس من مصلحة السلطة قتل مثل هذا الشخص كونه يخدم النظام ووجوده أكثر فائدة من غيابه، كونه إسلاميا منفتحا على جميع التلوينات، وهو ضد التكفير وضد القوى الظلامية، إضافة إلى قربه من عضو مجلس الشعب محمد حبش "المحسوب على السلطة".

وهناك رأي يقول ان اللقاء الذي حصل بينه وبين صدرالدين البيانوني المرشد العام للاخوان، كان سببا في قتله لأن الجماعة مازالت خطا أحمر لدى السوريين.

اما الرأي الثالث فيقول ان من قام بقتل الخزنوي كان يريد ايصال رسالة إلى الأكراد فحواها خلق شرخ في الوسط الكردي الذي كان متحدا على الاقل في اتجاه المطالبة بالحقوق، وهو ما حدث فعلا إذ انشغلوا بينهم عن كيفية اصلاح ما خرب في المظاهرة الأخيرة التي اصر ثلاثة اطراف قيادتها من دون حساب العواقب وما ستنعكس هذه المظاهرة سلبا على الحركة الكردية وعلى الشعب الكردي وخصوصا ان هناك جهات اشتغلت لتكون الصراع بين بعض العشائر العربية الموجودة في المناطق الكردية والكرد وهناك مصادر الكردية الحزبية تقول ان الكرد خسروا في هذه المعركة إذ جرح نحو "19" شخصا نتيجة الصدام الذي حصل بين المتظاهرين المطالبين بكشف حقيقة مقتل الخزنوي وقوات حفظ النظام. كما اعتقل عشرات الأكراد ونهب نحو 45 محلا للكرد، غالبيتها محلات للأجهزة الخليوية من قبل ابناء القبائل العربية، وهو الأمر الذي خلق امتعاضا شديدا في الأوساط الشعبية والسياسية في منطقة الجزيرة. لكن والحقيقة تقال ان اصحاب المظاهرة ارادوا ان يوظفوا الوضع واستثماره لصالح احزابهم، وليس لأجل كشف الحقيقة لان كل طرف له وضع وظروف خاصة، وهو مجبر على القيام بشيء ليحافظ على وضعه الجماهيري.

اذا ظروف قتل الشيخ الخزنوي اصبحت مزادا لبعض الاتجاهات الكردية التي تفكر بمنطق اليسار الطفولي. بقي ان تداعيات مقتله تنعكس سلبا على الأكراد الذين لا يعرفون حتى الآن موطئ أقدامهم، وأمامهم استحقاقات مهمة خصوصا بعد مرحلة انعقاد مؤتمر حزب البعث. مقتل الشيخ الخزنوي بقدر ما استفاد الأكراد منه إعلاميا بقدر ما خسروا، فهم الآن في حال شبه مهاترات وحروب كلامية وتخوين. الى جانب كل ذلك هناك حلقة مفقودة في مسلسل اعترافات المتهمين، وهناك امور مبهمة وغير واضحة في اكثر من جانب، والسؤال: هل بوسع الأكراد ان يصلوا الى الحقيقة من دون مساعدة كل الاطراف؟ وهل هذا ما كانوا يريدونه من السلطة؟

المنطق يقول: المطلوب من الأحزاب توحيد صفوفها ومواقفها، فتشرذمها يسيء اليها... وسياسة المزايدات لم تعد مفيدة للأكراد

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً