العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ

العرب سيشكلون الغالبية بين البحر والنهر... و"إسرائيل" لن تبقى دولة يهودية

فاروق قدومي في المغرب: من منجزات المقاومة أن مليون إسرائيلي غادروا الدولة العبرية نهائيا

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

عرف المؤتمر الوطني السابع لحزب الاتحاد الاشتراكي، "أكبر الأحزاب المغربية"، مشاركة عدد من الشخصيات العربية والأجنبية الذين حضروا أعمال المؤتمر كضيوف. وكان من أبرز هذه الشخصيات رئيس حركة "فتح" كبرى تنظيمات منظمة التحرير الفلسطينية فاروق قدومي، الذي ألقى كلمة في المؤتمرين عن واقع القضية الفلسطينية ومستقبلها.

"الوسط" حصلت على نسخة من الخطاب وتنشر فيما يلي نصه الكامل:

نيسعدنا أن نكون اليوم بينكم لنشارككم أعمال مؤتمركم السابع، واثقين أنه سيكون محطة مهمة في تاريخ نضال حزبكم العتيد لخدمة قضايا شعبنا المغربي الشقيق وقضايا أمتنا العربية، وفي طليعتها قضية شعبكم الشقيق.

إن شعبنا الفلسطيني يحتفظ بذاكرته لحزبكم المناضل بمواقف لا تنسى، فالشهيد المهدي بن بركة كان في طليعة من نبه إلى الخطر الصهيوني، فعمل من أجل تكوين منظمة القارات الثلاث لمواجهة الصهيونية والإمبريالية العالمية، لا عجب إن كان حزبكم في طليعة القوى الوطنية التي أسست الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني كأول تنظيم شعبي في الوطن العربي لنصرة كفاح شعبنا، كما رسختم مع المناضلين المغاربة كون القضية الفلسطينية قضية وطنية لكل الشعب المغربي. ولن ننسى أن حزبكم قد أسس صحيفة خاصة لفلسطين سماها "فلسطين" أشرف عليها الشهيد عمر بن جلون لأمد طويل، كما لعب حزبكم دورا بارزا في الأممية الاشتراكية إلى حد وضع حزب العمل الإسرائيلي أمام الخيار بين التوقف عن دعم الإرهاب الصهيوني أو الطرد من الأممية الاشتراكية. وها أنتم اليوم تسطرون مواقف نضالية نعتز بها، آملين أن يخرج مؤتمركم السابع بمقررات نضالية تدعم صمود شعبنا ومقاومته الباسلة من أجل تحقيق حقوقه الوطنية الثابتة في القضاء على الاحتلال الصهيوني.

الانتفاضة عززت وحدتنا الوطنية

يبدو أن البعض يجهل الانتفاضة الفلسطينية وما قدمته من إنجاز خلال سنواتها الطويلة، فانبرى إلى توجيه النقد لها وطالب بوقفها أو اللجوء إلى التهدئة، وكم من محاولة جرت من الولايات المتحدة و"إسرائيل" لإطفاء شعلة الانتفاضة مقابل أثمان بخسة، فكان الحوار الأميركي الفلسطيني مع السفير الأميركي في تونس بلترو، العام ،1988 وكان هذا الحوار بداية مبادرتها السياسية الأولى التي قبلها العرب والتي اعتمدت مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وخرجت من رحمها اتفاق أوسلو بعد عامين من المفاوضات العسيرة. لكن معالم هذه التسوية السياسية طمست بعد اغتيال إسحاق رابين. مرت سنوات من المماطلة والتلاعب الإسرائيلي بالتسوية، مع الاستمرار في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وإحكام الإغلاق والحصار على الشعب الفلسطيني.

جاء شارون في النهاية محاولا قمع الانتفاضة وسحق قيادتها، ووعد الإسرائيليين باستتباب الأمن والسلام، فخاب ظنه وفشل في تحقيق ما وعد به. وعلى رغم المحاولات الخارجية لوقف الانتفاضة بوسائل متعددة فيها التهديد والوعيد أو الإغراء والتملق، لكن الجماهير الفلسطينية أفشلت كل هذه المحاولات وتمسكت بمقاومتها الباسلة. كانت الانتفاضة رادعا وكابحا للتطور الصهيوني، فأوقفت التوسع الصهيوني إلى الشرق، كما كانت تدعو إليه الحركة الصهيونية "من الفرات إلى النيل". كما أضعفت قدرته على الاستمرار والتوسع، وعلى رغم قيامه بمصادرة المزيد من الأراضي وبناء المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري بهدف ترحيل الشعب الفلسطيني إلى الجوار العربي، فإن الشعب الفلسطيني تشبث بأرضه وزادت قدرته في التحكم بمصيره ومستقبله، وعلى رغم قيام "إسرائيل" بإزالة الكثير من وسائل العيش والحياة لدى الجماهير الفلسطينية، بحيث جعلت البطالة تصل إلى 87 في المئة.

لقد كانت ردة فعل شعبنا أن عزز من وحدته الوطنية، وقوى عزمه وإصراره على مقاومة الاحتلال والإرهاب الصهيوني، ما اضطر "إسرائيل" إلى زيادة موازنتها العسكرية وتسلحها بفضل ما تقدمه الولايات المتحدة من دعم مالي وعسكري، فزودتها بأسلحة حديثة متطورة إضافة إلى ما تمتلكه من أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية.

وعلى رغم كل هذه القوة العسكرية الطاغية، فقد عجزت عن قهر الانتفاضة، بل تنامت معنويات الجماهير إلى حد كادت تصل خسائرها البشرية مساوية لخسائر العدو الصهيوني، لولا استخدام "إسرائيل" للقصف العشوائي للمخيمات الفلسطينية الكثيفة السكان.

منجزات الانتفاضة

وإذا أردنا أن نتحدث عن منجزات المقاومة الفلسطينية، فلابد أن نعود إلى التقارير الرسمية الإسرائيلية التي تشير إلى أن حوالي مليون إسرائيلي غادروا الدولة العبرية نهائيا ضمن هجرة معاكسة، بسبب عدم إحساسهم بالأمن بعد انتفاضة الأقصى وما تخللها من عمليات فدائية قامت بها فصائل المقاومة. وأعلن رسميا أن أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين المحتلة في تناقص حاد وخطير بسبب عزوف الكثير من يهود العالم عن الهجرة إليها، فهناك الموت ينتظرهم إن جاءوا. وقد أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن المجلس الصهيوني أن عدد القادمين انخفض العام 2004 إلى عشرين ألفا، ثلثهم فقط يعتبرون يهودا. علما بأن الوكالة اليهودية تمنح 2500 دولار لكل أسرة، وتعطي المهاجر اليهودي راتبا شهريا لمدة ستة أشهر.

لقد أفقدت المقاومة "إسرائيل" الحس الأمني والاستقرار الدائم، فانعكس ذلك على اقتصادها، فقل عدد المستثمرين الأجانب ورحلت الكثير من رؤوس الأموال، وانتشرت حالات الكآبة في المجتمع الإسرائيلي وازدادت أعداد العيادات النفسية وشركات الحماية الشخصية، وارتفعت البطالة لتصل إلى 13 في المئة وأصبح خط الفقر يشمل نحو مليون وأربعمئة ألف إسرائيلي، إضافة إلى تزايد أعداد الجنود والضباط الرافضين للخدمة في الجيش.

**"إسرائيل" تلتهم القدس

تقوم "إسرائيل" ببناء الجدار العنصري الفاصل، ويتزامن ذلك مع بناء الشوارع والأنفاق التي تربط المستوطنات بهدف زيادة الكثافة السكانية اليهودية في القدس الشريف ولإفراغ القدس من أهلها العرب الفلسطينيين. فقد لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى استحداث عدة قوانين للاستيلاء على المنازل العربية وخصوصا في البلدة القديمة، وبدأت تطبق قانون أملاك الغائبين على هذه الأملاك، وألغت قانون حماية المستأجر الذي كان مطبقا العام .1967 وتقوم الجماعات المتطرفة بوضع اليد على المزيد من الأملاك الفلسطينية بادعاء انهم اشتروها، وقام المتطرفون أيضا بوضع اليد على العقارات التجارية، كما حدث في الصفقة الأخيرة مع كنيسة الروم الأرثوذكس. وباختصار شديد، فإن "إسرائيل" تستغل كل الظروف الدولية لتهويد المدينة مستغلة مشكلات السلطة الفلسطينية والادعاء بأن عزل المدينة يستهدف منع العمليات الإرهابية، فإذا جاء وقت المفاوضات عن القدس، لا نجد ما نتفاوض عليه.

ضمانات لإسرائيل ولا ضمانات لنا

أثناء زيارة الأخ أبومازن للولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس بوش، لم يقم الرئيس الأميركي بتقديم ضمانات مكتوبة، كما حصل عندما زاره شارون العام 2004 والتي أفرغت خريطة الطريق من محتواها، وأصبحت ورقة بلا معنى، على رغم اعترافهم بأن الفلسطينيين أحرزوا تقدما في تطوير أجهزتهم الأمنية والإصلاحات التي اتخذوها.

لقد أبدى المسئولون الأوربيون قلقا ملحوظا بسبب تأجيل بداية الانسحاب من غزة لثلاثة أسابيع، واتهموا "إسرائيل" بعدم تنفيذ التزاماتها، واستمرارها في التوسع الاستيطاني الذي يعرض حل الدولتين للخطر، وأنها تضع العراقيل أمام الجهود التي يبذلها الأخ أبومازن وبالمقابل يراهن شارون على الظروف الصاخبة التي تمر بها "إسرائيل" بسبب الانسحاب من غزة والمعارضة التي يلقاها. وهو لن يسمح للرئيس الأميركي بممارسة الضغوط على "إسرائيل" حتى لا تنشأ فيها أزمة سياسية ربما تطيح بشارون وتقضي على مشروع الانسحاب. وأميركا تريد من شارون إزالة 45 نقطة استيطانية مخالفة للقانون، كما يقولون، ليبدأوا بتطبيق خريطة الطريق التي تقضي بتجميد الاستيطان كليا، ويقوم شارون عكس ذلك باستغلال الموقف الراهن للمضي في توسيع الاستيطان وإكمال بناء الجدار الأمني الذي يعني الاستيلاء على ما يقرب عن 10 في المئة من أراضي الضفة، وهذا يعني أن رؤية شارون لكيان فلسطيني خاضع للهيمنة الإسرائيلية تختلف عن رؤية بوش لدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

لعل مصدر التوتر الأهم بين "إسرائيل" وأميركا يكمن في عواقب حرب العراق، إذ لم يعد سرا أن "إسرائيل" أسهمت بقوة إما مباشرة أو عن طريق أصدقائها في الإدارة الأميركية في دفع أميركا لغزو العراق واحتلاله، وأصبح العراق البلد العربي القوي بلدا ضعيفا محتلا، ودفعت الولايات المتحدة، مع ذلك، ثمنا باهظا سواء بالرجال أو بالمال والمعدات، هذا فضلا عن المشاعر المعادية لأميركا في العالمين العربي والإسلامي.

إخفاق الديمقراطية في العالم العربي

إن السبب الرئيسي لإخفاق التحول الديمقراطي في الكثير من الأقطار العربية لا يرجع إلى المسائل الثقافية بقدر تضافر أوضاع اجتماعية واقتصادية عملت على غياب أو تغييب القوى السياسية المنظمة القادرة على استغلال أزمة النظم التسلطية والشمولية. إن الحركة الديمقراطية تفتقر إلى قوة دفع حقيقية، وهناك إشكاليات تعمق أزمة الحرية في بلادنا، من بينها اكتشاف النفط وإنشاء دولة "إسرائيل"، فالدول الكبرى التي تريد تأمين تدفق النفط بأسعار متدنية كانت تمارس الضغط علينا وعلى الدول المنتجة للنفط من خلال إثارة التناقضات فيما بينها، كما أن الدول الغربية الكبرى قد ارتبطت بمصالح مع "إسرائيل"، فكانت هذه العلاقة مصدر قلق للبلدان العربية، ما كان له أثر كبير في استفحال القمع والقضاء على فرص التحول الديمقراطي في الدول العربية. كما زادت حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 في هذا التوتر، إذ عمدت الإدارة الأميركية للتضييق على الحريات المدنية والسياسية، من خلال تهديد أمن الدول العربية والضغط عليها لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" قبل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة. ولكل هذه الأسباب لم تجد قضية الحرية حركات سياسية عربية ذات عمق جماهيري بعد فشل الحركة القومية والشمولية وانهيار الاتحاد السوفياتي، وغياب الكثير من القيادات القومية والوطنية الفاعلة التي كان لها عمق جماهيري واسع. ودخلت بلدان عربية وإسلامية في حروب طويلة فيما بينها أدت إلى تدخلات دولية في الحياة العربية، فتمزق النسيج القومي إلى حد نبتت في المجتمعات العربية البغضاء والكراهية والفرقة، فضعف الرباط القومي وأصيبت قضية فلسطين بالانحسار في مدها القومي، بل تعرضت الحركة الوطنية الفلسطينية للنقد والتشهير والحصار والتضييق على عملها النضالي.

وقامت الولايات المتحدة باحتلال العراق وعملت على تصعيد تهديداتها وضغوطها السياسية على الأنظمة العربية، وتصاعدت حدتها في تدخلها السافر في الشئون اللبنانية والسورية الداخلية، ولعبت "إسرائيل" كعادتها دورا خفيا في إثارة هذه القلاقل، بهدف إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

"إسرائيل" ستزول لوحدها

يقول هنري سيغمان: "الحقيقة أن التهديد والشك يطالان اليوم الدولة اليهودية أكثر مما يهددان دولة الشعب الفلسطيني، وأيا كانت الأسئلة عن الدولة الفلسطينية فقد بات من المؤكد في أعقاب انسحاب "إسرائيل" من غزة أنها مسألة وقت فقط قبل أن يصبح العرب غالبية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وعندما سيحصل هذا الأمر لن تبقى "إسرائيل" دولة يهودية، إلا إذا عزلت غالبية السكان العرب في محميات مغلقة لتتحول إلى دولة عنصرية، ولعل من باب السخرية المطلقة أن تكون الدولة الفلسطينية هي الوحيدة القادرة على تأمين بقاء "إسرائيل" دولة يهودية. ومع استمرار وترسيخ مشروع شارون الاستيطاني في الضفة وبسبب الانسحاب من غزة وتقليص مساحة الضفة وتجزئتها بشكل متواصل، سيسعى الفلسطينيون عاجلا أم آجلا إلى التخلي عن حل الدولتين، واستبداله بالمنطق السياسي لتكاثرهم السكاني في دولة واحدة". إنني باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وباسم منظمة التحرير الفلسطينية أكرر شكري الجزيل لحزبكم الشقيق المناضل على إتاحته الفرصة لي لمشاركتكم في هذا الحدث التاريخي العظيم، وأتمنى لكم النجاح والتقدم وللشعب المغربي الشقيق، مقدرا لكم تضامنكم وتضامن شعبكم الكريم في بناء الوطن المغربي العزيز وتقدمه ورفعته

العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً