صدرت في دمشق حديثا اشارة واضحة بشأن العلاقات السورية - العراقية. اذ أصدر حزب البعث الحاكم تعليمات للحكومة للعمل على تحسين العلاقات مع بغداد ودعم العملية السياسية هناك، وقبل ذلك، صدر اعلان عراقي عن زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري إلى دمشق. وعلى رغم الالتباسات التي اعقبت الاعلان العراقي، فقد اعقب ذلك، قيام وزير الكهرباء العراقي محسن شلش ووزير الموارد المائية عبداللطيف رشيد بزيارة دمشق حديثا واجراء مباحثات مع المسئولين السوريين عن تعاون البلدين في الشئون المائية وفي الكهرباء، وقد استقبل رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري الوزيرين العراقيين، وناقش معهما سبل تعزيز التعاون بين البلدين، ثم أكد لهما حرص سورية على أمن العراق واستقراره، وان يتحدد مستقبله بما يتفق وارادته وفي اطار وحدة اراضيه وشعبه.
وتشكل هذه التطورات، الاهم في علاقات البلدين منذ يوليو/ تموز 2004 عندما زار رئيس الوزراء العراقي المؤقت السابق اياد علاوي دمشق لمناقشة سبل التعاون بين الجانبين خصوصا في مجال الأمن، وتؤشر التطورات الى ان تحركا سوريا - عراقيا بدأ نحو استعادة العلاقات السورية - العراقية.
لقد عانت العلاقات السورية - العراقية تدهورا من تأثيرات الحرب على العراق في العام .2003 ذلك ان سورية عارضت تلك الحرب، وهو ما انعكس سلبا على علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وامتد التردي في علاقات سورية الى اطراف المعارضة العراقية التي ايدت اطاحة نظام صدام حسين بواسطة القوات الاميركية - البريطانية، على رغم ان لسورية علاقات قوية وتاريخية مع اغلب تلك القوى، وقد زادت سورية إلى معارضة الحرب اظهار تعاطفها للقوى المعادية للاحتلال الاجنبي للعراق، والتي انخرطت في عمليات المقاومة، ما ادى إلى تطور موقف اميركي - عراقي ضاغط على السلطات السورية، اتهمها بانها أمنت ملجئا آمنا لعناصر من النظام السابق، ومنحت تسهيلات عبور للمتطوعين الراغبين الذهاب الى العراق لمقاتلة قوات التحالف هناك، وبهذا المعنى فقد اتفق الاميركان والعراقيون على قول، ان سورية صارت بمثابة قاعدة خلفية للمقاومة العراقية.
وباستثناء التعاطف مع المقاومة العراقية، فقد عمل السوريون على تعزيز صلاتهم مع اوساط سياسية واجتماعية عراقية، واستقبل كبار المسئولين السوريين وبينهم الرئيس الاسد ونائبه عبدالحليم خدام كثيرا من الوفود العراقية بعد الحرب على العراق، وبحثوا معهم الاوضاع العراقية ومسارات المستقبل، كما شارك السوريون في اجتماعات دول الجوار العراقي على مدار الاعوام الثلاثة الماضية باعتبار ان الموضوع العراقي بين الموضوعات الاساسية التي تهم سورية، وبدا موقفهم في اغلب الاحيان متعارضا مع الموقف الاميركي.
وبطبيعة الحال، فقد ساهم ذلك - إلى جانب عوامل اخرى - في زيادة الغضب الاميركي - العراقي على الموقف السوري في موضوع العراق، وصارت الاتهامات الاميركية - العراقية أكثر حدة وتركيزا على ان سورية تتدخل في الشأن العراقي، وانها تفسح المجال لمتطوعين واموال واسلحة للمرور عبر حدودها الى العراق، وانها توفر مكانا آمنا لعراقيين من رموز النظام السابق وانصارهم.
وعلى رغم ان سورية، نفت بصورة متصاعدة تدخلها في الشأن العراقي، فان ذلك لم يخفف من الاتهامات الاميركية والعراقية، بل ان الامر ادى في بعض المرات الى صدور كثير من التهديدات الاميركية ضد سورية، وهددت بعض الاصوات العراقية بـ "نقل المعركة الى دمشق"، قبل ان تحدث فترة من التهدئة العراقية اعقبت زيارة رئيس الوزراء علاوي منتصف العام الماضي ووزير الداخلية السابق إلى دمشق، إذ جرى بحث التعاون الامني بين الجانبين السوري والعراقي، وزاد في التهدئة توفير سورية فرصة للعراقيين المقيمين فيها وفي لبنان في انتخابات الجمعية الوطنية العراقية.
ووفرت التهدئة مع تشكيل الحكومة العراقية الجديدة فرصة للعلاقات السورية - العراقية، التي يبدو الموضوع الامني هو الاهم والأكثر سخونة في موضوعاتها، لكنه واحد من موضوعات اخرى بينها موضوع الاموال العراقية في المصارف السورية، والتي تم ايداعها من جانب النظام السابق لتغطية المشتريات السورية والمشتريات التي تتم عن طريق سورية، وقد اثيرت عن الاموال العراقية نقاشات، قبل ان يتبلور موقف سوري يتضمن اعادة الاموال للعراق بعد اجراء بعض التسويات المالية.
وكما هو واضح، فان تقدما جرى في معالجة الملفين الامني والمالي بين البلدين اضافة الى تقدم في ملفات ثنائية اقل سخونة وحساسية، وهذا يعني ان الامور مهيأة لتطور ايجابي في علاقات البلدين، وهو امر متوقع حدوثه خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري، والتي يمكن ان يكون في نتائجها التوقيع على اتفاق تعاون امني جرت مناقشته خلال العام الماضي، واتمام معالجة ملف الاموال العراقية، ورفع مستوى التمثيل الديبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفارة
العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ