العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ

ماذا أعددنا لمواجهة الازمة القادمة؟

أسئلة على ساحل المالكية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لو سألت مجموعة من أصدقائك ومعارفك عن الدول الأكثر كثافة بالسكان، لأجابك على الأرجح: إنها الصين، أو الهند، وربما ذهب إلى بنغلاديش. .. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن البحرين هي واحدة من بين أكثر خمس دول كثافة بالسكان.

هذا البلد الصغير، المحدود المساحة، المزدحم بأهله أصلا، والذي يعاني من نسبة بطالة عالية بين مواطنيه، في ظل تعثر برامج التعليم عن مواكبة سوق العمل، وغياب أية خطة جدية للتدريب وإحلال المواطن مكان الأجنبي، فضلا عن سياسة التجنيس التي أضافت إلى أعبائه 53 ألف "مواطن جديد" في ظرف ثلاث سنوات. في هذا السياق، سيجد البحريني نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها.

إذا أضفنا إلى ذلك "سيطرة مجموعة معينة من الناس على مساحة كبيرة من الأراضي، وقيامها بتوزيعها على أفراد وجماعات بغرض كسب الولاء أو إعطاء مكافأة أو هبات... وبحكم محدودية هذه الرقعة وتولي الحكومة توزيع الكثير من أراضيها وصلنا إلى مرحلة أن جميع الأراضي أصبحت مملوكة"، كما أشار إلى ذلك رجل الأعمال عادل المسقطي في حديثه إلى "الوسط" قبل يومين.

إذا أردتم الصراحة نحن أمام قنبلة موقوتة فعلا، ولسنا أمام أزمة عابرة يتم اختزالها في جدار طوله كيلومتر واحد. كما أن ساحل المالكية لم يكن الساحل الوحيد الذي تم امتلاكه، وإنما كان الشمعة الأخيرة المطفأة في هذا الليل "الإقطاعي" البهيم.

ولأن القضية قضية وطنية حساسة من الدرجة الأولى، لذلك حظيت بإجماع وطني منقطع النظير، ولم يجرؤ أحد على الدفاع عن هذا الجدار، على رغم وجود كتيبة "الموالاة" التي تدافع في شراسة دائما عن الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال في هذا البلد. حتى محاولة تحريف الموضوع إلى "خروج على القانون"، بنشر صورة المطرقة التي هوت على الجدار، حتى هذه المحاولة لم تفلح في كسب تعاطف مواطن واحد مع الجدار!

على أن الحضور الميداني يوم الجمعة الماضي، والكتابة من على الساحل، أصدق ألف مرة من "الاستكتاب" في غرفة مغلقة، وبتعليمات صارمة لاستبعاد الصحافة المستقلة، في حركة متعمدة لتوجيه القضية توجيها شخصيا بحتا، وكأن الموضوع خلاف شخصي وليس ظاهرة تعبر خير تعبير عن أزمة حقيقية تهدد بأن يتحول المواطن البحريني إلى مشرد في بلاده، يعجز عن الحصول على قطعة أرض تؤويه.

ما يكتب في الغرف المغلقة شيء، أما من حضر يوم الجمعة الماضي لابد شاهد مئات المواطنين، رجالا ونساء، رسميين ومعارضين، ينتظمون في مسيرة هادئة، حملت لافتات صغيرة مؤدبة تطالب بإعادة الساحل إلى أحضان الوطن. وفي الصف الأول من موقع الاجتماع كان يجلس رؤساء الجمعيات السياسية المعارضة، وإلى جانبهم عدد من النواب وأعضاء المجلس البلدي وعلماء الدين. تحدث في البداية رئيس تحرير "الوسط"، أعقبه رئيس "المنبر الديمقراطي"، ثم رئيس "العمل الوطني"، وأخيرا رئيس جمعية "الوفاق"، "ولا أدري لماذا غاب رئيس "العمل الإسلامي" عن المهرجان؟".

الجامع المشترك في كلمات المتحدثين أن هناك قانونا يجب أن يحترم، وأن يطبق على الجميع من دون تمييز، وأن الأرض ملكية عامة تعود إلى الشعب ويجب أن ينتفع بها المواطن، كل ذلك حفاظا على حقوق الناس في هذا البلد.

قصار النظر ظنوا أن المسألة "طأفنة" و"إثارة صحافية"، فالطائفي دائما يفكر بطريقة طائفية، ولا يصدق أن هناك من يفكر "وطنيا"، ويحترق قلبه عندما يشاهد التجاوزات على حقوق مواطنيه من كل المدن والقرى. هؤلاء لم يدركوا أن البحرين أمام أزمة جوهرية تهدد الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي في المستقبل، بحكم ترابط الملفات وما ينتج عن المشكلات المتراكمة من تداعيات.

إن من الشجاعة الحديث عن أزماتنا مبكرا بحثا عن حلول، وليس الهرب عن مواجهة استحقاقاتها، فضلا عن المشاركة في التهويش عليها وخلط الأوراق وتزوير الحقائق، كما دأب البعض.

في ختام المهرجان الخطابي الهادئ، اتجهت إلى سيارتي المتوقفة قرب مسجد الأمير زيد بن صوحان، عبورا بـ "الحديقة" المملوكة لأحد أمراء الخليج، فاكتشفت أنها أرض سبخة، لا تضم غير أعشاب ضارة وقليلا من أشجار العوسج، إضافة إلى 11 نخلة جافة قرعاء، أربع منها إلى اليمين، وسبع منها إلى الشمال. كنت أمشي ورجلي تغوص في الرمال، وكنت أفكر... هل يعلم صاحب هذه الحديقة الخاوية أن هناك حديقة مسجلة باسمه في هذا البلد؟ وأن اسمه سيرتبط بهذه القرية الوادعة من دون أن يدري في قضية جدار عازل؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً