العدد 1014 - الأربعاء 15 يونيو 2005م الموافق 08 جمادى الأولى 1426هـ

لمن لا علم له

المنامة - محمد الصفار 

تحديث: 12 مايو 2017

عند الحديث عن وطن ما، وبالإشارة إلى حركته في المجتمع البشري، ومدى تفاعله معه، لابد أن نتوجه إلى الجانب غير السياسي فيه. والسبب في ذلك، أن الجانب السياسي لا يتحقق إلا بتوافر القوى الفاعلة على الساحة العالمية، ومن ثم فإن هذه الدولة تتخذ هذا القرار أو تقوم تلك الدولة بفعل ما يتماشى مع تيار الدولة العظمى التي تخضع لها.

فإذا كنا نريد حقيقة الوطن، فالتوجه عندها يكون للعنصر البشري ونتاجاته. لا أخفي عليكم مدى إعجابي بالرئيس خاتمي، المفكر الذي وقف مؤازرا لمنتخب إيران في اللحظات الحاسمة، مبينا للجميع أهمية العنصر البشري ونتاجاته وإنجازاته في تحقيق تقدم الدولة، هذا إذا علمنا أيضا بتقدم الفنون والآداب في بلاده.

وهذا المثل يساق هنا لأن تلك المباراة وضعت المقطع الطولي الكامل للمجتمع الإيراني، من أبسط رجل وحتى قائده مرورا بمسبب وجودهم أصلا وهو المنتج البشري الرياضي.

أما إذا نظرنا إلى مملكة البحرين، فنجد أن المنجز البشري كحصان السباق الذي لا تجري منه سوى قائمتاه الخلفيتان، والمنتج البشري هنا هو عموم انتاجات البحرينين من نسيج بني جمرة وحتى آخر اصدار لمفكر بحريني.

لمن لا علم له... المسرحيون يقابلون بالأذن الصماء

على رغم كثرة وتعدد الاجتماعات مع مسئولي الإعلام من المسئولين المتعاقبين والمتوالين والقادمين من بعيد ومن قريب، فإن الأمر الحقيقي أن شيئا من خلاصات تلك الاجتماعات والتصريحات لم يجد له مكانا في الواقع، بالإضافة إلى أن تصريحات المسرحيين وكتاباتهم وشكاواهم وانتقاداتهم وأمراضهم العصبية وكل شيء فعلوه وسمعه الجميع بمن فيهم الوزارة، كل شيء ذكروه وقالوه، لم يجد أذنا تصغي - بالشكل الحقيقي و ليس التهكمي أو الاستخفافي - ولم يجد شخصا شجاعا يقبل بتقصيره أو بتطور فكر هذا المسرحي أو عمق تجربة آخر عليه، وذهب إلى القلة ممن ليس لهم فهم مسرحي وقاس عليه البقية، وهذا ما نسميه بالاصطياد في الماء العكر.

فلنتصور إذا، 20 سنة من الأسلوب الحضاري في محاولة التوصيل - عند غالبية المسرحيين - لا تتفاعل الوزارة معه، بل تنشغل بمن لا هم مسرحي لديه ولا تنتخب إلا الغرباء على المسرح.

إلى ماذا سيؤدي مثل هذا الفعل؟

لمن لا علم له... لا يوجد بالوزارة هيكل خاص بالحركة المسرحية.

من الواضح جدا عدم وجود هيكل خاص بالمسرح وشئونه في وزارة الإعلام، وذلك أمر واقعي. وعدم وجود هذا الهيكل هو من دواعي الاستخفاف بالمسرح وبالمسرحيين.

والعادة أن يكون القائم بأمور المسرح في الجهات الرسمية شخصا جاء من العمق المسرحي، ممن حمل راية المسرح البحريني في أماكن ومواطن عدة.

لكننا وبكل فخر نجد أن القائم على المسرح في الوزارة لا يفقه مسرحا وليس له تجربة مسرحية.

هذا إلى جانب وجود بعض الممارسات المؤسفة التي حدثت نتيجة عدم وجود آلية التعامل مع المسرح، كترشيح مسرحيات نتجت من جسم الوزارة - من الشخص القائم على المسرح - لتمثل العمل المسرحي الأهلية! وفي ذلك خلق لاحتقان عظيم.

التعامل بحزم تجاه تلك الممارسات، وقمع هذا الفساد، سيخلق شعورا بالاطمئنان، وجوا من الراحة النفسية، وإحساسا بالحماس لإنتاج الكثير من الأعمال.

الوزارة لا تريد خلق هذا الجو!

لمن لا علم له... المسرحيون ينتجون أعمالا بنظام الشفت.

المسرحيون "الغلابة"، يذهبون إلى الدوام على الدوام وهم مشحونون أعمالا وأفكارا وأحلاما، لهذا البلد طبعا - وليس للمنصب إذ لا مناصب لديهم - وعندما ينتهي الدوام، فإنهم يهجرون بيوتهم ليصنعوا فنا يتحدث عنه القصي ويهشمه الدني.

ويرتفع اسم البحرين - من دون الحاجة إلى عبقرية المسئول الفلاني - ويرجع إلى بلده ولا يجد من يذكر انجازه هذا

من الضروري جدا العمل على تفريغ المبدعين المسرحيين، حتى يتسنى لهم ممارسة عملهم الإبداعي من دون ضغوط سلبية تحجم من قدراتهم وامنياتهم، مع توفير الاحتياجات اللازمة لعملهم. فالأمر لا يتعلق بسنة واحدة أو عرض مسرحي، بل هو تأسيس لجهد مسرحي إبداعي على المدى البعيد.

اقترح أن ترسل الوزارة أحدا من عندها ليتتبع المسرحيين لعلها تعلم أين يعملون - ممن يعمل منهم - وماذا يعملون.

لمن لا علم له... المسرحيون يتسولون الدعم

لا نستطيع أن نفسر قلة الدعم للفن المسرحي في البحرين إلا بعدم وجود ثقافة ووعي في هذا البلد، حكومي وخاص.

لاحظوا مثلا أن مصرفا رئيسيا في البلاد يدعم عملا مسرحيا بمئة دينار فقط؟!

وإذا ما تحدثنا عن دعم الوزارة للمسرح الأهلي فالمصيبة أعظم وأكبر. فنحن نتحدث عن جهة - يفترض أن تكون - ملازمة للمسرح، لصيقة بحركته، عارفة بشئونه واحتياجاته.

يجب أن يتماشى حجم الدعم المسرحي مع تطور السوق في البحرين، فالثلاثة آلاف دينار للعمل المسرحي الواحد، قد مضى عليها أكثر من عقد من الزمن، وفي هذا الزمن ارتفعت أسعار المواد كثيرا لكن الثلاثة آلاف لم تتحرك دينارا آخر.

وأمر آخر هو أن تنظر الوزارة بالاعتبار إلى الاجتهادات الخاصة بالمسارح والمساعدة على تهيئة الجو العام لتطورها وتواصلها. ولنا في هذا أمثلة كثيرة أقربها مهرجان الصواري للأفلام، والذي أشاحت الوزارة بوجهها عن أي دعم ممكن له.

أما الدعم الإعلامي، فهو من مآسي القرون التي مضت والقرون التي ستأتي، فحتى نقل الفعاليات الرياضية يفتقر إلى كاميرات تغطي الملعب والحوادث، الزمن تطور يا عالم، يا من يسكن وزارة الإعلام، الدنيا تقدمت.

فمن الملاحظ أن المسرحيات البحرينية تفتقر إلى التغطية الإعلامية الكافية، ولا تجد توثيقا مناسبا لا من ناحية الكم ولا الكيف. وفي هذا السياق، اقترح تدشين قناة فضائية ثقافية.

وأقترح أن يتم نسخ السعداوي والشيراوي، حتى إذا توفاهما الله، نقول للمسرحيين الجدد، انه كان هناك مسرحيون أمثال هذين المسرحيين، ونريهم صورتيهما، كي لا يحدث لهم مثل ما حدث للمرحومين جاسم شريدة وجعفر الحايكي وغيرهما من نسيان.

لمن لا علم له... الوزارة لا تعرف

البنية التحتية لأي بلد في العالم، هي المنشآت التي تكون أساسا لوظائف أخرى عدة. خطوط المجاري، والشوارع، والأراضي الزراعية أو القابلة للاستصلاح، وخطوط الهاتف وغيرها.

لابد من إمعان النظر في نقص بل اضمحلال البنية التحتية للمسرح خصوصا في البحرين:

أ- لا توجد مقار للمسارح. ونرجو من سعادة الوزير حضور شقق التجميع التي نحن محشورون فيها، وهي في منطقة العدلية أمام نادي الخريجين. فالنشاط المسرحي يختلف تماما عن جمعية أصحاب الصيدليات في البحرين، ولا يمكن مقارنتنا بجمعية المرأة البحرينية. وللمقار المسرحية متطلبات نوجزها هنا للفائدة، ولبراءة الذمة ننشرها في الصحافة لعل أحدهم يقرؤها:

- يجب أن تتوافر فيها ثلاث غرف على الأقل للشئون الإدارية والسكرتارية والأرشيفية التوثيقية.

- أن تحتوي على صالة واسعة لعقد التجمعات الخاصة بفعاليات المسرح، كالجمعية العمومية والورش والندوات.

- أن توجد فيها مرافق كافية للرجال وللنساء، ومطبخ.

- أن تحتوي على مخزنين على الأقل، واحد لشئون المقر والآخر لأجهزة المسرح الثمينة.

- أن يوجد فيها مخزن خارجي كبير لما بعد العروض المسرحية.

- ألا يكون وسط أماكن سكنية تحسبا لأي إزعاج محتمل.

- البيوت التراثية واحدة من أجمل وأذكى الخيارات المتاحة، ففيها المحافظة على تراث بحريني، وحل لمشكلة المقار المسرحية، وكذلك استقطاب سياحي ممكن.

و لمن لا علم له، فالمسرحيون يقطنون في عمارة آيلة إلى السقوط!

وقام بعض الأخوة في وزارة الإعلام ووزارة الأشغال والإسكان بترتيب عمل صيانة لهذه الشقق، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر. ليست صباغة سقف متساقط بمجدية!

ب- عدم وجود الأماكن والمساحات الممكنة للعمل المسرحي، والمكان ينقسم إلى ما يأتي:

- الأماكن الأثرية والتراثية. فكما تعلمون، أن العمل المسرحي يحتاج إلى التوافر على أماكن متعددة، من عمق التاريخ إلى حافة المستقبل، وإلا فإن الأفق المسرحي يضيق.

- الصالات المسرحية التقليدية - العلبة الإيطالية، والتي من الضروري تجهيزها تجهيزا معاصرا.

- الصالات المسرحية المعاصرة والتجريبية، والتي تختلف في بنائها عن العلبة الإيطالية.

- الساحات والميادين العامة، وهذه ربما تكون خارجة عن يد الوزارة، ولكني أوردتها للعلم فقط.

وهذه الصالات يجب أن تتوزع على المحافظات الخمس في المملكة، وذلك لما يأتي:

1- توفير حرية العمل المسرحي بين المسارح الأهلية، ولكي تتناغم جداولهم السنوية بدلا عن تضاربها.

2- لحفز وإعطاء الفرصة للمواطن البحريني للحضور من دون عائق البعد أو الازدحام المكاني.

3- لتنشيط الاستثمار العمراني.

4- لتسهيل توفير وبناء لوازم العرض المسرحي.

ت- هناك غياب واضح للمعاهد والمسارات الأكاديمية المؤهلة للكوادر الفنية التخصصية، وأما وظائفهم، فلا يجب الهلع منها، فإذا ما قامت الوزارة بعمل الواجب، حصل الخريجون على لقمة عيشهم.

ث- من الضروري إيجاد ورش انتاجية مختصة بالمسرح، وعدم الاعتماد على ما تحاول أن تساعدنا به هيئة الإذاعة والتلفزيون.

ج- من المهم جدا وجود الدعم المعنوي للمسرح البحريني وللعمل المسرحي كي يكون سندا للدعم المادي من قبل القطاع التجاري والمصرفي.

ح- الاهتمام بإنجازات المسرح والمسرحي وتخليدهما.

خ- توفير مساحة أرض لمسرحي جلجامش والصواري أسوة بأوال والجزيرة، فطموح الجميع بناء صالة المسرح الخاصة به، كما فعل الأخوة في مسرح الجزيرة.

كل مسئولي وزارة الإعلام، سابقا وحاليا وقادما، قالوا ويقولون وسيقولون "نحن ندعم الحركة المسرحية، وشكواكم أوصلوها لنا مباشرة"، ثم ندور في الدائرة نفسها.

أمن المعقول أن تكون وزارة يجب عليها الحيوية في بلد نشط كالبحرين بهذا الضعف والعقم؟

أيمكن أن نقبل بواقع دولة تعتبر الفن والأدب والنتاج البشري أشياء هامشية لا مكان لها على أجندتها؟

للإجابة على هذين السؤالين نسأل، ماذا لو قام المسرحيون بعرض مسرحية عن جدار المالكية العازل، أو قانون أمن الدولة الجديد "قانون الإرهاب"؟ هل ستسمح به الدولة؟ وماذا سيحدث للمسرحيين والمتفرجين؟

نكثر من الكلام ولا نعمل أليس كذلك؟ هذا الادعاء الوزاري المتكرر الذي يطلقونه في وجوه المسرحيين، ولكنا في المقابل نقول، هل يمكن لسيارة ما أن تمشي في بلد لا شوارع فيها؟

إن ادعاءهم مثل مطالب رجل بالدراسة في بلد لا مدارس فيها!

وعلى فكرة، فما قدمه ويقدمه المسرحي والمسرح البحرينيان أعظم من أن تحصيه وزارة الإعلام، على رغم قروسطية حركة المسرح البحريني.

بل إن الوزارة تمادت في ادعاءاتها بقولها إن السبب في ذلك كله هو أعمالكم الضعيفة - وهذا افتراء كما تعلمون - أو أن بعضكم ليس متفاهما مع البعض الآخر، ولكن لو كان ذلك سببا لبطء الوزارة في التقدم، فعلينا إذا أن ننسى الرياضة في البحرين لبعض هزائم المنتخب، أو لأن مدافعي البحرين لم يتفاهما حين سجل مهاجم اليابان هدفه في مرمانا، هل يعقل هذا؟ نعم، يعقل في عقلية محدودة كوزارة الإعلام.

لمن لا علم له... سترمى هذه المقالة في زبالة الوزارة كما حدث لغيرها، أو ربما أعدم بتهمة الإرهاب بحسب قانون الإرهاب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً