كيف يبدو أن لدين واحد - الإسلام - القدرة على إضعاف المرأة وتشجيعها في الوقت نفسه؟
لا يسع أي امرؤ يحاول تحديد أوضاع المرأة في العالم الإسلامي إلا أن يصاب بالارتباك والتشويش، إذ يجد المرء قصصا في وسائل الإعلام كل يوم تدور حول الظلم المرتكب ضد النساء المسلمات، مثل جرائم الشرف وزواج الأطفال والأحكام القانونية التي تتسم بالتفرقة في قضايا الطلاق والحضانة والرعاية والميراث.
من ناحية أخرى يصادف المرء كذلك قصصا عن الخطوات المتقدمة المثيرة للإعجاب التي خطتها نساء مسلمات في مجالات كالتعليم وتطوير الحياة العملية والنشاط السياسي في دول متنوعة مثل بنغلادش والمغرب وتركيا.
كيف نستطيع تفسير صورة ثنائية متضادة كهذه؟
الإجابة بسيطة: من خلال التمييز بين دين الإسلام والمسلمين الذين يعتنقونه.
يعلم هؤلاء الذين يدرسون القرآن الكريم أن الإسلام رفع حقوق المرأة إلى مراتب أعلى من أي مستوى عرفه عالم ما قبل الإسلام.
واقع الأمر هو أن المرأة المسلمة حصلت على حقوق في القرن السابع لم تحصل عليها المرأة الأوروبية حتى القرن التاسع عشر، مثل حقوق امتلاك العقارات والأموال المنقولة، والميراث والطلاق.
إلا أن المسلمين الذين قاموا بتفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وسنّ القوانين الإسلامية بناء عليهما لم ينجحوا في محو النظام الاجتماعي الأبوي المطلق الذي ساد في عصور ما قبل الإسلام من ممارساتهم.
هذا التمييز بين العقيدة نفسها والصور المتنوعة التي تجلّت في ممارستها دقيق وباهت، ولكنه غاية في الأهمية.
يدرك الإنسان الغربي المتدرب على ملاحظة هذا التمييز بأن المرأة المسلمة التي تنتقد الممارسات الإسلامية لا تفعل هذا بهدف توبيخ ولوم إرثها الثقافي والديني لصالح القيم والمثل الغربية، على نسق التوبيخ واللوم الذي يدرج في الكتب الأكثر مبيعا في الغرب والذي يغذّي الصور النمطية الغربية السائدة عن الدين، بل هي تفعل ذلك بهدف دعوة مسلمين آخرين يدّعون الولاء للتعاليم القرآنية لأن يحققوا مبادئه السامية ويرتقوا إلى مستوياته العليا.
يسمى هذا النقد الذاتي والنداء للعمل أحيانا بالنسوية الإسلامية، وهي عبارة عن نموذج واعد يدعم التغيير من الداخل وليس التغيير ضمن معادلات مستوردة.
تتحدى النسوية الإسلامية، في الوقت الذي تتبنى القرآن الكريم في جوهره، معيارين اثنين رئيسيين: العادات الثقافية الاجتماعية الأبوية التي تُفسَّر خطأ على أنها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والتفسيرات الأبوية لآيات قرآنية كريمة معينة.
ويشكل مشروع فك وفصل التعاليم الإسلامية الحقيقية عن التقاليد الثقافية التي جرت ممارستها عبر التاريخ في المناطق الإسلامية مشروعا مستمرا متواصلا للحركة النسوية الإسلامية.
أعلنت عريفة مزهر، مسئولة قضايا النوع الاجتماعي في مؤسسة سونجي التنموية ومركزها الباكستان، والتي تهدف إلى إيجاد وتطبيق تغييرات سياسية ومؤسسية تتعلق بالتنمية من خلال حشد المجتمعات المحلية المهّمشة، أعلنت في المؤتمر العالمي للحركة النسوية الإسلامية في برشلونة العام 2008 أنه «بدلا من المجادلة بشأن الإسلام، يتوجب علينا أن نتجادل بشأن الثقافة وأثرها... هناك العديد من المجموعات الاجتماعية والتقاليد القبلية التي تضطهد المرأة، وهي ذات علاقة ضئيلة بالإسلام».
أما التحدي الثاني الذي يواجه الحركة النسوية الإسلامية فهو محاولة إعادة تفسير آيات قرآنية كريمة، وخصوصا في المضمون الحالي، والتي أسيء تفسيرها أو تم تفسيرها بتعميم زائد.
أحد الأمثلة على ذلك هو الوزن غير المتكافئ الذي يعطى للآيات القرآنية الكريمة القليلة التي تعطي الرجال سلطة على النساء ضمن الهيكل الأسري، مقارنة بآيات كثيرة أخرى تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة. تشجع النسوية الإسلامية النساء على دراسة النصوص القرآنية بأنفسهن، والحكم فيما إذا كان كره النساء والفشل في أخذهن على محمل الجد، السائدين في بعض التقاليد، هي أمور ذات صلة بمبادئ إسلامية، أو، بالطبع، أمور فرضتها الثقافات على هذه المبادئ. لذلك توفّر النسوية الإسلامية الأرضية لتغيير القوانين المدنية والوطنية بأساليب تثبت كونها تقدمية لصالح المرأة.
تحاول منظمة «أخوات في الإسلام»، وهي مجموعة إسلامية قيادية في مجال حقوق المرأة في ماليزيا، ومنذ مدة طويلة إصلاح قضية تعدد الزوجات.
بدلا من المناداة بإلغاء مبدأ تعدد الزوجات، على سبيل المثال، تنادي المجموعة فقط بتحديد هذه الممارسة على حالات معينة، مثل حصول الزوج على موافقة زوجته الأولى وعلى إذن من المحكمة. وتعمل المنظمة على إجراء استطلاعات عامة يمكن أن توفّر إثباتات عملية مبنية على التجربة للنتائج السلبية لتعدد الزوجات على المجتمع.
توفّر النسوية الإسلامية، المتجذرة في دين الإسلام الحنيف وروح المساواة في القرآن الكريم، صوتا سياسيا له صدقية للمرأة. وهي توفّر للمنظمات النسائية ودعاة حقوق المرأة وعلماء النوع الاجتماعي في العالم الإسلامي أرضية شرعية للعمل، والتغيير، لتحقيق التزامات المجتمع الدينية.
*أستاذة جامعية مساعدة في اللغة الإنجليزية بجامعة كارنيغي ميلون بقطر وعضو في مجلس التنافسية الوطنية القطري، الذي يشجع الإصلاح والشفافية في الاقتصاد الوطني، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ