في خضم انشغال الولايات المتحدة بمراقبة الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وطموحها الكامن لفوز رئيس إيراني ضعيف بحيث يكون غير قادر على مواجهة التحديات المقبلة محليا وإقليميا أعلن دبلوماسيون في العاصمة النمسوية فيينا أن "الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وعددا من البلدان الغربية تضغط على الرياض بهدف إجبارها على الموافقة على فتح المجال أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بعمليات تفتيش دقيقة لمنشآتها".
هذا ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة المزيد من الضغوط من قبل الاتحاد الأوروبي تحديدا لمطالبة السعودية بإصدار بيان تعبـر فيه عن حسن نيتها إزاء الوكالة الدولية، والسماح لمفتشيها بالقيام بعمليات التفتيش التي يعتبرونها ضرورية.
أما الموقف السعودي فقد كان متحفظا، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانا أكدت فيه سعيها "لمساندة الجهود الدولية الرامية إلى تجنب المجتمع الدولي مخاطر وعواقب أسلحة الدمار الشامل". وأشارت فيه إلى انضمامها إلى جميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، وجددت دعمها "لكل الخطوات والجهود الرامية إلى إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل".
وبمناسبة انعقاد الدورة الخاصة بمجلس المحافظين في فيينا صباح الاثنين الماضي أكدت الرياض رغبتها الدائمة في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحرصها على الالتزام بما تنص عليه المعاهدات الدولية في هذا الشأن، وفي مقدمتها معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية والاتفاقات الملحقة بها مثل بروتوكول الكميات الصغيرة بالإضافة إلى تأكيد عدم امتلاكها لأية منشآت ومفاعلات نووية أو مواد انشطارية أو مصدرية بما ينسجم مع اتفاق الضمانات وذلك تماشيا مع مواقفها الراسخة لدعم السلم والأمن الدوليين وتطلعها إلى قيام الدول الأخرى والمحبة للسلام بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل وتعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع الدولي.
مثل هذه الحادثة والمواقف المختلفة لها من الدلالات الشيء الكثير، ففي الوقت الذي هدأ الاهتمام الدولي وتراجع إزاء الملف النووي الإيراني، ظهر ملف جديد يسمى بالملف النووي السعودي. وهو ما يشير إلى أنه على رغم الالتزام الجماعي لدول مجلس التعاون بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج "GWMDFZ" منذ عدة سنوات، فإنها لم تقم بخطوات عملية حتى الآن لتعزيز هذا الالتزام وهذا المطلب الطموح.
وهذه الحقائق تتطلب من بلدان مجلس التعاون الخليجي إعادة التفكير من جديد في مستقبل وجودها الكياني، وخصوصا أن هناك ارتباطا في فكر الهيمنة الغربي بين المساعي نحو امتلاك أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، والإصلاح السياسي والاقتصادي. وجميع هذه العوامل ساهمت بشكل واضح في إسقاط النظام العراقي السابق.
واليوم فإننا نجد أن بلدان مجلس التعاون قد أبدت اهتماما لافتا بمسألة مكافحة الإرهاب، وشرعت نحو القيام بخطوات إصلاحية بطيئة، إلا أنها مازالت غافلة تماما عن إمكان اتهامها بالسعي نحو امتلاك أسلحة الدمار الشامل، خصوصا في ظل وجود فوائض مالية من العوائد النفطية. وإذا كانت بلدان المجلس لا تمتلك مفاعلات نووية عسكرية أو مدنية، فإن مفهوم أسلحة الدمار الشامل يتعدى ذلك بكثير، فهناك الأسلحة الكيماوية التي يمكن تصنيعها في مصانع البتروكيماويات المتطورة، بالإضافة إلى الأسلحة البيولوجية التي يمكن تصنيعها في مصانع الأدوية.
ما يهمنا الآن تقييم وتقويم التحدي الجديد الذي قد ينجم عن اتهام بلدان مجلس التعاون الخليجي بالسعي نحو امتلاك أسلحة الدمار الشامل، الذي قد يكون تهديدا جديدا تواجهه هذه البلدان بعد مسألة دعم الإرهاب والإصلاح. وللحديث صلة..
العدد 1013 - الثلثاء 14 يونيو 2005م الموافق 07 جمادى الأولى 1426هـ