تكاد اللوحة تكتمل في دمشق بعد ثلاثة أيام من مؤتمر حزب البعث، فتظهر فيها أسماء وصور الاشخاص الخارجين من قيادة حزب البعث في سورية، وعلى رغم ان امرا كهذا هو أمر عادي في حزب بدل الكثير من قياداته منذ ان استولى على السلطة في سورية العام ،1963 فازاح قياداته التاريخية من امثال ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار وأمين الحافظ في فبراير/ شباط ،1966 ثم ازاح آخرين بينهم نور الدين الاتاسي وصلاح جديد وابراهيم ماخوس في نوفمبر/ تشرين الثاني ،1970 وابعد غيرهم كثير بعدها أمثال محمد جابر بجبوج ومحمود الايوبي ورفعت الاسد في السنوات التالية، لكن ازاحة الاسماء الاخيرة هو حدث شديد الاهمية انطلاقا من اعتبارات ثلاثة: الأول هذه الاعتبارات، ان ما تم القيام به في مؤتمر الحزب الحالي، هو أوسع عملية ازاحة لمجموعة قيادية هي الأهم والأكبر في قيادة حزب البعث.
وثاني الاعتبارات، ان عملية الازاحة، تجرى بطريقة سلمية، بل ان بعض الخارجين من تلك القيادة راغبون في الخروج منها، أكثر مما هم مطرودون على نحو ما جرت العادة.
والاعتبار الثالث، ان خروج هذه الاسماء يترافق مع تحديات يواجهها حزب البعث في داخله، وأخرى تواجه سورية، التي يحكمها الحزب بصورة مطلقة منذ العام ،1963 وقد خلف فيها مشكلات ذات طبيعة مزدوجة، شق منها يتعلق بالازمات السياسية والاقتصادية - الاجتماعية القائمة، وشق آخر يتصل بسياسة سورية الخارجية وما شهدته من ترديات، ويضغط العاملان ليكون خروج هذه المجموعة في اطار الاجراء الذي يتخذه الحزب ليواجه التحديات الداخلية - الخارجية.
وسط هذه الاعتبارات، يمكن النظر الى اسماء الخارجين من قيادة الحزب ومن مسرح السياسة السورية، وكلهم شكلوا في المرحلة الماضية أبرز الوجوه وأكثر الفاعلين في تلك السياسة، بل ان بعضهم احتل مواقع الرجل الثاني بعد الرئيس - في مجاله - في ميدان صنع تلك السياسة على مدى تجاوز أو اقترب من ثلاثة عقود ونصف من تاريخ سورية المعاصر.
أول الاسماء الخارجة من مسرح السياسة، هو عبدالحليم خدام" في الحادية والسبعين"، وقد شغل مكانة مهمة في السياسة السورية في المجالين الداخلي والخارجي، توجت بتوليه منصب نائب رئيس الجمهورية طوال العشرين عاما الماضية، منها خمس سنوات كان فيها نائبا للرئيس بشار الاسد، سبقها توليه منصب الرئاسة في المرحلة الانتقالية ما بين وفاة الرئيس حافظ الاسد وتولي الرئيس بشار المنصب.
وعبدالحليم خدام بدأ حياته السياسية في سورية منتقلا من مهنة المحاماة الى منصب محافظ حماة في العام ،1964 ثم محافظا للقنيطرة بعدها بعامين، ثم محافظا لدمشق العام ،1969 قبل ان يتولى منصب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في العام ،1970 ووقف الى جانب الفريق حافظ الاسد في أزمة الحزب العام 1970 منضما الى القيادة القطرية المؤقتة التي تشكلت في إطار الحركة التصحيحية، ليقوم بدور كبير في سياسة سورية الخارجية، إذ انتخب في القيادة القطرية، وسمي في العام 1971 نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية وعضوا في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، وبقي في الخارجية حتى العام ،1984 أصبح بعدها نائبا لرئيس الجمهورية.
وعبدالحليم خدام في مهماته تلك أمسك وتعامل مع أهم ملفات السياسة السورية الخارجية، ومنها ملف العلاقات السورية - الاميركية، وملف علاقات سورية مع الدول العربية وخصوصا الملفات الثلاث الأكثر تعقيدا وحساسية في ربع القرن الماضي، وهي ملف العلاقات السورية - الفلسطينية والعلاقات السورية - اللبنانية، والعلاقات السورية - العراقية.
ومنذ مجئ فاروق الشرع الى منصب وزير الخارجية في العام ،1984 نمت حساسيات وخلافات بينه وبين نائب الرئيس فيما يتعلق بسياسة سورية الخارجية، وهو ما تجسد عمليا في معارضة عبدالحليم خدام لمحتوى التقرير السياسي الذي قدمه الشرع عن السياسة الخارجية أمام المؤتمر القطري العاشر، وكان الموضوع اللبناني بين نقاط الاختلاف.
ولعب عبدالحليم خدام دورا مهما بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد، فعمل من أجل انتقال السلطة إلى بشار الاسد في العام ،2000 ثم قاد الحملة الرسمية والحزبية ضد الحراك الاجتماعي والثقافي الذي خاضه المثقفون السوريون من أجل الاصلاح في سورية في العام ،2001 وكان من نتائجه اعتقال النشطاء العشرة لما هو معروف بـ "ربيع دمشق".
والشخصية الثانية، هي العماد أول المتقاعد مصطفى طلاس، عضو القيادة القطرية رئيس اللجنة العسكرية في حزب البعث "في الرابعة والسبعين"، وهو أحد أهم الشخصيات السورية التي لعبت دورا مهما في المؤسسة العسكرية السورية منذ النصف الثاني من الستينات. اذ تولى رئاسة أركان الجيش السوري في الفترة التي تلت هزيمة يونيو/ حزيران 1967 خلفا للواء احمد سويداني الذي اعتقل، ووقف اللواء مصطفى طلاس - في حينها - الى جانب وزير الدفاع حافظ الاسد في مواجهة قيادة الحزب والدولة في أزمة العام ،1970 وصار عضوا في القيادة القطرية المؤقتة التي ولدت بعد الحركة التصحيحية. ومنذ العام 1971 تولى طلاس منصب نائب القائد للجيش والقوات المسلحة ووزير الدفاع في الحكومة السورية. ثم أضيف الى مسئولياته توليه منصب نائب رئيس الوزراء وعضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، وهي المناصب التي احتفظ بها حتى تقاعده العام الماضي بعد بلوغه السن القانوني والتمديد له مرتين بصورة استثنائية مرة من جانب الرئيس حافظ الاسد، وأخرى من جانب الرئيس بشار الاسد.
لعب العماد أول مصطفى طلاس دورا مهما في الفترة الانتقالية التي اعقبت وفاة الرئيس حافظ الاسد، فكان من موقعه في قيادة الجيش صاحب قرار ترفيع بشار الاسد الى رتبة فريق في الجيش، وقام بدور صلة الوصل مع قادة الوحدات العسكرية وكبار ضباط الجيش لاعلان ولائهم للرئيس الجديد.
ثالث الشخصيات السورية المقدر غيابها عن مسرح الحياة السياسية في سورية، هو عبدالله الاحمر عضو القيادة القطرية للحزب، ويتولى منصب الامين العام المساعد في حزب البعث، ويقوم باعمال الامين العام للحزب منذ وفاة الرئيس حافظ الاسد الذي كان يتولى هذا المنصب قبل وفاته، ولم يعقد بعدها مؤتمر قومي لانتخاب أمين عام للحزب.
وعبدالله الاحمر في الحادية والسبعين من العمر، وهو بين قدماء أعضاء الحزب، عمل في التدريس نهاية الخمسينات، وأصبح أمينا لفرع الاطراف في حزب البعث العام ،1964 وتنقل في تلك الفترة في عدة مناصب حكومية وحزبية، قبل ان يتولى بعدها مهمات أخرى، وانتقل في اواسط الستينات للعمل في الادارة الحكومية، قبل ان يتولى منصب محافظ حماة 1967 ثم ادلب العام .1969
كان عبدالله الاحمر بين أبرز الوجوه الحزبية التي وقفت الى جانب الفريق حافظ الاسد في صراعه ضد قيادة الحزب والسلطة في سورية، العام ،1970 وصار عضوا في القيادة القطرية المؤقتة بعد الحركة التصحيحية ،1970 ثم انتخب امينا قطريا للحزب في ،1970 ثم جرى انتخابه في المؤتمر القومي الحادي عشر العام 1971 عضوا في القيادة القومية، ومنها تولى منصب الامين العام المساعد للحزب، ومازال يتولى تلك المهمة.
قام الأحمر بدور مزدوج في السياسة السورية، جانب منه يتعلق بالسياسة الداخلية من خلال مشاركته في القيادة القطرية للحزب، وعضويته في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية التي اعلنت في العام 1973؛ والثاني من خلال منصبه في التنظيم القومي، اذ هو الى جانب منصبه كأمين عام مساعد، كان مسئول مكتب التنسيق والاتصال في القيادة القومية والذي يرتب علاقات الحزب مع المنظمات القومية والاحزاب العربية والاجنبية. وقد ساهم من موقعه في خدمة السياسة الخارجية لسورية طوال نحو ثلاثة عقود ونصف.
الشخصية الرابعة من الذين سيغيبون عن مسرح الحياة السياسة في سورية، زهير مشارقة عضو القيادة القطرية نائب رئيس الجمهورية في السابعة والستين من العمر. بدأ مشارقة حياته في السلك الحكومي نهاية الستينات بين وزارتي التربية والصناعة، ثم عين في العام 1973 محافظا لمدينة حماة، وجرى انتخابه عضوا في القيادة القطرية للحزب للعام ،1975 وبعدها وزيرا للتربية ما بين عامي 1978 و،1984 ليتم بعدها تعيينه في منصب نائب رئيس الجمهورية، ونائبا لرئيس الجبهة الوطنية التقدمية، وهو المنصب الذي كان يتولاه حتى حينها محمود الايوبي.
قام محمد زهير مشارقة بدور واسع في السياسة الداخلية سواء في المستوى الرسمي وخصوصا عندما كان محافظا لحماة ووزيرا للتربية، ونائبا للرئيس، كما قام بدور مماثل في مستوى العلاقة مع الاحزاب المتحالفة مع حزب البعث بوصفه نائبا لرئيس الجبهة الوطنية التقدمية الرئيس الراحل حافظ الاسد وبعده الرئيس بشار الاسد.
وخامس اعضاء القيادة القطرية المحتمل غيابهم عن مسرح الحياة السياسة، هو عبدالقادر قدورة رئيس المكتب الاقتصادي، وهو في السبعين من عمره، وبدأ حياته العامة في الجهاز الاداري الحكومي بداية السبعينات، قبل ان يتم اختياره عضوا في القيادة القطرية للحزب رئيسا للمكتب الاقتصادي العام ،1980 وجرى ضمه الى الحكومة التي تشكلت حينها في منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية.
غير ان التطور الاهم الذي طرأ على دور عبدالقادر قدورة في الحياة السياسية، كان في انتخابه رئيسا لمجلس الشعب السوري في العام ،1988 وقد بقي في هذا المنصب حتى الانتخابات البرلمانية في العام ،2003 ولم يعاد انتخابه لرئاسة المجلس واستعيض عنه بمحمود الابرش، فتفرغ مجددا لرئاسة المكتب الاقتصادي في القيادة القطرية لحزب البعث.
لعب قدورة خلال رئاسته لمجلس الشعب دورا مهما عند وفاة الرئيس حافظ الاسد، فعمل سريعا على تعديل الدستور السوري فيما يتعلق بسن المرشح للرئاسة من أربعين عاما الى أربع وثلاثين، وهي السن التي كان فيها بشار الاسد عندها، كما لعب دورا مهما في رفع الحصانة البرلمانية عن عضوي مجلس الشعب رياض سيف ومأمون الحمصي عندما طالبا باجراء اصلاحات سياسية في ربيع العام ،2001 الامر الذي سهل اعتقالهما ومحاكمتها والحكم عليها بالسجن خمس سنوات.
ربما كانت هذه الاسماء الخمسة هي الاهم بين أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث التي ستغيب عن واجهة الحياة السياسية، لكن ثمة أسماء أخرى ستغيب بينهم احمد درغام ووليدحمدون ومحمد مصطفى ميرو وابراهيم هنيدي وفاروق ابوالشامات، وباستثناء محمد مصطفى ميرو الذي تولى رئاسة الوزراء في الفترة الحرجة ما بين 1999 و،2003 فان البقية من اعضاء القيادة القطرية، لم يكونوا تحت الضوء وعلى الواجهة مباشرة، وغيابهم من المسرح قد لايكون ملحوظا بما فيه الكفاية، بل إن أحدا قد لا يتذكرهم في المستقبل
العدد 1013 - الثلثاء 14 يونيو 2005م الموافق 07 جمادى الأولى 1426هـ
ابتعد و لم يبعد
ابتعد منذ عام 1980
لقد كان بعثيا من الجذور و لم يكن حزبيا متسلقا ابدا .......
رحم الله ابو جابر ضمير و سنديانة البعث العتيد