العدد 1013 - الثلثاء 14 يونيو 2005م الموافق 07 جمادى الأولى 1426هـ

الحل: البناء العمودي والمجمعات السكنية وإشراك القطاع الخاص وقوانين تملك جديدة

منتدى "الوسط" يفتح ملف الأراضي في البحرين "الحلقة الثانية"

نستكمل اليوم الحلقة الثانية من الندوة الحوارية التي عقدها منتدى "الوسط" تحت عنوان "أزمة الأراضي في البحرين. .. إلى أين نسير"، ويواصل ضيوف المنتدى رجل الأعمال عادل المسقطي والاقتصادي خالد عبدالله والاقتصادي ابراهيم شريف ورئيس مجلس ادارة الشركة الخليجية العالمية للاستشارات حسين المهدي حوارهم بشأن هذه الازمة وابعادها واقتراح الحلول التي يمكن ان تقلل من تداعياتها... فكان هذا الحوار:

لقد شهدت اسعار الأراضي في البحرين ارتفاعا كبيرا خلال الاعوام الاخيرة. وبحسب تقرير اعده بيت الاستثمار العالمي "جلوبل" عن سوق العقار في البحرين. فإن أسعار الأراضي في منطقة السيف على وجه المثال ارتفعت من 9 دنانير للقدم المربع في العام 2001 الى ما يبلغ اقصاه 45 دينارا للقدم المربع الواحد في العام 2004 أي بزيادة بنسبة 400 في المئة خلال ثلاثة اعوام. هل يمكن أن نعتبر ان السماح للخليجيين بالتملك في البحرين هو السبب الرئيسي لهذه الزيادة الكبيرة في الاسعار من ناحية وتحكم مجموعة من المضاربين باسعار الأراضي من ناحية أخرى؟

- عبدالله: "نعم هناك مضاربات لكن هذا القانون زاد من حجم هذه المضاربات باعطائه الحق للمواطن الخليجي التملك في رقعة محدودة مثل البحرين. والهدف من هذا القانون هو تلبية مصالح فئة معينة من ملاك الأراضي لكي يحصلوا على كسب وافر من بيعها. في حين لم يؤخذ في الاعتبار المصلحة العامة بالنسبة إلى الناس. اليوم نجد ان نتيجة هذه المضاربات اصبح الاقتصاد البحريني يقترب من نمط الانتاج الاقطاعي بحيث ان تكون الأرض هي المصدر الاساسي للثروة. الواقع لقد شاهدنا مراحل من الاقتصاد الريعي بالنسبة إلى البحرين وخصوصا مع الطفرة النفطية في البلاد ورأينا مع هذه المراحل حركة الأسهم وتأسيس شركات ضمن انماط الدخل الريعي ونظام الوكالات على شكل امتيازات وأصبحت ايضا مصدرا من مصادر الثروة. وبعدها جاءت مشكلة "الفري فيزا" التي أصبحت هي الأخرى مصدرا للثروة والآن أصبحت الأراضي احدى الآليات الرئيسية لتحقيق الدخل الريعي. جميع هذه القضايا تدخل ضمن المشكلة الاساسية وهي ادارة الأراضي والتي تسهم بها الى حد كبير غياب الشفافية وغياب رؤية المصلحة الوطنية".

ويضيف عبدالله: "من ضمن القضايا التي ترتبط بمشكلة الأراضي سواء توفرت أو لم تتوفر هي ما يخص الجانب الاستثماري إذ تفتقر الأراضي لخدمات البنى التحتية لذلك تبدو هذه الأراضي وان توفرت خارج نطاق الاستثمار لعدم توفر الخدمات اللازمة لها. ايضا قضية السواحل البحرية وافتقاد البحرين للساحل على رغم انها جزيرة. فعلى سبيل المثال هناك خمس شركات ترغب في بناء خمسة فنادق من الدرجة الاولى وخلال العشرة اعوام الماضية لم تستطع هذه الشركات الحصول على ساحل لاقامة هذه الفنادق. هذه المشكلات تشير أيضا الى وجود قضية مهمة الا وهي رسم خط الساحل وهناك قصص كثيرة عن تحديد خط للساحل وبقدرة قادر يتم تمديد هذا الخط لمساحات أخرى باتجاه البحر. للأسف ان مسألة ادارة الأراضي قضية حيوية ولكن لم يتم التعامل معها حتى الآن بصورة جدية. الآن هناك محاولة لاقامة التخطيط العمراني من قبل شركة اجنبية لكن هذا لا يكفي ما لم يرافق التخطيط قرارات وآليات وسيادة قانون بشكل يصون هذه الأراضي ويحافظ عليها وينظر بنظرة افق لبناء بلد له تطلعاته المستقبلية تبقى هذه المحاولة كالمحاولات السابقة من دون فائدة".

- مهدي: "في ورشة عمل قدمت مؤسسة "ماكينزي" مقترحا يفيد بوجوب تطبيق نظام لادارة الأراضي والعقارات وفق افضل الممارسات الدولية من خلال تأسيس هيئة موحدة للأراضي أي ضم وظائف التخطيط في هيئة واحدة تختص بالأراضي والعقارات وتكون مسئولة عن وضع الاشتراطات التنظيمية وفق مخطط عمراني متكامل ومرن ووضع القواعد والإجراءات الواضحة للتطبيق أي تأسيس قاعدة بيانات لملكية الأراضي متوافرة لعامة الجمهور. ووضع الآليات الحكومية لتوزيع الأراضي وفق اطار مؤسسي مثل مزادات الأراضي ومزادات المشروعات وعدم منح استثناءات للاشتراطات التنظيمية الا وفق قواعد محددة سلفا وتطبيق بنود جزائية في حال مخالفة الاشتراطات التنظيمية للتعمير. وتعزيز الشفافية بمعنى قيام الهيئة المختصة بتوزيع الأراضي بجمع وتحليل البيانات والمؤشرات اللازمة لرصد سوق الأراضي والعقارات وتوفير المعلومات المتعلقة بمؤشرات السوق لعامة الجمهور".

ويضيف مهدي: "الحقيقة ان هناك زيادة خيالية باسعار الأراضي حتى أصبحت ليس ضمن مقدرة المواطن. وبحسب أرقام رسمية تم نشرها تفيد بأن قيمة الأراضي المتداولة ارتفعت منذ العام 2002 الى 2004 بنسبة 74 في المئة من مئتي وستة أربعين مليونا الى اربعمئة وواحد وثلاثين مليونا. اما عدد المعاملات المتداولة فقد ارتفعت من 14 الف معاملة الى 16 الف معاملة. اذا هناك زيادة في عدد المعاملات تصل الى 10 في المئة. وبالعودة الى سلم الرواتب نجد ان 80 في المئة من سكان البحرين لا يملكون مبالغ لشراء اراض. والطلبات التي تقدمت للحصول على سكن تصل نسبة من يتقاضون رواتب اقل من 150 دينارا بحرينيا بينهم الى 24 في المئة. في حين ان 60 في المئة من أصحاب الطلبات تتراوح رواتبهم بين 150 دينارا و350 دينارا. اذا جميع الأرقام تشير بشكل واضح إلى مشكلة حقيقية تواجه البحرينيين بالنسبة إلى الأراضي".

- عبدالله: "الواقع ان جميع المعطيات التي تحدثنا بها تشير الى وجود مشكلة في الأراضي سواء بغرض السكن أو الاستثمار. وللأسف حتى الآن في البحرين لا يوجد لدينا سوق متكاملة للعقارات وحتى العرض والطلب مشوه لعدم وجود شفافية لذلك تبقى المسألة يتحكم بها مجموعة من "السماسرة" الى جانب توفر المعلومات عن الأراضي لدى فئة قليلة من المتعاملين في سوق الأراضي".

- شريف: "لا اعتقد أن دخول الخليجيين وحده هو من أسهم في زيادة أسعار الأراضي في البحرين. فالخليجيون الذين يملكون أراضي أو عقارات في البحرين لا تتعدى نسبتهم 10 في المئة. ولكن بحكم أيضا توفر السيولة في البحرين إذ لأول مرة تشهد موازنة الدولة هذا الفائض وكذلك ارتفاع أسعار الأسهم على مستوى دول الخليج إذ زادت بنسبة 300 في المئة أيضا الأراضي في بعض دول الخليج ارتفعت أسعارها. اعتقد أن السبب الرئيسي هو توفر سيولة باليد إذ تتوفر ثروة كبيرة لدى عدد قليل من الناس. أيضا بعد حوادث سبتمبر/ أيلول 2001 الكثير من الثروات الخليجية عادت إلى المنطقة بسبب وجود مخاوف حقيقة من مصادرتها وهذه العودة تزامنت مع ارتفاع أسعار النفط. لذلك يمكن اعتبار ان هذه الزيادة في اسعار النفط حاليا تشكل الثورة الثالثة بعد الثورتين اللتين شهدناهما خلال الثلاثين عاما الماضية واولها ثورة اسعار النفط اثناء وبعد حرب أكتوبر في منتصف السبعينات والثانية مع الثورة الإسلامية في إيران والثورة النفطية الحالية التي وصلت بها أسعار النفط هذا العام إلى 55 دولارا أميركيا".

- مهدي: "على رغم ان هناك زيادة في اسعار النفط فإن الموازنة المخصصة لوزارة الاشغال والاسكان تبلغ 11 في المئة من اجمالي العائدات. باعتقادي ان هذا الرقم قليل مقارنة بزيادة الايرادات التي زادت بنسبة 100 في المئة خلال الفترة التي مضت. ايضا موضوع السيولة النقدية لم تؤثر فـقط على اســــعار الأراضي بل ايضا على القوة الشرائية . فالبحرين حسب أرقام صندوق النقد الدولي ولاول مرة ترتفع فيها معدلات التضخم من 1,2 الى 4,9 نظرا لوجود سيولة ولم تستثمر الا في العقارات".

لماذا نتحدث عن الارتفاع في أسعار الأراضي كما لو انه ينحصر في البحرين، أليست هناك دول خليجية أخرى شــهدت ارتفـــاعا في أســـعار الأراضي ومنها دولة الإمارات على وجه المثال؟

- شريف: "اعتقد ان المشكلة الاساسية ليست في الارتفاع فقط، وانما في الشكل الذي تم التعامل من خلاله للحصول على أرض. فخلال الثلاثين عاما الماضية كان هناك استحواذ على الأراضي من خلال وضع اليد على أرض ما واقامة جدار حولها وبعدها يتم الحصول على وثيقة الملكية. ايضا القوانين التي لم يتم تفعيلها بخصوص موضوع الدفن وخير مثال خليج توبلي الذي كانت مساحته تصل قبل 50 عاما الى 25 كم مربع، الآن أصبحت مساحته لا تتجاوز 11 كم مربع. والآن كلما صدر قانون لحماية خليج توبلي زادت عمليات الدفن خوفا من ان يطبق القانون فيما بعد. لو اخذنا الأراضي البحرية فسنجد ان البحرين قامت بدفن نحو 60 كم مربع منذ فترة السبعينات حتى الآن. ولو قلنا ان 20 كم مربع تم بيعها أو اقيمت عليها خدمات اسكانية حكومية وان 20 كم مربع خصصت لاغراض خدمية مثل الشوارع والخ فعلى الأقل هناك 20 كم مربع تم توزيعها على اناس معينين، ولو قمنا بعملية حسابية فسنجد ان قيمة الأراضي التي وزعت تصل الآن إلى الفي مليون دينار بحريني.

اما الأراضي البحرية التي لم تدفن وهي تصل الى مئات الكيلومترات نجد اننا نتكلم عن ارقام فلكية وهذا ما يجعل الوضع اشبه بالنظام الاقطاعي، إذ إن الثروة في الأراضي تعني ان قيمة الأراضي التي وزعت في البحرين - بحسب تقديري - لا تقل قيمتها عن 20 بليون دينار وهذا الرقم لو قارنه فسنجد انه اكبر من موازنة الدولة".

- المسقطي: "بلاشك هناك مشكلة وأسبابها ما ذكرته وذكره المتحدثون هنا. وعلى وجه المثال ان هناك اموالا كثيرة عادت من الخارج ولكن لم يتم استغلالها في الاستثمار الصناعي أو غيره وانما في شراء الأراضي أو شراء الأسهم. ما اود ان اؤكده ان العقار والتطور الذي تعرضت له البحرين لم يقتصر على البحرين وحدها بل تعرضت له مختلف دول الخليج. وجميع دول الخليج ارتكبت الخطأ نفسه وعلى وجه المثال هناك عاصمة خليجية لم تسمح للمواطن بالتملك فيها الا قبل عدة شهور وهذا ادى الى حدوث مضاربات كبيرة في اسعار العقار في هذه العاصمة. جميع النقاط التي ذكرت تشير الى هذه المشكلة ولا نريد ان نبقى نتباكي على اللبن المسكوب، والسؤال الآن: ما الحلول المستقبلية لهذه المشكلة؟ الــخوف ان نبـقى نتــحدث عــن ان الأراضي أخذت بغير حق ونتوقف عن الحلول. لابد من ايجاد قوانين مفعلة وواضحة لحل هذه المشكلة. والطرح الذي جاء في ورشة العمل التي اقامها مجلس التنمية الاقتصادي والحلول التي اقترحتها ماكينزي كانت منطقية الى حد كبير من خلال الهيكلة والتوجه الى البناء العمودي كحل منطقي امام قلة الأراضي المتوافرة".

- شريف: "هناك حاجة كبيرة لتحديد المناطق وخصوصا اذا اخذنا في الاعتبار ما يحدث في قرية المعامير إذ تعرض الكثير من اهاليها للاصابة بامراض مختلفة نتيجة لقرب هذه القرية من منطقة صناعية".

كيف يبدو تأثير مشكلة توافر الأراضي وارتفاع اسعارها امام المصنعين من القطاع الخاص. هذا بالاضافة الى ان هناك توجها نحو دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة كاحد روافد الاقتصاد المهمة بحكم قدرتها على امتصاص البطالة؟

- المسقطي: "طبعا هناك مشكلة كبيرة ولكنها تصبح مضاعفة في غياب الهيكلة فعندما يقوم المصنع باستئجار أراض من المنطقة الصناعية تعود الأرض بعد 20 عاما بما عليها الى الوزارة، ولو قام صاحب هذا الاستثمار بجمع ما قام بدفعه طيلة 20 عاما لوجد ان هذه المبالغ التي دفعها طيلة هذه الاعوام قادرة على شراء أرض واقامة استثماره عليها بشكل أفضل. اذا هناك مشكلة في غياب الهيكلة التي لو كانت موجودة وتوافرت الخدمات الجيدة في المنطقة الصناعية لذهب المصنعين إلى المناطق الصناعية. ولكن للأسف ان الكثير من المناطق الصناعية تفتقر الى الخدمات. فاي مستثمر صناعي يرغب بإقامة استثماره في مناطق صناعية لا تتوافر بها المياه أو الكهرباء مثلا أو ان يطلب من المستثمر ان يوفر هذه الخدمات على نفقته الخاصة. هذه هي احدى الأسباب التي دفعت الناس إلى إقامة صناعاتها خارج المنطقة الصناعية. ولو قارنا المناطق الصناعية الموجودة في البحرين بمناطق صناعية موجودة في المملكة العربية السعودية لوجدنا فرقا شاسعا من حيث مستوى الخدمات. لذلك لابد من توفير خدمات البنى التحتية قبل الترويج للاستثمارات".

ويضيف المسقطي: "اعتقد اننا استبقنا الخطوات عندما توجهت البحرين نحو دفن البحر للحصول على أراض وبأسعار مرتفعة على رغم ان دراسة ماكينزي تؤكد ان 50 في المئة من أراضي البحرين هي أراض خالية".

عبدالله: "للاسف لا توجد آلية لتنفيذ القوانين التي تصب في استغلال مساحات الأرض المتاحة لاغراض السكن. فعلى رغم صدور قانون لتمليك الشقق فإنه حتى الآن لم يفعل ولا توجد لوائح لتنفيذ هذه القوانين".

معظم البحرينيين يفضلون شراء بيوت أو فلل مستقلة ولا يذهبون للاقتراض من اجل امتلاك شقة. والفئات التي تسكن الشقق حاليا في البحرين حصلت عليها من وزارة الاسكان نظير مبلغ شهري قليل نسبيا وبعضهم ينظر الى الاقامة بهذه الشقق كوضع مؤقت. هل تعتقدون ان تفعيل قانون تمليك الشقق سيجعل البحريني يتجه نحو الاقتراض من اجل شراء شقة كما يحدث في دول عربية اخرى؟

- شريف: "طبعا فيما لو توافرت شقق بتصاميم جيدة وباسعار تناسب اصحاب الدخل المحدود فسيتجه الناس الى شرائها، وتجربة الانتظار للحصول على شقق الاسكان خير مثال على تقبل الناس الاقامة في شقة".

- المسقطي: "لا اعتقد ان امام الناس على المدى البعيد الا الاتجاه نحو البناء العمودي والاقامة في شقق امام التزايد في عدد السكان والمتطلبات المعيشية".

برأيكم. ما الاولويات لايجاد حل لمشكلة حصول المواطن على السكن وخصوصا بعد كل ما طرح بشأن ازمة الأراضي؟

- المسقطي: "عندما تكون هناك قوانين توضح الملكية فأعتقد ان الوضع سيتغير الى الأفضل بشكل كبير... اذا لابد من الهيكلة".

- شريف: "لابد من الشروع باقامة مشروعات اسكانية وباحجام معقولة مع توفر مصارف عقارية تدعم هذه المشروعات".

- مهدي: "اعتقد انه لابد للقطاع الخاص من ان يلعب دوره في حل مشكلات السكن على ان تقوم الدولة بتوفير كل التسهيلات امامه".

- عبدالله: "اتفق مع ضرورة ان يلعب القطاع الخاص دورا في حل هذه المشكلة ولكن المصارف التي تقوم حاليا بالتمويل لا تتفق مع قدرة المواطن البحريني على السداد. لذلك لابد من تطوير عمليات التمويل إذ تتولى المصارف تمويل وتطوير المشروعات الاسكانية"

العدد 1013 - الثلثاء 14 يونيو 2005م الموافق 07 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً