العدد 1012 - الإثنين 13 يونيو 2005م الموافق 06 جمادى الأولى 1426هـ

الحرب الأهلية السلمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أحدثت نتائج انتخابات جبل لبنان هزة سياسية في البلاد. فالحرب التي وصفت بـ "أم المعارك" أسفرت عن تعادل القوتين الأساسيتين: وليد جنبلاط من جهة وميشال عون من جهة أخرى. المعركة ليست بسيطة في إشاراتها السياسية فهي أعادت إنتاج عناصر "الحرب الأهلية" التي تأسست سابقا على قاعدة استقطابات طائفية بدأت بانتخابات 1972 وانتهت إلى كارثة أطاحت بالصيغة اللبنانية التوافقية في العام .1975 فبين الانتخابات والحرب ثلاث سنوات من التوتر الأهلي - السياسي.

الأحد الماضي تكرر مشهد .1972 فالمعارضة اللبنانية "المسيحية المعتدلة" سقطت في مواجهة التطرف المسيحي الذي قاده عون بشعارات وطنية وإصلاحية وتغييرية. والمعارضة اللبنانية "المسلمة المعتدلة" فازت في مواجهة تحالفات عون التي صاغها في إطار ملتبس مع رموز المرحلة السابقة.

"أم المعارك" انتهت إذا إلى تأسس عناصر سياسية لحرب أهلية مقبلة تنتظر الظروف الإقليمية والدولية لاشعالها عسكريا. الحرب بدأت فعلا بالسياسة وهي أقرب إلى حرب أهلية سلمية "باردة" ويرجح إذا استمر الضغط الدولي - الإقليمي على لبنان أن تتحول فجأة إلى حرب ساخنة لا يعرف أين ستستقر وتنتهي تداعياتها.

ما حصل في انتخابات جبل لبنان كان إشارة سريعة وبالغة الأهمية لما يتوقع له أن يحصل مستقبلا إذا لم تتدارك القوى الفاعلة على الأرض انسياب التطرف وانطلاقه مجددا من كل الطوائف.

ما ذكره جنبلاط وعبر عنه من مخاوف ليس كلاما انفعاليا جاء كرد على سقوط أصحابه في الجانب الآخر، وإنما هو محاولة سريعة لا ستحضار تاريخ لبنان الحديث للاستفادة من دروسه وتجاربه.

ظاهرة عون شعبوية وهي في جوهرها طائفية حتى لو تحدثت بلغة "لبنانية". فكل الطوائف في لبنان تتحدث بلهجات وطنية وإصلاحية وتغييرية وتحديثية وانمائية من الشمال إلى الجنوب ومن بيروت إلى البقاع مرورا بالجبل. فالكل يتحدث باللغة نفسها وأحيانا يستخدم المفردات والدلالات والإشارات والمصطلحات ذاتها. إلا أن واقع الأمر يختلف عن الخطاب السياسي. فتحت "الكل" تتحرك تلك "الأجزاء" في المناطق حاملة معها اللون الطائفي - المذهبي الذي تتألف منه الغالبية السكانية لهذا القضاء أو تلك المحافظة.

وهذا ما حصل في "أم المعارك". فالجزء الجنوبي من جبل لبنان يتألف من غالبية مسلمة "درزية، سنية وشيعية" وهذا الجزء تحالف مع الكتائب والقوات اللبنانية تحت بند المشاركة والمصالحة وفازت لوائحه "جنبلاط" بكل المقاعد "مئة في المئة".

اما الجزء الشمالي من الجبل فيتألف من غالبية مسيحية "موارنة، ارثوذكس، كاثوليك وأرمن" وهذا الجزء قاد معركة تحطيم المعارضة المسيحية المعتدلة التي طرحت شعارات المشاركة والمصالحة ومد الجسور مع المسلمين والمحافظة على مفاعيل مظاهرة 14 مارس/ آذار "المليونية" الوطنية. وكانت النتيجة فوز التطرف "مئة في المئة" الذي تأسست عناصره على بيان "مجلس المطارنة الموارنة" على الاعتدال المسيحي وكل ما طرحه من أفكار "لبنانية" في مناسبة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

هزيمة الاعتدال المسيحي في "أم المعارك" أعاد إنتاج عناصر الحرب الأهلية السلمية وقطع الطريق على نمو ذاك التواصل الذي تأسس سابقا على قاعدة الاتفاق على السيادة والحرية والاستقلال وإخراج القوات السورية من لبنان. فالهزيمة التي طاولت الجناح المسيحي من المعارضة اللبنانية مقابل فوز جزء من الجناح المسلم من تلك المعارضة قصم ظهر مظاهرة 14 مارس وأعاد المياه إلى منابعها الأصلية "المناطق، المذاهب والطوائف".

ما حصل في "أم المعارك" ليس مسألة طارئة. ودلالات النتائج تشير إلى مخاطر كثيرة تبدأ من أن "الفكرة اللبنانية" ضعيفة أمام قوة الأفكار الطائفية. وتنتهي بضعف الاعتدال اللبناني وعجزه عن اختراق المناطق والطوائف. وكذلك - وهذا هو الاخطر - لا نصيب للاعتدال من النجاح في داخل كل طائفة. فالمعتدل يخسر وكذلك اللبناني يخسر، بينما الفائز دائما هو الطائفي والمتطرف الذي يستفز العصبيات والغرائز.

الكلام عن حرب أهلية سلمية ليس تهويلا وانما هو نتاج تجارب سابقة أودت بالكثير من العناصر التوحيدية ورفعت مكانها قوى تقسيمية متطرفة. الحرب الأهلية عادة لا تبدأ فورا وانما تتأسس على عناصر سياسية تمهد الطريق إلى المواجهة العسكرية. وانتقال الحرب الأهلية من السلم والموادعة إلى العنف والاقتتال يحتاج دائما إلى وقت. وهذا ما يجب على القوى الفاعلة على الأرض تداركه قبل فوات الأوان. وهذه مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1012 - الإثنين 13 يونيو 2005م الموافق 06 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً