حضور وفد بحريني إلى منتدى دافوس في البحر الميت ما بين 20 و22 مايو/ أيار الماضي نتج عنه الالتقاء بالمسئولين عن قياس القدرة التنافسية وإصدار التقارير الدولية والإقليمية التي ذكرت ان البحرين تحتل المرتبة الثامنة والعشرين عالميا والثالثة عربيا، وتم الاتفاق على عقد ندوة في البحرين ينظمها المجلس الوطني للتنافسية "الذي بدأ نشاطات تأسيسه منذ نهاية مارس/ آذار الماضي" بالتعان مع مجلس الاعمال العربي والمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفعلا اكتمل الاتفاق بعد ان أعلن المجلس الوطني للتنافسية قبل عدة أيام تنظيمه ورشة عمل عن قياس التنافسية الوطنية في 21 الجاري لمدة يوم واحد في فندق الخليج "من العاشرة صباحا حتى السادسة مساء"، بهدف توضيح الدور الذي سيلعبه المجلس في مساندة الاستراتيجية الاقتصادية البحرينية التي يتم طرحها والاتفاق بشأنها حاليا، وطرق الاستفادة من التجارب الناجحة في المنطقة والعالم، بالإضافة الى توجيه الجهود بحسب الضوابط المعترف بها على المستوى الدولى.
التنافسية هي القدرة التي يمتلكها الاقتصاد الوطني لكي يطرح منتجاته وخدماته بمستوى راق يتمكن من خلالها ان ينمو ويرفع مستوى المعيشة للمواطنين. والتنافسية على المستوى الوطني لها محركات عدة، منها هيكلية القطاعات الاقتصادية ودور القطاع الخاص فيها، ومهارات قوة العمل، والاخلاقية المهنية، وثقافة المجتمع، والتطور التكنولوجي، والبيئة الحميمة للاستثمار المحلي والاجنبي وغيرهما. هذه المحركات الاساسية تحدد مدى تنافسية منتجات وخدمات هذا البلد أو ذاك مقارنة مع أفضل المستويات المطروحة عالميا.
الحديث يدور حاليا بشأن صوغ الاستراتيجية الاقتصادية للبحرين، ومجلس التنمية الاقتصادية بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد ان حصل على الدعم المباشر من جلالة الملك، الذي أصدر مرسوما ملكيا في الشهر الماضي لتوسيع صلاحياته، وبالتالي تحويل المجلس من هيئة استشارية إلى وكالة تنفيذية ذات قرارات الزامية.
ولذلك فإن من المنطقي ان تتحرك مجموعة من الاختصاصيين لقياس التنافسية ومدى إمكان الرؤية الجديدة الصعود بمستوى البحرين من خلال دعم محركات النمو المستديم. ولكي يختلف الأمر عن الماضي فإن التدقيق على الأداء الاقتصادي البحريني يجب ان يكون مستقلا ويجب أن يحظى باحترام الجهات الرسمية المحلية والدولية.
الورشة التي ينظمها المجلس الوطني للتنافسية ستكون بإشراف منتدى دافوس، وهو أفضل مؤسسة دولية لتدريب القدرات التخصصية من أجل قياس التنافسية الوطنية. ومن خلال قياس التنافسية - بصورة مستقلة وموضوعية وبناءة - يمكن للبحرينيين ان يعلموا مدى ملاءمة الاستراتيجية الجديدة لتحقيق الرؤية التي نتمناها جميعا لبلادنا، وهي ان تحتل مكانتها المناسبة لها، وان ينمو اقتصادها بشكل متواصل، وفي الوقت ذاته يصعد مستوى معيشة المواطن إلى المستوى الذي يليق ببلد اسمه البحرين.
إن قياس التنافسية هو جهد في غاية التعقيد، ويحتاج إلى الدعم المستمر من مؤسسات كبرى مثل منتدى دافوس ومجلس الأعمال العربي، ومن الهيئات الوطنية المعنية لكي يتمكن المجلس الوطني للتنافسية من أداء دوره بشكل يختلف عما هو مطروح حاليا. ففي الوقت الحالي لا توجد تقارير وطنية مستقلة بشأن الاقتصاد البحريني، ولا توجد معلومات دقيقة تحدد الخلل وكيفية معالجته، وهذا هو السبب الذي اضطر بيوت الخبرة التي استعان بها مجلس التنمية في الفترة الأخيرة الى الاعتماد على التخمين في بعض الأمور لأن الجهات الرسمية أو الأهلية لم تكن في يوم من الأيام معنية بطرح أسئلة دقيقة والإجابة عليها بدقة.
ان الصعود بالاقتصاد الوطني لم يعد مهمة حكومية، وهذا الحديث مطروح دوليا والبلدان التي تنمو هي تلك التي تخلت فيها الحكومة عن ادارة الاقتصاد وسلمت أكثر من ثلثيه إلى القطاع الخاص، بينما احتفظت بدورها كمنظم محايد للضوابط التي تستهدف منع الاحتكار ومنع الفساد وحماية الفئات الضعيفة في المجتمع.
وعليه، فإن المجلس الوطني للتنافسية أمامه تحديات حقيقية لكي يثبت انه ليس هيئة أخرى تضاف إلى الهيئات التي تأسست في البحرين وكثير منها مات في الولادة. ولعل البداية القوية التي بدأها المجلس تؤهله لأن يلعب دورا مختلفا، وذلك من خلال استقلاليته في الأداء، ودعمه للإصلاح الاقتصادي، ونفوذه مع الهيئات الدولية والإقليمية "مثل منتدى دافوس ومجلس الأعمال العربي" ونفوذه داخل البحرين عبر علاقته بمجلس التنمية الاقتصادية وغرفة تجارة وصناعة البحرين والهيئات المعنية الأخرى.
إن تحقيق الرؤية الاستراتيجية للاقتصاد البحريني يحتاج إلى الحماس ويحتاج إلى القدرات البحرينية المدعومة بخبرات رفيعة المستوى، ومن خلال ذلك نستطيع ان نتفحص بأنفسنا ما إذا كنا قادرين فعلا على خلق ودعم وتطوير بيئة تنافسية من خلال قياس ملاءمة القوانين، والقواعد المعمول بها لتسيير الأعمال والمؤسسات، والشفافية، وغير ذلك من العوامل التي تحتاج إلى الصدقية في عرض الحقائق والقياسات من خلال تقرير وطني يحدد لنا نجاحاتنا واخفاقاتنا، وهذه مهمة جليلة يدفع باتجاه تحقيقها المجلس الوطني للتنافسية من خلال ورشته المتخصصة التي سيعقدها في 21 من الشهر الجاري، والتي ستوضح لنا مفاهيم القدرة التنافسية، ومؤشراتها، ومصادرها والمؤسسات والسياسات التي تدعمها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1012 - الإثنين 13 يونيو 2005م الموافق 06 جمادى الأولى 1426هـ