العدد 1011 - الأحد 12 يونيو 2005م الموافق 05 جمادى الأولى 1426هـ

لا مناحة في ساعة الصراحة!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

الوطن يعيش فوق صفيح ساخن، وفي كل يوم هناك محاولات للتهدئة من الأطراف العاقلة والمتعقلة على ضفتي الوطن، وفي الوقت ذاته هناك من يصر على تأجيج الأمور، ويسعى جاهدا لصب الزيت على النار، لأنه يريدها أن تستعر ويزداد لهيبها، فيتطاير الشرر ليحرق كل ما تبقى من وحدة الوطن والعلاقات الإنسانية بين المواطنين.

والحقيقة التي يعتقدها البعض وهما، هي أن أحدا لا يستطيع أن يلغي الآخر في هذه البلاد، وسواء كان هذا الآخر هو من نختلف معه كليا أو جزئيا في موضوع واحد أو موضوعات شتى، إلا أن اللافت للنظر هو أن معظم الفرقاء قد وصلوا إلى هذا التصور منذ أمد بعيد، وعلى رغم ذلك لم يجدوا حاجة إلى تأطير ذلك التصور ووضعه في صيغة عملية يمكن التعاطي معها حتى الآن.

ترى، هل من المناسب أن ننصب مأتما للنوح والبكاء، ثم نعمد إلى تغيير أو إخفاء الأسماء وتبادل الأدوار والاتهامات وإلقاء المسئوليات، والسعي إلى تصوير أنفسنا كملائكة السماء الذين لم يخطئوا أبدا، منذ أعلن إبليس عن عصيانه الأول والأخير، ثم توعد بأن يعمل على غواية جميع عباد الله بلا تمييز ولا تفرقة؟

إننا بحاجة إلى مصارحة من نوع آخر، مصارحة لا تنقصها الصراحة ومكاشفة لا تبتعد عن الشفافية، تركز على الإجابة على الأسئلة الملحة، من قبيل من يمتلك المفتاح السحري لحل المشكلات التي نعاني منها؟ وقبل ذلك الإجابة على سؤال: هل هناك مفتاح سحري لهذه المشكلات أصلا؟

إلى أين تسير بنا المسيرات والمظاهرات والاعتصامات بعد أن أصبحت تقليدا اعتياديا، يتنقل من مكان إلى آخر كل يوم؟ هل سدت أبواب الحوار مع الحكومة إلى الأبد؟ هل استنفدنا جميع وسائلنا ولم يبق أمامنا إلا الخروج للشارع كل يوم؟ وما المحصلة التي تحققت من التحركات والحشودات الجماهيرية حتى الآن؟

هل يمكن النظر إلى هذه التحشدات والتحركات من الزاوية الأخرى؟ بمعنى هل هذه الحشود والمسيرات التي تخرج كل يوم تصب في مصلحة الحكومة بشكل أو بآخر؟ هل تعتبرها المنظمات الدولية ظاهرة صحية تثبت مدى تمدن الحكم في بلادنا كما تعبر عن تسامحه الكبير، ووفائه بالمعايير العالمية في حرية الرأي والتعبير؟ وهل يمكن أن تضاف إلى رصيده السابق في تبييض السجون وإغلاق المعتقلات وعودة المنفيين السياسيين، وإتاحة الفرصة لهم لممارسة حقوقهم في الاعتراض والتنظيم والتظاهر، والمشاركة في الاحتجاجات العلنية، وتوجيه الانتقادات الحادة إلى ممارسات الحكومة، وطريقتها في إدارة مختلف شئون الدولة.

من جهة أخرى، هل أن هذه المسيرات والاعتصامات بعد أن تحولت إلى "ماركة تجارية مسجلة" يمكن أن تتحول إلى أداة تنفيس لغضب الشارع والاحتقانات التي تتصاعد فيه كل يوم؟ كيف يكون شعور المواطنين المشاركين في هذه الفعاليات؟ هل يشعرون بأنهم قاموا بالواجب؟ هل يشعرون بأنهم بعد أن تظاهروا، قد أدوا ما عليهم تجاه الوطن؟ ثم يعودون إلى وظائفهم أو لا وظائفهم كالمعتاد في اليوم التالي؟

أذكر أن الاستماع إلى قصائد بعض الشعراء السياسية وهي تصب جام غضبها على الحكومات والحكام والأنظمة، كانت تشعرنا بأننا انتقمنا من الحكام الذين نكرههم، وكانت قصائد مظفر النواب الحماسية تفرغ كثيرا من الشحنات الحماسية الساكنة في أعماقنا، بل إننا كنا نطرب له وهو يكيل السباب والقذف إلى بعض الحكام ويمرغ أنوفهم في الأرض، كما نعتقد!

نتصوره وهو يتلو بيانه السياسي على هيئة قصيدة بعنوان "القدس"، فيقول: "القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها، ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها، وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفا فما أشرفكم أبناء... الفاعلة، هل تسكت مغتصبة؟". ثم يواصل تحريضه لنا ويبالغ في السب والقذف حتى يصل إلى شتم كل الحكام العرب، وبعد أن يفرغ من ذلك نعود للواقع فنجد أن الحكام في مواقعهم وأنهم قد توارثوا وورثوا مقاعدهم وكراسي الحكم إلى أبناء أبنائهم، ليس في الأنظمة الملكية والسلطنات العربية فقط، ولكن حتى في الجمهوريات التي تتبنى أنظمة الحكم الديمقراطي!

لكن الاكتشاف الأعظم هو الذي نصحوا على وقع طبوله منذ أمد بعيد تجاوز أكثر من نصف قرن، ولايزال الاحتلال الصهيوني الغاشم جاثم فوق تراب القدس، متربع فوق صدور أبنائها يعيث فيهم قتلا وتعذيبا وتشريدا، يضعهم في المعتقلات وقت يشاء، ثم يخرجهم منها بمبادرات وصفقات تسوية ومصالحة وانفراجات، حتى إذا احتاج إلى تقديم دليل حسن نوايا أخرى أعاد اعتقالهم ليطلقهم مرة أخرى، والقدس على حالها ترزح من الألم.

ترى، هل نحتاج إلى مقارنة أخرى، أم نحتاج إلى قراءة أخرى يعيد فيها السياسيون حساباتهم، ويتنازلون فيها قليلا عن الكبرياء المخادع الذي يغطون به وجه الحقيقة، يغادرون فيه مواقعهم المتمرسة خلف رغباتهم بأن يؤجلوا مواجهة الاستحقاقات الحالة حالا، إلى أوقات أخرى قد تكون الظروف فيها مواتية بصورة أكبر؟

أعتقد أن جميع الأطراف والفرقاء السياسيين مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتقديم جردة حساب للشعب في مملكة البحرين، وخصوصا عن السنوات الثلاث الماضية، لأن الشعب فيها ذاق الأمرين، فهو واقع بين مطرقة المعارضة وسندان الحكومة، وبكل تأكيد فإن المطرقة كما هي والسندان على حاله، لكن الشعب يعتصر كل يوم ويدفع ثمنا باهظا.

هل تجلس الحكومة والقوى السياسية المختلفة معها على طاولة الحوار من جديد؟ هل تكف الحكومة عن التعامل مع المعارضة بأذن من طين وأخرى من عجين؟ هل يمكن أن نشهد نهاية لحوار الطرشان الذي يدفع ثمنه الناس منذ ثلاث سنين؟ هل هناك مجال للبحث عن حلول أخرى بعيدا عن الاعتصامات والتظاهرات، والتهديد باللجوء إلى الخارج؟

ماذا نستفيد من هذا السجال المستميت بين المعارضة والحكومة في الساحات الدولية؟ هل سيقتنع طرف بحجج الطرف الآخر بعيدا عن الميدان الرئيسي؟ أذكر أن الاحتجاجات العمالية والمطالبة بالاعتراف بالحقوق العمالية قد وصل إلى طريق مسدود في الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها منظمة العمل الدولية، ومنظمة العمل العربية، فما كان من وزير العمل البحريني في نهاية حقبة السبعينات، إلا أن طلب من ممثل العمال أن يثبت وجود اتحاد عمال البحرين على الأرض في البحرين وليس في الخارج، وعندها لم يتأخر العمال في إرسال مندوب من طرفهم يمثلهم ويطلب مقابلة الوزير في البحرين، فأسقط في يديه.

لكننا الآن لا نحتاج إلى إثباتات، فلقد انتهت فترة اختبارات القوة واستعراض العضلات داخليا وخارجيا، واصبح واضحا لدى الجميع أن الأطراف كافة تمتلك وسائل اتصال وعلاقات عمل وعلاقات عامة تستطيع أن توظفها لصالحها، وأن كل طرف لديه من الأسانيد والحجج والتحالفات ما يدعم موقفه، وماذا نريد بعد ذلك؟

لم يبق إلا أن نمارس قليلا من الحنكة والكياسة ونعترف بالآخر، نجلس معه على طاولة الحوار ونتحدث معه بلغة عصرية بسيطة ومباشرة، نتبادل الأفكار والآراء بشأن أقصر الطرق للوصول إلى تفاهم وانسجام يحقق مصلحة الوطن العليا بعيدا عن الروح الأنانية، وبعيدا عن رغبات الانتقام وتسجيل النقاط والانتصارات التي يدفع ثمنها شعب البحرين.

هل نلاحظ أن السنوات الثلاث الماضية قد شهدت تراجعا على مستوى الوحدة الوطنية؟ هل نلاحظ مقدار الفتن والمقالات والمواقف الطائفية التي أخذت في التجذر بين أبناء المجتمع من جديد؟ هل نلاحظ ازدياد معدلات الفرز والتمييز في الدوائر والمؤسسات الرسمية وفي شركات ومؤسسات القطاع الخاص؟ هل نلاحظ ارتفاع مستويات التوتر، ومدى الاستجابة التي تلاقيها الدعوات الاقصائية بين أبناء الشعب الواحد؟

كلنا مسئول عما يحدث، لا يحسبن أحد أنه غير معني وغير مشارك فيما حدث وسيحدث من فرز وتأزيم في العلاقات بين أبناء شعب البحرين، وبكل تأكيد فإن الأيام المقبلة تحمل في طياتها المزيد من الألم والتوتر، إذا لم يسد التفاهم والتواصل بين أطراف اللعبة السياسية في البلاد، وإذا لم نتوقف عن ممارسة لعبة شد الحبل.

لا مناحة في ساعة الصراحة، "كلكم راع ومسئول عن رعيته"، والجميع لديه دور يجب أن يلعبه وأن يقوم به، ولا مفر من الحوار الذي يضع الجميع وجها لوجه أمام مسئولياتهم من دون الدخول في مباراة الغالب والمغلوب، لأننا جميعا يجب أن نلعب في فريق واحد، في مباراة من أجل تحسين فرص الحياة والمستقبل لأبناء هذه البلاد.

ببساطة مطلوب أن يتوقف الجميع عن التصرف وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة والحق المطلق، وكما قال الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، فلنبحث عن الصواب ونتبعه ولنبحث عن الخطأ حتى لا نقع فيه

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1011 - الأحد 12 يونيو 2005م الموافق 05 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً