العدد 1010 - السبت 11 يونيو 2005م الموافق 04 جمادى الأولى 1426هـ

معركتان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم تبدأ "أم المعارك" في الجولة الثالثة من الانتخابات اللبنانية. وتتركز "المعارك" في منطقتي البقاع وجبل لبنان ويتوقع أن تسفر عن نتائج غير منتظرة. فالتوازن في القوى بلغ درجة عالية من التقارب وخصوصا في أقضية جبل لبنان بسبب دخول الجنرال ميشال عون على خط تحطيم قوى المعارضة التي قادت الشارع في الشهور الماضية، وحققت مكاسب معينة بدأت تتهاوى واحدة بعد أخرى.

الكل يتهم "الجنرال" الأهوج بأنه وراء تلك الخلخلة التي أحدثت تلك الانقسامات وأثارت فوضى في التحالفات. والجنرال "العائد" يتهم الكل بأنهم حاولوا عزله وتطويقه خوفا من شعبيته التي اخترقت المناطق والطوائف.

وبين هذه التهمة وتلك يتوقع أن ينكشف المشهد الانتخابي عن تداعيات ترجح الاستطلاعات احتمال سقوط بعض رموز السياسة فيها.

المعارضة تتهم "الجنرال" وتحمله مسئولية تدهور الموقف ودفعه نحو المزيد من الانقسام الأهلي والاستقطاب الطائفي. و"العائد" يتهم المعارضة بأنها مسئولة عن الفساد وتدهور الاقتصاد وسرقة المال العام.

إلا أن الظاهر من تلك التحالفات الانتخابية وجود شبهة ما تلاحق "الجنرال". وهذه الشبهة دفعت خصوم عون إلى اتهامه بعقد صفقات وراء الستار بغية الانتقام من المعارضة لمصلحة جهات تميل إلى حشد القوى في معسكرات متناقضة تسهم في إثارة البلبلة وتحويل لبنان إلى ساحة للتجاذب الإقليمي. والتجاذب الإقليمي يعني سياسيا قطع الطريق على اللبنانيين، ومنعهم من التفاهم على "صيغة تسووية" لإعادة بناء دولة تضمن مصالح الجميع.

هناك مشكلة إذا يواجهها اللبنانيون في المستقبل القريب وخلاصتها إضعاف القوى السياسية التي توافق على تسوية داخلية تقوم على فكرة المشاركة والمصالحة من دون التخلي عن الثوابت المبدئية، تقابلها تغذية نزعات التطرف والاستنفار الطائفي وتركيز العصبيات في حلقات ضيقة لا تقبل بالآخر ولا تتعاطى معه إلا بلغة القوة.

هذه المشكلة تنتظر نتائج جولة اليوم من الانتخابات. فإذا أسفرت عن نجاح قوى التسوية يصبح احتمال عودة الاستقرار هو الأقوى، وسيفتح الطريق للبناء على ما تحقق من تقدم بسيط وتطويره نحو الأفضل. وإذا أسفرت عن نجاح قوى التطرف في شقيه "داخليا في كل طائفة وخارجيا في علاقات الطوائف ببعضها" يصبح احتمال عودة الاستقطاب الأهلي هو الأقوى، وهذا يفتح الطريق أمام القوى الإقليمية للعودة مجددا والتدخل في الشئون المحلية.

الطائفيون في لبنان أكثر من اللبنانيين. والنظام الطائفي هو أشبه بآلة توليد للطائفيين على حساب كل فكرة تميل نحو التسوية والمشاركة والتصالح على المبادئ العامة. وبسبب طبيعة النظام القادر على توليد الطائفيين نجح المتطرفون دائما في تأليب المشاعر وتوتيرها وإغلاقها على حلقات عصبية ضيقة تمنع المعتدلين من الوصول إلى المجلس النيابي للاسهام في بناء دولة تتخطى حدود الطوائف والمذاهب والمناطق.

هذه المشكلة قائمة و"الجنرال" ليس مسئولا عنها وإنما هو من نتاجها. فالتطرف سمة سياسية للطائفي حتى لو تحدث بلغة الإصلاح والتغيير. والطائفي في هذا المعنى لا تستقيم لغته إلا بمشاهدة التشنج والتوتر الذي يقوض الاعتدال على مستويين: في داخل كل طائفة من خلال خوض معركة سياسية ضد أبناء مذهبه. وضد الكل من خلال خوض معركة طائفية ضد أبناء المذاهب الأخرى.

و"العائد" حديثا من باريس يظهر فعلا كجنرال يقود المعركة على ضفتين: الأولى ضد الزعامات المارونية التقليدية في طائفته والقيادات المسيحية الحديثة "العاقلة والمعتدلة" في تجمع "قرنة شهوان". وفي الضفة الثانية يقود "الجنرال" معركة أخرى ضد تجمع قوى المعارضة وهذه ستكون نتائجها سيئة كثيرا على مستوى استقرار البلد وتطوره. فالجانب الأول من معركة "الجنرال" انقلابي وعنوانه يتلخص بمصادرة زعامة الطائفة. والجانب الثاني تحطيمي وعنوانه مصادرة زعامة لبنان. وفي الحالين ستكون سلبيات المعركة أكثر من إيجابياتها إذا نجح "العائد" في إسقاط المعارضة على أنواعها في "أم المعارك".

اللبنانيون ينتظرون، وهناك مخاوف كثيرة من النتائج. ويبقى السؤال: لمصلحة من يعمل "الجنرال"؟ ومن المستفيد الحقيقي من معاركه؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1010 - السبت 11 يونيو 2005م الموافق 04 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً