لطالما كانت السينما مرآة للمجتمع، تعكس قضاياه وهمومه وإشكالاته، فتكون بذلك جزءا من صوت الناس، تتحدث بلسان حالهم، وتنطق بكلماتهم. غير أن المنافسة التي لا تهدف إلى شيء سوى تحقيق أعلى الإيرادات على شباك التذاكر، جعلت من هذه القاعدة استثناء لا تقترب منه سوء الأعمال التي تسمى بـ «المهمة»، التي غالبا ما تواجه مقص الرقيب وتتعرض للكثير من العثرات التي قد تصل إلى حد المنع.
وهذا الوضع لم يعد حكرا على سينما بلدٍ معين دون غيره، فمن هوليوود في الغرب، إلى بوليوود في الجهة المقابلة من الشرق، الجميع يسعى للوصول إلى شباك التذاكر، وحصد بعد الملايين، حتى لو كان ما يقدم من عمل فيديو يصوره هواة من المراهقين لينشروه عبر موقع «يو تيوب» الشهير. وكما يبدو أن السينما المصرية تتصدر قائمة الدول العربية في هذا الإشكال وخصوصا أن عدد ما ينتج في مصر من أفلام سينمائية يفوق أضعاف وأضعاف ما ينتج في باقي الدول العربية، فبقدر محاولة الأعمال المنتجة في مصر التقرب وملامسة قضايا الشارع المصري، بقدر ابتعادها عن واقعها، ما لم يكن ابتعادها عن الواقع بأسره.
فعلى رغم أن السينما المصرية من أوائل السينمات العربية، وأقدمها على الإطلاق، ورصيد الأعمال في أرشيفها يزيد على بضعة آلاف عمل مسجل، فإنها تشهد في السنوات العشر الأخيرة موجات متتابعة من الأعمال الركيكة، والسطحية، التي جعلت منها مصدرا ممتازا لمقالات النقد اللاذع في الصحف العربية، حتى أنه بات من الشائع وصفها في هذه المرحلة بأنها في «أزمة»، وأن تاريخها الحافل بالأعمال المميزة، بات يهدم ويتداعى على أيدي الجيل الجديد.
ويقول البعض إن بداية هذه المرحلة في السينما المصرية كان مع فيلم «صعيدي في الجامعة الأميركية» من بطولة الفنان محمد هنيدي، الذي أطلق بشكل رسمي سلسلة من الأفلام تقوم على التسلية الخفيفة، التي تفعل أي شيء لتخرج الضحكة من المشاهد، حتى لو وصلت إلى حد التهريج والسطحية المبتذلة في الكوميديا... غير أن فيلم مثل فيلم هنيدي، لم يكن الأسوأ ولا الأكثر تعرضا للانتقاد، ففي وقتنا الحاضر يخرج لنا في كل يوم إعلان جديد لفيلم، لا هدف له ولا مغزى لقصته، والوجوه هي ذاتها التي ظهرت في الفيلم الذي سبقه.
وكثيرا ما يتحول الفيلم إلى ما يشبه الفيديو كليب اليوم، بأن تكون المبالغة في ديكورات المشاهد والتفنن في التصوير لا صلة حقيقية له بفكرة الفيلم الأساسية، فيكون الهدف من تصوير الفيلم في فيلا فاخرة ومترفة، أو على شواطئ المنتجع الفلاني، الذي لم يزره من المصريين سوى قلة، ولم يعلم بوجوده الغالبية... أن تصنع صورة جميلة كثيرا ما تكون ترويجية لأماكن أو منتجعات، لا ضرورة ولا ارتباط لها بجوهر القصة، فيتحول الفيلم إلى فيديو كليب، الهدف منه الترويج، ولا أهمية لدى منتجه الذي صرف عليه عدة ملايين أن يصل إلى أكثر من قيمة تذكرة يدفعها الجمهور، أو (DVD) يشتريه آخر، يحقق له إيرادات جيدة.
وفي مقابل كثرة الأعمال الرديئة، هناك عدد لا بأس به من الإبداعات السينمائية في مصر، التي طرحت الكثير من القضايا والموضوعات الشائكة والمهمة في المجتمع المصري خصوصا، وعلى مستوى قضايا الشارع العربي عموما، وكثيرا ما كانت هذه الموضوعات جريئة وتضع يدها على الجرح من دون مواربة أو تحايل، غير أن هذه الفئة من الأفلام، في غالبيتها، تعرضت للتوقيف في الرقابة ولـ «القصقصة»، ولتبديل المشاهد، وسير الأحداث، عوضا عن تعرضها للانتقاد دائما لجرأتها المفرطة في عرض الموضوعات التي أدت في عدة حالات إلى إثارة سخط واحتجاج المؤسسات الدينية المسلمة والمسيحية. كما رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد مخرجين وممثلين وكتاب سيناريو، لتطرقهم لبعض المواضيع الحساسة.
ويبقى أن نقول إن مصر التي تقيم عدة مهرجانات تهتم بالإنتاج السينمائي في مصر والوطن العربي، تعيدُ جدلا في كل عام حول الأفلام التي تستحق بشكل حقيقي أن تترشح للجوائز، فما يرقى لأن يترشح لجائزة مهمة، إما أنه شارك في عدة مهرجانات ومسابقات في دول أخرى، أو أنه محط جدل لدى بعض الجهات في مصر، مما سيثير المزيد من الجدل، الذي سيطول المهرجان أيضا، أو إن حالفه الحظ وتخلص من العثرتين السابقتين، فإنه لم يتمكن من أن يحقق الكثير، لأن الكثير من النصوص السينمائية المصرية المميزة، لم تحظ بإنتاج يوازي أهميتها، مما أضعفها في جوانب فنية تقنية.
العدد 2409 - الجمعة 10 أبريل 2009م الموافق 14 ربيع الثاني 1430هـ