العدد 1009 - الجمعة 10 يونيو 2005م الموافق 03 جمادى الأولى 1426هـ

عقلية جنرال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين عاد الجنرال ميشال عون من باريس إلى بيروت بعد غربة دامت 15 سنة كانت الأمور العالقة في لبنان شبه منتهية. فالجنرال العائد وصل إلى المطار في ظل مناخات سياسية انقلابية أطاحت بمعظم مراكز القوى التي أسهمت في إخراجه من قصر بعبدا خريف العام .1990

وصل الجنرال إلى المطار في حال من التوتر وكانت سمات عدم الارتياح بادية عليه. وظهر الغضب في تلك اللحظات من خلال سلوكه وتصرفاته "الفوقية" مع مريديه. فالجنرال أصر قبل بدء مؤتمره الصحافي على صمت المستقبلين ورفض الكلام حتى يعم السكوت القاعة. كان من الصعب على المنظمين فرض الصمت على كل المستقبلين. إلا أن الجنرال أصر على موقفه: السكوت قبل الكلام.

وبسبب هذه العقلية "العسكريتارية" تأخر المؤتمر. وتأخر أكثر حين أصر الجنرال على أخذ صورة تذكارية مع عائلته وأحفاده. وبين المطالبة بالصمت وسكوت الحاضرين وصراخ الأحفاد ظهرت ملامح رجل يتصرف مع الناس وكأنهم مجرد جنود في ثكنة عسكرية.

مشهد استقبال المطار والصورة التذكارية ووقائع المؤتمر الصحافي الأول كلها لقطات سريعة تكثف تلك التصرفات اللاحقة التي ستظهر من خلال تعاطيه مع القوى السياسية وتحديدا تيارات المعارضة التي كان لها الفضل في تمهيد الطريق لعودته. إلا أن الجنرال كما يبدو كان يفكر بحسابات أخرى. وهذه الحسابات أبدى بعض السياسيين تحفظهم عليها ودفعت ببعضهم الآخر إلى طرح أسئلة تتصل بنوعية الصفقة التي رتبها الجنرال مع جهات محلية مسئولة، وتلك الترتيبات التي عقدها من خلف الستار مع جهات إقليمية تخطط لقلب الطاولة ومنع اللبنانيين من الاتفاق على صيغة لهذا البلد المنكوب.

آنذاك لم تكن المعلومات واضحة. إلا أن صورة مشهد الاستقبال في المطار أعطت فكرة عن عقلية جنرال يميل إلى سياسة الثكنات والضبط العسكري في التعامل مع جمهور أحبه وذهب إلى المطار لاستقباله.

لم تمض الأيام حتى بدأت صورة الموقف تتوضح أكثر. فالجنرال يريد استئناف ما انقطع بعد خروجه من القصر الجمهوري. فهو غير مكترث بالتحولات التي طرأت على البلد، وغير مهتم بنمو تيارات سياسية تميل إلى المشاركة والتعايش والنهوض بالبلد كوحدة تجتاز كل تلك الانقسامات التي أنهكت الناس وأهلكت الخزينة. فهو كما ظهر من تصريحاته المتوترة وحركاته الغاضبة وتصرفاته "العسكرية" في المطار، لم يتعلم من قساوة التجربة اللبنانية. فهو لايزال يعيش في الماضي ولم يستوعب تلك المتغيرات التي طرأت على لبنان خلال فترة غيابه. فالجنرال حاول إعادة الزمن إلى تلك اللحظات التي غادر فيها القصر قبل 15 سنة. وهو لحسابات غير مفهومة حتى الآن قرر تكسير تلك المعارضة التي يرى أنها سرقت منه الأضواء وقادت في فترة غيابه حركة الشارع وحشدت الناس تحت شعارات أنهت الكثير من العقبات والملفات القضائية التي حرمته من العودة.

الجنرال الآن يعيش في الماضي في وقت تحاول مختلف الجهات اللبنانية توحيد القوى لمواجهة استحقاقات سياسية خطيرة بعد الانتهاء من الانتخابات. وبسبب تلك الأوهام والهواجس المحكومة بعقلية عسكريتارية تعاطى مع الحلفاء بلغة فوقية آمرة تريد أولا الطاعة ولا تقبل ثانيا سوى السكوت قبل أن يبدأ الكلام.

مشهد المطار وإصرار "العائد" على صمت المستقبلين وسكوت كل الحاضرين حتى ينتهي من أخذ صورة تذكارية مع الأولاد والأحفاد وصهر العائلة... كلها إشارات دلت على سلوكية متوترة وعقلية غاضبة وسياسة متشنجة لا ترى في "الميدان إلا حديدان" كما يقول المثل العامي اللبناني.

غدا ستبدأ الجولة الثالثة من الانتخابات في جبل لبنان والبقاع وهي الأهم من ناحية تعبيراتها وانعكاساتها السياسية. والملفت في المسألة أن لوائح الجنرال "العائد" عقدت سلسلة تحالفات مع رموز المرحلة السابقة في مواجهة لوائح المعارضة. فمعركة الجنرال كما يبدو لم تنته في العام 1990 بل بدأت ثانية ويريد استئنافها ضد خصومه السابقين من دون إدراك منه أو ملاحظة تلك المتغيرات التي جمعت المتعارضات في "وحدة لبنانية" قلقة تحتاج إلى وقت لإعادة تثبيتها.

الجنرال الآن يقاتل المعارضة من موقع القوى التي أسهمت في طرده من لبنان، والسبب أن عقلية العسكريتاريا لا تفهم لغة التخاطب ولا تستوعب المتغيرات، فـ"العائد" يريد استئناف الحرب بالسياسة ويفضل ممارسة السياسة بلغة المدافع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1009 - الجمعة 10 يونيو 2005م الموافق 03 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً