شكل فوز تحالف أمل - حزب الله في انتخابات الجنوب اللبناني مناسبة للإدارة الأميركية لتجديد ذريعتها بسحب سلاح المقاومة ودعوتها لتطبيق البند الثاني من القرار الدولي . 1559
فوز التحالف الكاسح ليس أمرا مفتعلا. فأبناء المنطقة قرروا منذ فترة طويلة إعطاء التوكيل الشعبي لهذا التحالف بعد أن نجح في تحقيق الكثير من المطالب الأمنية والسياسية والدفاعية والإنمائية لقرى وبلدات المحافظة الجنوبية، وبالتالي فإن الضغوط الأميركية لسحب سلاح المقاومة توازي ذاك الضغط المتعلق بإلغاء التوكيل "الثقة" الذي منحه أبناء الدائرتين للتحالف الثنائي لتمثيلهم في المجلس النيابي.
انحياز أبناء المنطقة الجنوبية لهذا التحالف ليس جديدا، والمحاولات الأميركية لربط خيار المحافظة وحصره سياسيا بمسألة السلاح والقرار 1559 ليس دقيقا. فالانحياز يعود إلى فترة سابقة وله صلة بمجموعة عوامل لا تقوى الإدارة الأميركية على قراءة تفصيلاتها وفهم معانيها وإشاراتها. فالتعاطي مع الموضوع يمر في سياق تحولات اجتماعية فرضت شروطها السياسية وأنتجت خيارات بديلة عن تلك التي كانت سائدة في خمسينات وستينات القرن الماضي.
التصويت الكاسح الذي بادر إليه أبناء المنطقة لمصلحة التحالف الثنائي لا يختزل بنقطة واحدة ولا يختصر في مسألة محددة. فالقرار الدولي 1559 مضت عليه بضعة أشهر فقط بينما مشكلات الجنوب تمتد إلى عقود زمنية من المعاناة. وهذا ما يجب أخذه في الاعتبار وإدخاله كعنصر أساسي في فهم تلك التحولات التي أسهمت في تعديل اختيارات أبناء الجنوب وسحب توكيلهم السابق للأسر والعائلات لمصلحة قوة جديدة تعبر عن طموح الطائفة ومختلف سكان تلك المنطقة المهمشة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. فتلك الدائرة عانت من التمييز والتفرقة ودفعت نيابة عن اللبنانيين الكثير من التضحيات والدمار والتهجير بسبب الاعتداءات الإسرائيلية أو نتيجة انعدام الفرص.
الجنوب لا شك صوت لخيار المقاومة ورفض سحب السلاح وضد القرار .1559 ولكن هذا الجانب يشكل أحد أوجه الخيارات وإلا لكان أهالي المحافظة صوتوا أيضا للأسير المحرر "أنور ياسين" وكذلك للمرشح الشيوعي سعدالله مزرعاني.
مسألة التصويت لهذا الفريق أو ذاك لا تختصر بالعنصر الأيديولوجي ولا يمكن قراءة تعقيداتها ضمن سياق واحد أو حلقة محددة، فهو إلى جانب تضمينه هذا البعد السياسي "الأمني الدفاعي والمقاوم" هناك أيضا رسالة واضحة وجهها إلى كل القوى المراقبة بأن الجنوب لن يعود إلى الوراء إلى ما كان عليه الوضع في عهود الخمسينات والستينات.
هناك تحولات عميقة طرأت على الطائفة داخليا وفي علاقاتها مع الطوائف الأخرى، وهذه التحولات لا تقتصر على النمو الديموغرافي "السكاني" وإنما على تطور موقعها ودورها في الحياة السياسية اللبنانية. فالشيعة ومنذ انتفاضة الإمام موسى الصدر انتقلت من طائفة على هامش المشهد السياسي إلى قوة فاعلة تسهم في صنع ذاك المشهد. والجديد في تلك القوة النامية اقتصاديا والصاعدة اجتماعيا أنها انتقلت بوزنها السياسي - الثقافي من الهامش إلى المتن وباتت جزءا من الصورة وليست طارئة عليها. فمن دون الشيعة يصعب اليوم تصور قيام دولة لبنانية متوازنة تعتمد المساواة والمشاركة من دون تفرقة أو انحياز أو تهميش.
هذا الجانب يعتبر من تلك النقاط الساخنة في الحياة السياسية، وإهمال هذه المسألة يعتبر محاولة لإسقاط التوكيل الشعبي للتحالف الثنائي وفرض خيارات قهرية "غير ديمقراطية" على أبناء منطقة حققت الكثير من التقدم على مختلف المستويات تحت مظلة ذاك التحالف الثنائي الذي بدأ في مطلع السبعينات واستؤنف وتطور نوعيا في مطلع الثمانينات وتجدد بتحالف الطرفين: أمل وحزب الله.
المسألة إذا لا تختصر بموضوع السلاح ولا برفض أبناء المنطقة للقرار 1559 وإنما هي في جوهرها نتاج تحولات عميقة طرأت على علاقات القوى السياسية وتراجع دور الأسر والعائلات الشيعية التي لم تلحظ ذاك النمو فتأخرت في تلبية حاجات الناس وطموحاتهم. فالتحالف في منطوقه التاريخي شكل نقلة نوعية في خصوصية تطور الطائفة الشيعية على المستويات الاجتماعية والثقافية وبالتالي فإنه يمثل نيابيا ذاك الوعي المختلف عن فترات مضت ويصعب إعادتها مهما كانت الذرائع الأميركية أو الاعتبارات الإقليمية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1006 - الثلثاء 07 يونيو 2005م الموافق 29 ربيع الثاني 1426هـ