بالأمس طالعتنا جميع الصحف المحلية بخبر حادثٍ أليم، أودى بحياة خمسة أشخاص، من بينهم طفل في الرابعة من عمره، وأرجعتني الذكريات إلى حادث أليم آخر وقع قبل سنة ونصف تقريبا، لإحدى طالباتي الخريجات، أودى بحياتها كذلك.
انهمرت الدموع وأنا أتذكر ذلك الحادث، وأتذكر تلك الفتاة، التي كانت في كنف مدرستي لمدة ثلاث سنوات، وكانت إحدى خريجاتي المتميزات، ولاأزال أذكر قدومها إلى المدرسة بمعية صديقاتها بعد التخرّج بفترة، للسلام علينا وعلى مُدرّساتها اللاتي لم تنسهن.
كانت ذكية ومرحة ورياضية، وتعشق الدراسة والعلم، وشرّفتنا بدخولها إلى الجامعة الأميركية بلندن، وعندما قَدمت إلى البحرين لم تدر بمصيرها المحتوم، إذ إن الموت كان ينتظرها في بلدها.
كنت إذا أردت أن أتعلم كلمة بالإنجليزية أجهلها، كانت تبادر وتعطيني ما أريد، فلقد كانت تتكلم الإنجليزية كما تغرّد بعربيتها المحلية الواضحة، وكانت علاقتنا بمثابة علاقة الأم بابنتها، وكيف لا نتعلّق هذا التعلق بطلّابنا، ونحن الذين نراهم مدة ثلاث سنوات على التوالي، حتى نلبسهن ثوبَ التخرج، وتمضي الحياة بآخرين يدخلون حياتنا.
فقدناها وفقدتها أمها التي كانت تحضر إلى المدرسة بين يوم وآخر، لتأخذها تارة إلى إحدى المسابقات العلمية، أو تارة أخرى لإحدى المباريات المنظّمة من قبل المدرسة، وغيرها من الفعاليات الكثيرة في ملفّها. وعندما سمعت بخبر وفاتها لم أصدق، إلا عندما رأيت والدتها الحنون تبكي ضياع شباب هذه الطفلة الصغيرة، ولقد كان بمفارقتها الحياة، تأثير سلبي على حياة من حولها.
فمنهم من واقعه الذنب إلى يومنا هذا، ومنهم من اعتصر قلبه ألما، ومنهم من راح بطريق عكس الذي شقّه في حياته، وكان سبب حادثها، سرعة وعدم انتباه، أو قدر ولطف الرب بها من هذا العالم! وأيا كانت الأسباب، فإن الفراق دائما صعب، والمرء يحاول النسيان ويحاول التعايش مع هذه الحياة، ولكن تمر الذكريات بين الفينة والأخرى، لتطرق باب الحزن علينا وتذكرنا بالأحباب.
يا ليتنا نفهم تأثير فقد الأحبة على حياتنا، عندما يتعرضون لحادث مفاجيء في الشارع، ويا ليتنا ننتبه إلى سياقتنا في الشوارع، ويا ليتنا نحمل مسئولية وصولنا ووصول غيرنا إلى البيوت بأمان، فالتهوّر وعدم التركيز وحمل الهاتف النقال، يعرّضنا ويعرّض من حولنا إلى الهلاك والموت. ولن نقول «لو» التي تجلب الشيطان، ولكننا نريد الوعي المجتمعي بخطورة قتل الروح، وتعريض النفس والناس للخطر، وإن كانت وزارة الداخلية وإدارة المرور لم تقصّرا في هذا الجانب، ولكن يجب علينا داخل أنفسنا أن ننتبه من كوارث قد نُحدثها، فتُغير حياتنا سلبا وتجعلنا تعساء طوال العمر.
والوقاية في جميع الأحوال أفضل من العلاج.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2408 - الخميس 09 أبريل 2009م الموافق 13 ربيع الثاني 1430هـ